رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: حسام العيسوي إبراهيم 8 سبتمبر، 2014 0 تعليق

وصايا مهمة في بداية العام الدراسي

عام مضى، وعام أقبل، وهكذا الحياة؛ يوم يأتي، ويوم يدبر، فينبغي لنا أن نتدبَّر في هذه الموعظة الغالية، ونقف معها وقفة كبيرة، فإن لم نقف مع أعمارنا، ونعيش هذه الحقيقة، فمتى نقف؟!

 الوصية الأولى: أهمية الوقت:

يقول ابن رجب الحنبلي: «هذه الشهور والأعوام، والليالي والأيام، كلها مقادير الآجال، ومواقيت الأعمال، ثم تنقضي سريعًا، وتمضي بعيدًا، والذي أوجدها وابتدعها وخصها بالفضائل باقٍ لا يزول، ودائمٌ لا يحول، هو في جميع الأوقات إلهٌ واحد، ولأعمال عباده رقيب مشاهِد.

فَهِم السلف الصالحُ هذه الحقيقةَ، فحَرَصوا على أوقاتهم حرصًا بليغًا، وكانوا أعرف الناس بقيمتها، وكانوا يقولون: «من علامات المَقْت إضاعة الوقت، الوقت سيف إن لم تقطعه قطعك»، وكانوا دائمًا يحاولون الترقي من حال إلى حالٍ أحسنَ منها، فكانوا يقولون: «مَن كان يومه مثل أمسه فهو مغبون، ومَن كان يومه شرًّا من أمسه فهو ملعون، ومَن لم يتعاهد النقصان من نفسه فهو في نقصان، ومن كان في نقصان، فالموت خير له.

 يقول الحسن البصري: «ابن آدم، إنما أنت أيام، فإذا ذهب يومٌ ذهب بعضك، ويوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكل، وأنت تعلم فاعمل.

 وكان بِشْر بن الحارث الحافي كثيرًا ما يقول: «أمس قد مات، واليوم في النزع، وغد لم يولَد؛ فبادر بالأعمال الصالحة»

كان أبوبكر بن عيَّاش يقول: «لو سقط من أحدهم درهم، لظلَّ يومه يقول: إنا لله، ذَهَب دِرهَمي، وهو يذهب عمرُه، ولا يقول: ذهب عمري، وقد كان لله أقوام يبادرون الأوقات، ويحفظون الساعات، ويلازمونها بالطاعات.

 الوصية الثانية: فضل العلم وأهله:

قال - تعالى -{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } (الزمر: 9).

 وقال - تعالى -:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (المجادلة: 11).

 قال ابن عباس: «للعلماء درجات فوق المؤمنين بسبعمائة درجة، ما بين الدرجتين مسيرة خمسمائة عام».  وقال - تعالى -: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (فاطر: 28).  قال الحسن - رحمه الله -: «لولا العلماء لصار الناس مثلَ البهائم». وقال معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: «تعلَّموا العلم؛ فإن تعلُّمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يَعلَمه صدقة، وبذْله لأهله قربة، وهو الأنيس في الوحدة، والصاحب في الخلوة».

 وقال كعب - رحمه الله -: «أوحى الله إلى موسى - عليه السلام -: أن تعلَّم يا موسى الخير وعلِّمه للناس؛ فإني منوِّر لمعلِّم الخير ومتعلِّمه قبورَهم؛ حتى لا يستوحشوا بمكانهم».

 وعن صفوان بن عسال - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الملائكة لَتضعُ أجنحتَها لطالب العلم؛ رضًا بما يصنع))؛ «رواه أحمد، وابن ماجه».

 وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: ذُكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلان: أحدهما عابد، والآخر عالم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فضلُ العالم على العابد كفضلي على أدناكم))، ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله وملائكته، وأهل السموات والأرض، حتى النملة في جُحْرها، وحتى الحوت - ليُصلُّون على معلِّمي الناس الخيرَ))؛ «رواه مسلم».

 فإن قيل: ما وجه استغفار الحوت للمعلِّم؟

والجواب هو: أن نفع العلم يعمُّ كلَّ شيء حتى الحوت، فإن العلماء عَرَفوا بالعلم ما يحل وما يَحرُم، وأوصوا بالإحسان إلى كل شيء حتى إلى المذبوح والحوت، فألهم الله الكل الاستغفار لهم؛ جزاء لحسن صنيعهم.

 عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة))؛ «رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه».

 قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فضل العالم على العابد كفضلِ القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماءَ ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا؛ وإنما ورَّثوا العلم، فمَن أخذ به أخذ بحظ وافر))؛ «رواه أحمد في العلل، وهو حديث حسن بطرقه؛ كما قال المزي.

 الوصية الثالثة: بين الطالب والمعلم:

إن لطالب العلم آدابًا ينبغي أن يتحلَّى بها، وأهم هذه الآداب:

• الصبر: إن طلب العلم من معالي الأمور، والعُلا لا تُنال إلا على جسر من التعب.

قال أبو تمام - مخاطبًا نفسه -: 

تُرِيدينَ إدراكَ المعالي رَخِيصةً

ولا بدَّ دونَ الشَّهْدِ من إِبَرِ النَّحلِ 

فاصبر وصابر، فلئن كان الجهاد ساعةً من صبر، فصبر طالب العلم إلى نهاية العمر، قال الله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (آل عمران: 200).

 • إخلاص العمل: الزم الإخلاص في عملك، وليكن قصدُك وجهَ الله والدار الآخرة، وإياك والرياء، وحب الظهور والاستعلاء على الأقران؛ فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن طلب العلم ليُجَارِي به العلماء، أو ليُمَارِي به السفهاء، أو يَصرِف به وجوه الناس إليه، أدخله الله النار))؛ «رواه النسائي (2654)، وحسَّنه الألباني في صحيح النسائي».

 • العمل بالعلم: اعلم بأن العمل بالعلم هو ثمرة العلم، فمَن علم ولم يعمل، فقد أشبه اليهود الذين مثَّلهم الله بأقبح مثلٍ في كتابه؛ فقال: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (الجمعة: 5).

 • اختيار الصاحب: احرص على اتخاذ صاحبٍ صالح في حاله، كثير الاشتغال بالعلم، جيِّد الطبع، يُعِينك على تحصيل مقاصدك، ويساعدك على تكميل فوائدك، وينشطك على زيادة الطلب، ويخفِّف عنك الضجر والنَّصَب، موثوق بدينه وأمانته ومكارم أخلاقه، ويكون ناصحًا لله، غير لاعب ولا لاهٍ، وإياك وقرينَ السوء؛ فإن العرق دسَّاس، والطبيعة نقَّالة، والطباع سرَّاقة، والناس كأسراب القَطا، مجبولون على تشبه بعضهم بعضا، فاحذر معاشرة مَن كان كذلك؛ فإنه المرض، والدفع أسهل من الرفع.

 • التأدب مع المعلم: فعليك إذًا بالأدب معه؛ فإن ذلك عنوان الفلاح والنجاح، والتحصيل والتوفيق، فليكن معلمك محلَّ إجلال منك وإكرام، وتقدير وتلطف، فخذ بمجامع الأدب مع معلمك في جلوسك معه، والتحدث إليه، وحسن السؤال والاستماع، وحسن الأدب في تصفح الكتاب أمامه، وترك التطاول والمماراة أمامه، وعدم التقدم عليه بكلام أو مسير، أو إكثار الكلام عنده، أو مداخلته في حديثه ودرسه بكلام منك، أو الإلحاح عليه في جواب، متجنبًا الإكثار من السؤال لا سيما مع شهود الملأ؛ فإن هذا يوجب لك الغرور وله الملل، ولا تنادِيه باسمه مجردًا، أو مع لقبه؛ بل قل: «يا أستاذي، أو يا معلمي»، وإذا بدا لك خطأ من المعلم أو وهمٌ، فلا يسقطه ذلك من عينك؛ فإنه سبب لحرمانك من علمه، ومَن ذا الذي ينجو من الخطأ سالمًا؟

 وكذلك للمعلم آداب ينبغي له أن يتحلى بها، وأهمها:

• ينبغي للمعلم أن يقصد بتعليمه وجه الله - عز وجل - ولا يطلب بعلمه شرف منزلة عند الملوك، ولا يأخذ على العلم ثمنًا، ولا يقرِّب أبناء الدنيا ويباعد الفقراء.

 • ينبغي له أن يتخلق بالمحاسن التي ورد الشرع بها، والخصال الحميدة التي أرشده الله إليها؛ من الزهادة في الدنيا، والتقلل منها، والسخاء والجود، ومكارم الأخلاق، والحلم، والصبر، وملازمة الورع، والخشوع، والسكينة، والوقار، والتواضع، وغيرها.

 • ينبغي له أن يتنَزَّه عن المكروهات، وفضول المباحات أمام تلامذته، وأن يحرص على أن يَرَوه دائمًا في طاعة الله - عز وجل - مكثرًا من الذكر، مقبلاً على ربه، وليحذر كل الحذر من الحسد، والرياء، والعُجب، واحتقار الغير.

 • ينبغي للمعلم أن يرفق بمن يتعلَّم منه، وأن يرحِّب به، ويُحسِن إليه بحسب حاله، وينبغي أن يبذل له النصيحة؛ فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (الدين النصيحة: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم)؛ «رواه مسلم».

 • ينبغي أن يُشفِق على مَن يطلب منه العلم، ويعتني بمصالحه، كما يعتني بمصالح ولده وبمصالح نفسه، وينبغي أن يتواضع لمن يتردَّد عليه ويتعلم منه؛ فعن أبي أيوب السختياني، أنه قال: «ينبغي للعالم أن يضع التراب على رأسه؛ تواضعًا لله - عز وجل -».

 • ينبغي له أن يكون حريصًا على تعليم تلامذته، مُؤْثِرًا ذلك على مصالح نفسه التي ليست بضرورية، وأن يعطي كل إنسان منهم ما يَلِيق به، فلا يُكثِر على مَن لا يحتمل الإكثار، ولا يقصر لمن يحتمل الزيادة، ويثني على مَن ظهرت نجابته، ما لم يخش عليه فتنة بإعجاب أو غيره، ومَن قصر عنَّفه تعنيفًا لطيفًا، ما لم يخش عليه تنفيره، ولا يحسد أحدًا منهم لبراعة تظهر منه.

 الوصية الرابعة: إلى أولياء الأمور:

• ينبغي لأولياء الأمور أن يستشعروا قول الله - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم: 6)، ويستحضروا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤول عن رعيته؛ فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهل بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته)؛ «البخاري ومسلم».

 فإذا استشعر الأهل هاتين الوصيتين، فسيقومون ببذل الجهد في تربية أبنائهم، ومراقبتهم في أعمالهم، وتقديمهم بوصفهم نماذجَ صالحة، وقدواتٍ طيبة في المجتمع.

 فلا ينبغي لأولياء الأمور أن يغفلوا عن أبنائهم، والاطمئنان عليهم في دروسهم، وعباداتهم، وتصرفاتهم، وسلوكياتهم؛ فما انتشرت الرذيلة إلا في ظل غفلة من الآباء والأمهات، وعدم الاكتراث بأهمية الدور الذي كلفهم الله به؛ مما يجعلهم يندمون أشد الندم في الدنيا والآخرة، وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضى، وجعل هذا العام عام نهضة حقيقية لهذا الدين وأهله

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك