وقفات تربوية من حياة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها
إن المرأة المسلمة التي تريد من نفسها أن تقتدي بأمهات المؤمنين، عليها أن تعرف سيرة النساء الأوليات، وكيف كن في تحمل أعباء الدعوة إلى الله -عز وجل- وتربية أبنائهن على نصرة هذا الدين الحنيف، وإن النظر في سيرة أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- كافٍ في تكوين المرأة نفسها، وبيان منزلتها في الدين، وعظم مشاركتها في الحياة.
فالسيدة خديجة -رضي الله عنها- امرأة مؤمنة تجسد فيها كمال الأنوثة، وحسن التبعل، وحق المسؤولية، فقد عرفت بذكائها، وجلالة قدرها؛ بل إنها من النساء الكاملات، والكمال في النساء قليل، نقية السريرة، صافية الروح، اجتمع لها حسن الخلق، وشرف الحسب، وعلو النسب، مصونة كريمة، وكان من خبرتها أنها تستأجر الرجال في التجارة بمالها مضاربة بشيء منه تجعله لهم.
الزوجة الكريمة
إنها الزوجة الكريمة القائمة بالمسؤولية على تمامها، تخفف عن زوجها ما يلاقي، وتهون عليه ما يواجهه، لها مقام صدقٍ من أول البعثة؛ فقد خففت عنه وواسته بحسن لفظها، وعمق مشورتها، ووفرة مالها؛ فأحسن الله مثوبتها، ورفع درجاتها، وأعلى مقامها، حتى استحقت أن ينقل لها الروح الأمين جبريل سلام رب العزة.
جاء في خبر الصحيحين من حديث أبي هريرةرضي الله عنه قال: «أتى جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، هذه خديجة قد أتتك بإناء فيه إدامٌ وطعام وشراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني -وفي بعض الروايات- فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا خديجة هذا جبريل يقرئك السلام، قالت: لله السلام ومنه السلام، وعلى جبريل السلام -وفي بعضها- وعليك السلام ورحمة الله وبركاته».
الطُهر والعفة
أما طهارتها، فقد كان لقبها في الجاهلية (الطاهرة) والمرأة التي تحمل هذا اللقب في مجتمع جاهلي أكلته الفواحش، وجازت فيه الدعارة، واشتهرت فيه البغايا، لهي امرأة بلغت من العفة والنقاء مبلغًا رفيعًا؛ أهَّلَهَا لهذا الاصطفاء الرباني؛ بحيث اختارها الله زوجةً لخاتم الأنبياء، ولله در العفة، بَلَّغَت أهلها الدرجات العلا!
الحكمة
وأما حكمتها فهي صاحبة مقولة تُعد من أبلغ ما دونته العرب في الحكمة، تلك التي قالت فيها - مخففة من خشية رسول الله على نفسه يوم نزلت {اقرأ} «كَلَّا أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ» (البخاري: 4572)، ثم انطلقت تمشي به إلى ورقة بن نوفل -وكان عالمًا بالأديان-، لتَحُلَّ لزوجها اللغز الذي أُشكل عليه في أمر النبوة. ولم تكن بالمرأة السلبية التي لا تبالي بشؤون زوجها.
خير نساء الجنة
لا شك أن امرأة بمثل هذه الأوصاف لا بد أن يكون لها منزلة رفيعة، فها هو ذا الرسول صلى الله عليه وسلم يعلن في أكثر من مناسبة بأنها خير نساء الجنة؛ فقد روي عن أنس بن مالك -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «حسبك من نساء العالمين: مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون».
لاتوجد تعليقات