وفاة عالمة – سُكَينةُ ابنة محدث العصر الإمام الألباني في ذمة الله
توفيت الأسبوع الماضي العالمة الناسكة: أم ناصرالدّين، سُكَينةُ ابنة محدث العصر الإمام محمد ناصر الدين الألباني، المكية، وذلك صباح يوم السبت 3 ربيع الثاني 1441هـ، الموافق 30 نوفمبر 2019 عن عمر يناهز الخمسين عاماً وهي زوجة العالم ماهر بن ظافر القحطانيّ المكي، كانت -رحمها الله- من مقرئات القرآن، وصاحبة سنة وأثر، وكثير من فقهها وعلمها مدوَّنٌ في مدونتها، وكان لها عناية خاصة بعلم أبيها، سماعًا وسؤالا ومباحثة ونظرًا وتسجيلًا وتدوينًا.
ومما عرف عنها عدم اهتمامها بأي موقع من مواقع التواصل الاجتماعي، قالت: «ليس لي أيُّ صفحةٍ ولا أيُّ اسمٍ في أيٍّ مِما يسمَّى بمواقع التواصل؛ (فيس بوك، وتويتر، وجوجل بلس، ولا الواتس اب.. إلخ، ولم أشترك في أيٍّ منها ولا لحظة منذ عُرفتْ، وعمومًا فإني لا أكتب إلا في هذه المدوّنة: (تمام المنّة)، والمدوّنةِ المشتركةِ مع شقيقتي حسَّانة -وهي مِثلي فيما ذكرتُ-: (كتاب الدليل إلى كيفية تعليم القرآن الكريم) اهـ
قال عنها زوجها
إنّا لله، وإنّا إليه راجعون. في صبيحة أوّل سبت من ربيع الثّاني 1441 من هجرة النّبيّ المصطفى توفّيت زوجتي أم ناصرالدّين سُكَيْنة بنت المحدّث ناصر الدّين الألبانيّ، فرحمها الله وغفر لها، وجعلها في الفِردوس الأعلى وثبّتها عند السّؤال، لقد كانت صالِحة صاحِبة حديث وأثر، مسندة للقرآن، برّة بأمّها وزوجها.
من مصنفاتها
كتاب: (سألت أبي العالم الإمام محمداً ناصر الدين بن نوح الألباني)، وكتاب: (الدليل إلى تعلم كتاب الله الجليل) (مع أختها: حسانة)(3 مجلدات).
رثاء أختها
وقد رثتها أختها حَسَّانَة فقالت: شقيقتي الحبيبةُ الفقيهةُ سُكَيْنَةُ.ابنةُ المحدِّثِ الألبانيّ.. رحمةُ اللهِ عليهِ وعليها، إنّ القلبَ ليحزنُ، وإنَّ العين لتدمع، وإنّا لفراقكِ يا شقيقتي الحبيبة الرّاقية الرّائعة (سكينة) لمحزونون، عن أي شيءٍ أتحدّثُ؟ والغصّةُ لفراقها، والألم في القلب لا يعلمُ عمقَهُ إلّا الله! كلُّ النّاسِ يحبون شقيقاتِهمْ، لكن (سكينة) بالنّسبةِ لي تختلف!
كانت توأمي
- سُكَيْنَة! كانت توأمي رغم الفارق بيننا في السّنّ بل كانتْ جزءًا من روحي! رفيقة عمري، وأنس دربي، عندما تُذكر حسّانة، تُذكرُ معها سكينة، وكنا نتمثل في حياتنا بالآية الكريمة في سورة «طه»: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35)}، فكنّا فيما نراهُ من فتنٍ وقيلٍ وقالٍ، نتساعدُ لننأى عنها، نشدُّ من أزرِ بعضِنا، وننبِّهُ بعضنا، ونُثبِّتُ بعضَنا، ونتثبَّتُ لئلَّا نصيبَ أحدًا بجهالةٍ، ونرشدُ بعضَنا إلى البعدِ عنها، وننصحُ بعضَنا أن نكونَ خيرَ سلفٍ لدعوةِ والدِنا -رحمةُ اللهِ عليهِ-؛ فلَا نفرِّطَ فيها فنموتَ على السُّنَّةِ متمسِّكينَ بها.
شهادة (فقِيْهَة)
- سُكَيْنَة! التي أعطاها والدها شهادة (فقِيْهَة)، وقلَّما سألناها سؤالًا فقهيًّا؛ إلَّا وأجابت عنهُ إجابةَ العلماء، ومع ذلكَ، كانت مخفيّةً تختبئُ منَ النّاسِ؛ تواضعًا، وتحتقرُ نفسَها، وتقولُ: «أنتم مخدوعونَ فيَّ؛ لستُ بعالِـمَةٍ»!
سألتُ أبي
- سُكَيْنَة! التي خرج لها مؤخَّرًا كتاب مميَّز رائق ندرَ نظيرهُ؛ بعنوان: (سألتُ أبي)!، فلحقتْ -بُعيدَ صدورِهِ- بأبينا الحبيبِ! جمعهما الله في الفردوس الأعلى.
البارَّةُ بأُمِّنا
- سُكَيْنَة! البارَّةُ بأُمِّنا، فأينما جلستْ أمُّها جلستْ، حتَّى إنَّها تنقلُ مكتَبها وكتبها حيثُ تجلسُ أمُّها، وتنامُ بجانبِها إلى أن تزوجتْ، وتتلمَّسُ بيدِها تنفُّسَ أمِّها وهي نائمةً؛ اطْمئنانًا على صحَّتِها، فلحقتْ بها بُعيدَ وفاةِ والدَتِنا الحبيبةِ بخمسة أشهر تقريبًا، جمعهما الله في الفردوس الأعلى، وكانت مرجعًا لإخوانها وأخواتها وأبنائهمْ استفتاءً بعد وفاةِ والدي -رحمةُ اللهِ عليه وجمعها بهِ في الفردوس الأعلى.
تهرب من النّاس
- سُكَيْنَة! التي كانت تهرب من النّاس خشيةَ أن تؤذيَ أحدًا وهي لَا تشعرُ، ومع ذلكَ، كانت محطَّ نظرِ من يراها إعجابًا وتعجُّبًا! وكانت (كالأطفالِ) في براءتِها ولطفِها طوال حياتِها إلى مرضِها فمماتِها!
ابْتُليتْ بأشدِّ الآلام
- سُكَيْنَة! التي ابْتُليتْ بأشدِّ الآلام، وقد لَازمْتُها طيلةَ مرضِها؛ فما سمعتُ منها سوى أنينٍ يسيرٍ جدًّا، حتى يخال من يسمعُها أنّ مرضَها يسير؛ لكنَّهُ في جوهرِهِ أليمٌ شديدٌ، ممّا أرجو لها أنْ يرزقها اللهُ أجرَ (الشّهادة)، فهي لم تتسخطْ يومًا أو تشتكي؛ بل تعودُ باللَّائمةِ على ذنوبِها وتقصيرِها مع ربِّها.
العملِ بالسّنَّةِ
- سُكَيْنَة! الحريصةُ على العملِ بالسّنَّةِ بتفاصيلِها، فأينَ ثمَّ الدّليل أخذتْ بِهِ، وحثَّتْ عليهِ، ولقد كان (المسواك) في يدِها دائمًا وبجانبِها أيَّامِ مرضِها، وكنتُ أسوِّكها في أواخرِ أيَّامِ حياتها لمعرفتي حُبَّها للسّواكِ، وصلَّى عليها المئاتُ إن لم يكنِ الآلَافُ في الحرمِ المكّيَ الشّريف، ويسَّرَ اللهُ لها دَفنَها (لحدًا) كما السُّنّة، فكانتْ على (السُّنَّةِ) حتَّى لـمَّا صارتْ تحتَ الثّرى.
المطيعةُ لزوجِها
- سُكَيْنَة! المطيعةُ لزوجِها؛ فكانَ ما يعرِضهُ عليهِ زوجُها -الفاضلُ- تقبلُهُ بلَا نقاشٍ، وتقولُ: «هو يريدُ ذلكَ»، ولَا تزيدُ على هذِهِ الجملة! وكانتْ تتركُ الكثيرَ من أعمالِها لتسمعَ دروسَ زوجِها التي كانتْ تُبثُّ مباشرةً عبرَ الشّبكةِ، فلَا يفوتُها، وماتتْ وهيَ راضيةٌ عنْهُ، تشهدُ لهُ بصلَابةِ الدِّينِ، واتّباعِ الأثرِ، وحُسنِ الخلقِ والتّعاملِ معها، وهو راضٍ عنها، فقدْ كانتْ هيَ كذلِكَ معهُ.
تخافُ عذابِ القبرِ
- سُكَيْنَة! كانت تخافُ عذابِ القبرِ جدًّا! وتخشى على نفسِها منْ عدمِ الثّباتِ! كانَ وجهُها -بعدِ غسلِ الميت- كوجْهِ العروس، مع ابتسامتِها الخجولةِ البريئة بشكلِ ابتسامتِها نفسِهِ عندما كانتْ طفلةً!
الإعراض عن اللغو
- سُكَيْنَة! كانت لَا تحتملُ نصف ساعةٍ من سماعِ اللّغو، بينما تجلسُ بالسّاعاتِ على سماعِ العلمِ الشّرعيّ ومدارسته لَا تملُّ.
فارقَتْ مكتبَها
- سُكَيْنَة! فارقَتْ مكتبَها وكتبَها ودفاترَها التي رقَّمتْها وفهرستها بنفسِها؛ حيث كانت تجد فيها سلوةً لها في الحياةِ؛ فتركتْ لنا حسرةً وألمًا وعذابًا كلَّما رأينا تلك الكتب من غيرِها.
قوّامةً صوّامةً
- سُكَيْنَة! كانتْ قوّامةً صوّامةً حافظةً للقرآنِ الكريمِ، فأَجأرُ إلى اللهِ أن يُلبِسها تاجَ الوقارِ وأن يشفعاِ لها: قَالَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ! إِنِّي مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ؛ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النُّوْمَ بِاللَّيْلِ؛ فَشَفِّعْنِي فِيهِ؛ فيشفعان»، (صحَّحهُ والدنا رحمةُ اللهِ عليه، «مشكاة المصابيح»، 1963).
كانتْ حياةً لي
- سُكَيْنَة! كانتْ حياةً لي ونفسًا في الحياةِ، دراستي معها، وسماعي للدّروس معها، وكتابتي معها، أكلُنا شربُنا، عرضنا للقرآنِ الكريم وبعضَ القراءاتِ على بعضِنا، وكان لنا جدولٌ لقراءةِ بعضِ الكتبِ الشّرعيّة، ولكنَّهُ توقّفَ بسببِ مرضِها، وحتَّى في أثناء شدَّةِ مرضِها كانتْ تقول لي: «هاتي كتابًا نقرؤهُ»! «تعالي نراجع القراءات»! ليكون لها فسحةً في ضيقِ آلَامها، لَا أدري إلى متى أستطيعُ العيشَ منْ غير مشاركتِها لي في تفاصيلِ حياتي، فما افترقْنا طيلةَ حياتِنا حتى توفّاها اللهُ -عزّ وجلّ.
- سُكَيْنَة! حبيبتي، ومن لَا يحبُّ سكينة؟!
تذكِّرنا بعائشةَ -رضي الله عنها
- سُكَيْنَة! كانتْ بتمسُّكها بالسُّنَّة وبأخلَاقها وفقهِها تذكِّرنا بعائشةَ -رضي الله عنها- ولكأنها كانتْ صحابيّةً في هذا القرن!
مساحةُ صمتٍ
- سُكَيْنَة! مساحةُ صمتٍ فيما تبقَّى من حياتي إلى أنْ تطمئنَّ نفسي أنَّها في الفردوسِ الأعلى، وقدْ عوَّض اللهُ صبرَها، وحرمانَها منَ الكثيرِ منَ ملذَّاتِ الحياةِ، ومعاناتها الصّامتة.
الثناء عليها
- سُكَيْنَة! كمْ مِنْ ذوي الصَّلَاحِ أثنى عليها! قالَ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ! وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ! أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الْأَرْضِ! أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الْأَرْضِ! أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الْأَرْضِ!»، (متفقٌ عليه)، وقد قالَ والدي -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ (أحكام الجنائز)، (ص:44): «والثَّناءُ بالخيرِ على الميِّتِ مِنْ جَمْعٍ مِنَ المسلمينَ الصَّادقِين أقلُّهُم اثْنَانِ مِنْ جيرانِهِ العارفينَ بهِ منْ ذَوِي الصَّلاحِ والعِلْمِ؛ مُوجِبٌ لهُ الجنَّة!».. ثمَّ ساقَ الحديثَ -رحمَهُ اللهُ.
عزائي وضمادي
- سُكَيْنَة! عزائي وضمادي في فقدِها وفقدي لمن قبْلَها أحبَّتي: (والدي ووالدتي وشقيقي عبد المصور) هو: هم السّابقون ونحنُ اللّاحقون! وقولُه - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أصيب أحدكم بمصيبة؛ فليذكر مصيبته بي؛ فإنها أعظم المصائب»! (صحّحهُ والدي -رحمةُ اللهِ عليهِ- في الصحيحة، 1106)، أسألُ اللهَ الحيّ القيّوم لها الفردوسَ الأعلى، وأنْ يجعلَ قبرَها روضةً من رياضِ الجنّة، وأنْ يوفِّيَها أجرَها بغير حسابٍ على صبرِها على مشاقِّ الحياةِ ومرضِها، وأن يُلحقَها بالنّبيِّينَ والصّدّيقينَ والشّهداءِ والصّالحينَ وحسُنَ أولئكَ رفيقًا، وأنْ يصبِّرني على فراقِها، ويزيلَ عنّي وحشةَ حرماني من أُنسِها، ويبرِّدَ قلبي بالثّلجِ والماءِ الباردِ.
فلَا أحدَ يحِلُّ (مكانتَها) في فؤادي وحياتي.
لاتوجد تعليقات