رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 8 سبتمبر، 2015 0 تعليق

وصمة عار على جبين العالم- مأساة المهاجرين السوريين

عدد اللاجئين السوريين في أوروبا قارب النصف مليون من أصل 14 مليوناً من اللاجئين والنازحين داخل سوريا وخارجها

على أوربا أن تشعر بالخجل والعار بعد أن وقفت هذه الأعداد الهائلة من المهاجرين على بواباتها يتعرضون للضرب والإذلال

مأساة المهاجرين السوريين جرح غائر في قلب الأمة وخطيئة عربية كبرى

الحل يعرفه الجميع وهو إزالة هذا النظام المجرم الظالم الذي لم يرقب في شعبه إلاًّ ولا ذمة

 

 

بعد فقدانهم الأمل بقرب انتهاء الحرب وتفاقم أزمتهم الإنسانية داخل بلادهم، تتصاعد وتيرة الهروب من جحيم الداخل السوري إلى مكان آمن في الخارج في رحلات غير مأمونة العواقب أو مضمونة النتائج؛ أربع سنوات من التنكيل والعذاب جعلت عشرات الآلاف من السوريين يُقدْمون على رحلة مجهولة العواقب عبر وسائل شتى مخاطرين بحياتهم وحياة أهليهم وأموالهم على أمل الوصول إلى بر الأمان في أحد الدول الأوروبية، طلبًا للجوء من حرب مستعرة ودمار شامل وموت محقق.

  المهمة اليائسة

     بعد أن قتل النظام أكثر من250 ألف شخص على الأقل من هذا الشعب، وقام بتشريد قرابة 11 مليون منهم، ولا يوجد أفق واضح لعملية سلام ولا نهاية مؤكدة لهذا الصراع الدموي؛ لم يجد هؤلاء المهاجرون الذين فروا بذويهم بحثًا عن الحياة، وخوفًا من أن تطالهم براميل النظام المتفجرة من ناحية أو وحشية داعش ودمويتها وجنونها من ناحية أخرى؛ لم يجد هؤلاء إلا هذه المهمة اليائسة، فلم يكن أمامهم خيارات كثيرة للنجاة والحياة، ولم يكن أمامهم سوى طريق المغامرة وركوب الخطر فإما النجاة أو الهلاك، فسوريا الوطن بلا أفق للاستقرار وتتجه نحو المجهول.

إحصاءات مخيفة

     وتشير الإحصاءات إلى أن عدد اللاجئين السوريين في أوروبا قارب النصف مليون من أصل أربعة عشر مليوناً من اللاجئين والنازحين داخل سوريا وخارجها، حوالي 1% من هؤلاء اللاجئين يفقدون حياتهم في رحلة اللجوء، وهو ما يعني أن ثلاثة إلى أربعة آلاف سَيُفقدون إذا استمر الوضع على هذه الحال خلال هذا العام، بينما من المتوقع أن يصل أعداد القتلى إلى ثلاثين ألفاً نتيجة القصف، هذا فضلا عن وجود خمسين ألف معتقل تحت التعذيب، وبقاء ملايين الأطفال بلا تعليم، كما توقعت بعض الإحصاءات أن آلاف الأطفال وحديثي الولادة سيموتون في مناطق الحصار ومخيمات اللجوء نتيجة سوء التغذية والعناية الطبية.

مأساة لا حدود لها

     مأساة لا حدود لها يعيشها الشعب السوري، هذا فضلا عن حصار شامل، حصار لا يمارسه النظام فقط بل تمارسه مؤسسات الأمم المتحدة الفاسدة والدول الكبرى التي تذهب معظم مساعداتها في داخل سوريا لشبيحة النظام وعائلاتهم لتعينهم على القتل، ولا يصل شيء منها أبداً إلى المناطق المحاصرة، وتُحرم المناطق المحررة منها بشكل شبه كامل، بينما يسود فساد المنظمة الدولية واستهلاكها لكثير من الموارد لتمويل موظفيها الذين يتعيشون على الأزمات، وأخيراً بعض دول اللجوء التي ينتشر فيها الفساد وتتاجر باللاجئين لتسرق اللقمة منهم.

أوربا تجني ثمار ما زرعت

     ولا شك أن المأزق الذي تواجهه أوروبا اليوم إثر تدفق هذه الأعداد الهائلة من المهاجرين السوريين إلى أراضيها هو مأزق صنعته بنفسها أو شاركت فيه من خلال تراخيها وتباطؤها في إنهاء الأزمة السورية ووضع حدٍ لمأساة السوريين؛ أوروبا اليوم، تدفع ثمن تلكؤها في التعامل مع الأزمة السورية وأزمات المنطقة.

على أوروبا أن تشعر بالخجل والعار

     وعلى أوروبا أن تشعر بالخجل والعار بعد أن وقفت هذه الأعداد الهائلة من المهاجرين على بواباتها يتعرضون للضرب والإذلال، منتظرين السماح لهم بملجأ آمن في دول توصف بأنها رائدة الإنسانية المتحضرة؛ الأمر الذي وصفه بعض القادة والسياسيين الأوروبيين بـ(الفضيحة)، التي يجب أن تخجل منها أوروبا، وتوجب عليها أن تعيد النظر في سياساتها تجاه المهاجرين عموما، وأن تبحث عن حلول عملية، بدلاً من سياسة الغلق الكامل أمامهم، ولاسيما وأن أوروبا طالما رفعت شعارات الترحاب باللاجئين والمهاجرين إليها.

     من جانبه وصف مقرر الشؤون الخارجية في البرلمان الدنماركي، نيكولاي فيلموسن، التعامل الأوروبي البارد مع قضية إنسانية ضخمة كهذه بأنه «مخجل»، مضيفا أنه على حكومات الغرب أن تشعر بالعار مما يجري للشعب السوري، عدا عن تغاضيها عن الأسباب الحقيقية لتهجيره، فضلاً عن سعي النظام السوري إلى تفريغ بلده من المواطنين.

خطيئة كبرى

     لم يختلف العرب كثيرًا عن مدعي الإنسانية من الأوروبيين أمام هذه المأساة فبيْن غيرِ مبال منهم بالمأساة أو رافضٍ لها ولكنه ساكت، أو متواطئ مع النظام السوري أو مستقبل للمهاجرين على مضض وسوء معاملة، فالجامعة العربية لم تكترث كثيرًا ولم تحرك ساكنًا إلى الآن، وهو ما وصفه الكاتب بجريدة الأهرام محمد أبو الحسن قائلاً: إنه «جرح غائر في قلب الأمة وخطيئة عربية كبرى» محملاً في الوقت ذاته المسؤولية للجميع بلا استثناء داخل سوريا وخارجها.

التعبير عن القلق

     أما مجلس الأمن فكعادته لا يجيد إلا التعبير عن قلقه؛ ففي الوقت الذي انشغل فيه هذا المجلس بمتابعة قضية المثليين في سوريا قبل نحو أسبوعين، وقف صامتا أمام ألوف السوريين الذين يتكدسون في مقدونيا، وآخرون ينتشلون من تحت الأنقاض.

شاحنة الموت

     وهذه إحدى قصص المأساة التي وصفها بعضهم بأنها صفعة قوية على وجه أوروبا التي تدعي الإنسانية، فقد لقي ما يزيد عن 70 مهاجرًا مصرعهم خنقًا بينهم نساء وأطفال، على الحدود المجرية النمساوية، بعد رحلة من العذاب والانتهاكات التي واجهوها على ظهر شاحنة تبريد لنقل الدواجن، وقد تحللت جثثهم في تلك الشاحنة بعد أن تركها مهربوهم وهربوا ولولا رائحة الموت التي كانت تفوح من الشاحنة، والسوائل التي تسربت منها نتيجة تحلل الجثث، ما علم بهم أحد.

نقطة تحول

     ويقول مراقبون: إن جريمة مقتل نحو 70 شخصاً، من بينهم أطفال داخل الحدود الأوروبية، فضلا عن الجثث في مراكب الغرق في البحر المتوسط، ربما تشكل نقطة تحول، ولاسيما في ظل اجتماعات ثنائية وجماعية، بين مجموعة الدول الأوروبية التي تسعى إلى البحث عن حل جذري للأزمة، فمتى تتحرك تلك الدول بسياسة جديدة، لإنقاذ الآلاف من اللاجئين والمهاجرين من هذا المصير الكارثي؟ وهل يحتاج الأمر إلى تحرك أممي يعيد النظر في سياسات الدول، فيما يتعلق بموقفها من اللاجئين والمهاجرين؟

سيناريوهات لحل الأزمة

     لا شك أن هذه الكارثة الإنسانية تفرض علينا التحرك القوي والفعال لإيجاد حلول جذرية للأزمة السورية وليس أزمة اللاجئين والمهاجرين فقط، ومن تلك الحلول ما طرحه أحد المعارضين السوريين وهو فواز تللو؛ حيث قال: هناك حلان ممكنان لمشكلة اللاجئين، الأول جذري ويتعلق بوصول الوضع في سوريا إلى نهاياته، وهنا يوجد خياران أيضًا.

الخيار الخبيث

     الأول (الخيار الخبيث) للمجتمع الدولي بالحل السياسي الذي يحافظ عمليًا على النظام الطائفي ويحمي قتلته، وهو حل لن يسمح للغالبية الساحقة من اللاجئين بالعودة في ظل مخطط تهجير طائفي يستهدف خلق واقع ديموغرافي جديد وهو أمر لن يمر، وسيعني استمرار الصراع لفترة أطول مع ما يعني ذلك من تفاقم أزمة اللاجئينً.

     يقابل ذلك الخيار الثاني متمثلاً بدعم الثورة السورية عسكرياً للتخلص من النظام الطائفي ومؤسساته الأمنية والعسكرية وهو فقط ما سيسمح ويشجع اللاجئين على العودة، وهو الخيار الذي يجب على المعارضة التركيز عليه في ظل موت الحل السياسي الممكن.

الحل الممكن

     الحل الثاني وهو الأكثر إمكانية والأسرع تأثيراً وفعالية فيكمن في تحويل كل المناطق المحررة إلى مناطق آمنة يُفرض فيها حظر جوي مع فتح ممرات إغاثة إنسانية «بالقوة» للمناطق المحاصرة ومنع قصفها، وذلك بانتظار وصول الأمور في سوريا إلى نهايتها أتت سريعاً أو تأخرت لا فرق وقتئذ، فمن المؤكد أن معظم السوريين في الخارج في ظروف اللجوء البائسة سيعودون إلى تلك المناطق المحررة ولن يغادر معظم القاطنين في المناطق المحاصرة أو الذين يعيشون مرغمين تحت سيطرة النظام أو أولئك في المناطق المحررة، وبذلك فقط ستخف الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا جداً ليبقى ربما بعد ذلك مليون أو مليونان في بلاد اللجوء التي يعيشون فيها مستقرين بأعمالهم لا يكونون عبئًا على أحد.

التفريغ الممنهج لسوريا

     وأخيرًا نقول: إنه بين براميل البارود، وقذائف النظام، وأمواج البحر التي تبتلع آلاف المهاجرين، يتم تفريغ ممنهج لسوريا من أهلها في ظل صمت العالم أجمع وعلى رأسهم الجامعة العربية التي لم تحرك ساكنًا في هذه الأزمة، وكذلك مجلس الأمن الذي كعادته لا يملك إلا أن يعرب عن قلقه، بين هؤلاء وهؤلاء يضيع شعب كامل في الداخل موتًا وفي الخارج تشريدًا وغرقًا، الكل يتباكى ويبحث عن حل، والحل يعرفه الجميع ولكنهم يغضون الطرف عنه فلو أخذوا على يد القاتل لتوقف القتل؛ الحل يكمن في إزالة هذا النظام المجرم الظالم الذي لم يرقب في المؤمنين إلاًّ ولا ذمة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك