رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: محمد الباز 19 أغسطس، 2024 0 تعليق

وقفات تربوية  من أحاديث خير البرية – إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ

  • كان النبي صلى الله عليه وسلم  نبيا وحاكمًا يستقبل كل رعيته ويرفق بهم حتى اليهود منهم
  • تقدير تحية الإسلام والحرص عليها لأنها من أهم ما اختص الله به الأمة المسلمة
  • الرفق يجعل القلوب تلين على صاحبه فصاحب الرفق محبوب لأنه تبع لمحبة الله
  • إذا دعا الداعي بشيءٍ ظُلمًا فإنَّ الله لا يَستجيب له
 

روى الشيخان واللفظ للبخاري، أَنَّ عَائِشَةَ، -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، (زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم )، قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ اليَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ»؛ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «قَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ».

         لم يكن مجتمع المدينة خالصًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وللمسلمين الصادقين كما يظن بعض الناس، بل كان فيه من اليهود والوثنيين، إلى جانب المنافقين داخل الصف المسلم، وبمقتضى الإدارة ومسؤولية النبي - صلى الله عليه وسلم - بوصفه حاكما للمدينة وأمة الإسلام فيها، فمن الطبيعي أن يستقبلهم أحيانا لعقد لقاءات للتباحث في الشؤون المشتركة، فيتبسط معهم ويرفق بهم، فهم مستهدفون بالدعوة للإسلام على أي حال.

الحسد والعداوة والبغضاء

          لكن، وكما قال -تعالى-: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}، وقوله -تعالى-: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}، تأبى نفوس اليهود إلا أن تبدي بعض ما انطوت عليه من الحسد والعداوة والبغضاء لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فحيوه بتحية قبيحة يدعون عليه فيها بالموت، فقالوا السام بدلا من السلام، جريا على منهجهم الأصيل في تحريف الكلم عن مواضعه والتلاعب بالألفاظ. ورغم ما في قولهم من القبح والشناعة، فلم يزد - صلى الله عليه وسلم - على أن يردها عليهم بقوله: «وعليكم»، رفقا بهم، وحرصًا على مكافئتهم بمثل مقصدهم دون زيادة، وفي هذا الموضع نزل قول الله -عز وجل-: {وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ}.

مهلا يا عائشة

        ورغم هذه الجريمة الواضحة نجده - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مهلا يا عائشة»، فأمرها بالتمهل والرفق في استقبالهم رجاء إسلامهم ليروا أخلاق الإسلام، مع ما بدر منهم من عداوتهم حتى في دخولهم، مع تطييب خاطر السيدة عائشة -رضي الله عنها- بما ورد في إحدى روايات الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها: «فَيُسْتَجَابُ لِي مِنْهُمْ، وَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ»، يعني: إن الله يجيب دعوتنا عليهم ولا يجيب دعوتهم علينا. ونجد هذه الواقعة تأتي مصداقا لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي رواه أحمد وصححه الألباني، أنه قال: «ما حسَدَتْكم اليهود على شيءٍ ما حسَدَتْكم على السلام والتأمين».

تقدير تحية الإسلام والحرص عليها

          وهذا الحديث الأخير يوجهنا إلى تقدير تحية الإسلام والحرص عليها؛ لأنها من أهم ما اختص الله به الأمة المسلمة، فهي كلمة عظيمة وهداية من الله لمن أحبه من خلقه، لما ورد عند الشيخين عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «خلَق الله آدم وطوله ستون ذراعًا، ثم قال: اذهب فسلِّم على أولئك من الملائكة، فاستمع ما يحيونك، تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله»، فلا ينبغي الاستهتار في إلقائها ولا التهاون في لفظها.

دعاء وخبر

        وتحية «السلام عليكم» جملة تحمل دعاء وخبرا، فالدعاء: سؤال من الله للذي تُسلِّم عليه أن يسلم من كل سوء وشر في الدنيا والآخرة، والخبر؛ حيث تخبر من تُسلِّم عليه أنه يسلم منك ولا يصيبه منك شر أو أذى، ولما تحمله تحية الإسلام من معانٍ دقيقة، ونتلمس معاني الرفق من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي أحاطت بالموقف، فقد حث - صلى الله عليه وسلم - على الرفق حتى مع أعدى أعدائه، لتكون مجالسه - صلى الله عليه وسلم - مجالس لين ورفق ورأفة بالداخل والجالس والسائل والمحتاج والملهوف، من المسلمين وغيرهم.

ارتباط الرفق بمحبة الله -عزوجل

        وبين - صلى الله عليه وسلم - ارتباط الرفق بمحبة الله -عزوجل-، الأمر الذي يدفع المسلم للصبر عليه تعبدا وابتغاء لمرضاة الله، فإن محبة الله لشيء تدل على كثرة نفعه وأنه يدخل في أكثر الأمور، فالرفق يجعل القلوب تلين على صاحبه فصاحب الرفق محبوب؛ لأنه تبع لمحبة الله، وهو أدعى لقبول الدعوة والنصيحة عند الناس، مع مراعاة أنه ينبغي أن تجتمع الحكمة مع الرفق؛ فبعض المواضع يفسد الرفق فيها، وثمة مواضع كثيرة يجب فيها الغلظة وربما القتال أيضًا.

أبعاد شخصية أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها

         ومن وجه آخر في الحديث الجليل نستطيع أن نلمس أبعادًا في شخصية أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، فهي امرأة فطنة ذكية رغم صغر سنها، ويتضح ذلك في قولها «ففهمتها»، وهي صاحبة غيرة على مقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، النبي والزوج تدافع عنه ولا تسكت على التقليل من مقامه الشريف، وهي صاحبة شخصية صلبة ترد صراحة على اليهود كلمة السوء دون مهادنة.

الابتعاد عن الفحش من الكلام

         وفي الحديث أيضا من بليغ الفوائد أن المسلم ينبغي له أن يبتعد عن الفحش من الكلام، حتى ولو كان في مقام رد الاعتداء عن نفسه، فيكتفي بما يدفع به عن نفسه ولا يزيد على ذلك، وأنه إذا دعا الداعي بشيءٍ ظُلمًا فإنَّ الله لا يَستجيب له، وفيه من قول عائشة «أولم تسمع ما قالوا؟» جواز تنبيه المستمع إلى معنى ما إن كان هناك ظن أنه لم يفهمه، أو لم ينتبه له. وفيه دفاع المرأة عن زوجها بمقتضى كونه مسلما وبمقتضى كونه زوجا فهو أدعى، وفيه تعليم الرجل امرأته ما يليق وما لا يليق من الكلام والسلوك؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما أقر عائشة على لعنها اليهود رغم إساءة اليهود له.

إثبات صفة الحب لله -عزوجل

         وفي الحديث من الفوائد العقائدية إثبات صفة الحب لله -عزوجل- على الوجه الذي يليق به -تبارك وتعالى- {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}، وجواز لعن الكفار على العموم، وعدم جواز لعن المُعيَّن منهم؛ فلعله يُختم له بالإسلام؛ وذلك لأن اللعن هو الطرد والإبعاد من رحمة الله -عز وجل.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك