وصايا من ذهب – الحياء من أعظم مكارم الأخلاق
الدعوة إلى مكارم الأخلاق من أهم أهداف بعثة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد روي عن رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ». صححه الألباني في السلسة الصحيحة، ومن الأخلاق الفاضلة التى دعا إليها الإسلام وقرنها بالإيمان، خلُق الحياء؛ حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم : «الْحَيَاءُ وَالْإِيمَانُ، قُرِنَا جَمِيعًا؛ فَإِذَا رُفِعَ أَحَدُهُمَا رُفِعَ الْآخَرُ». صححه الألباني في صحيح الجامع .
فالحياء من الإيمان، والإيمان قوام حياة المسلم؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان». رواه البخاري ومسلم.
وفي الصحيح من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «دعه فإن الحياء من الإيمان». متفقٌ عَلَيْهِ، وفي هذا الحديث، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإبقاء على الحياء، ونهى عن إزالته، ولو منع صاحبه من استيفاء بعض حقوقه؛ حيث إن ضياع بعض حقوق المرء خير له من أن يفقد الحياء الذي هو جزء من إيمانه.
جرأة وفحش وبذاءة
وإذا رأيت في بعض الناس جرأةً وفحشًا وبذاءةً؛ فاعلم أن من أعظم أسباب ذلك، هو فقد الحياء؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ ممَّا أدرك النَّاسُ مِن كلامِ النُّبُوَّةِ: إذا لم تستَح فافعَلْ ما شِئْتَ». رواه البخاري، ومع ذلك، يجب ألا يكون خلق الحياء في المسلم مانعاً له عن قول الحق، أو طلب العلم، أو الأمر بالمعروف، أو النهي عن المنكر.
أشد الناس حياءً
فالرسول محمد صلى الله عليه وسلم كان أشد الناس حياءً، بل كان أشد حياءً من العذراء في خِدرها ، ومع ذلك لم يمنعه حياؤه عن قول الحق، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما لم يمنع الحياء الصحابية أم سليم الأنصارية، عن طلب العلم والسؤال عن مسائل الدين؛ فقد سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقالت: يا رسولَ اللهِ، إنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيي مِن الحقِّ، فهل على المرأةِ من غُسلٍ إذا احتَلمَتْ؟ - لم يمنعها الحياء من السؤال، ولم يمنع الحياءُ الرسول[ من البيان؛ فقال: «إذا رأتِ الماءَ». رواه البخاري.
كما تحلت أمِّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- بخلق الحياء حين قالت: «كنت أدخل بيتي الذي دُفِنَ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي؛ فأضع ثوبي؛ فأقول إنَّما هو زوجي وأبي؛ فلمَّا دُفِنَ عمر معهم؛ فو الله ما دخلت إلَّا وأنا مَشْدُودَةٌ عليَّ ثيابي حَيَاءً مِن عمر»- رضي الله عنها وأرضاها-، قال الهيثمي في (مجمع الزوائد) رجاله رجال الصَّحيح. ومثله قال الألباني في (تخريج المشكاة).
أجلّ صوَرِ الحياء
وأجلّ صوَرِ الحياء، وأعلى منازله أن يستحييَ العبد من ربِّه -تبارك و تعالى-؛ فحين يستقر في نفس العبد أن الله يراه، وأنه مطلع عليه في كل وقت، و في كل حين؛ فإنه يستحيي أن يراه الله مقصرًا في فريضة، أو مرتكبًا لمعصية. قال الله -عز وجل-: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى}( العلق:14).
لله در القائل:
وإذا خلوت بريبة فـي ظلمة
والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحي من نظر الإله وقل لها
إن الذي خلق الظلام يراني
و قد روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «استحيوا مِن الله حقَّ الحياء»، قال: قلنا: يا رسول الله إنَّا لنستحيي، والحمد للَّه، قال: «ليس ذاك، ولكنَّ الاستحياء مِن الله حقَّ الحياء: أن تحفظ الرَّأس وما وعى، وتحفظ البطن وما حوى، وتتذكَّر الموت والبِلَى، ومَن أراد الآخرة، ترك زينة الدُّنيا؛ فمَن فعل ذلك؛ فقد استحيا مِن الله حقَّ الحياء». رواه التِّرمذي، وحسَّنه الألباني.
تحريك الْحَيَاءَ
ومما يساعد على تحريك الْحَيَاءَ مِنَ اللَّهِ -عز وجل- في قلب المسلم، استحضار مراقبة الله- تعالى- وَالْعِلْمُ بِرُؤْيَتِهِ وَاطِّلَاعِهِ، وتذكر قوله -تعالى-: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ}(الحديد: 4)؛ فَمَتَى مَا كَانَ الْقَلْبُ، عَالِمًا برؤية الله واطِّلَاعه عليه، وَأَنَّهُ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، تَحَرَّكَ الْقَلْبُ حَيَاءً مِنَ اللَّهِ -جَلَّ جلاله-، وحينما ينتشر الحياء بين المسلمين؛ فسترتقي أخلاقهم، وتتحسن آدابهم، ولا يأتي عليهم إلا بخير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْر». رواة البخاري و مسلم.
لاتوجد تعليقات