وصايا للمعلمين والمربين
- طريق الدعوة والتربية ليس طريقًا لجمع المكاسب المادية والأرباح الدنيوية وليس طريقًا لبناء أمجاد شخصية وإنما هو طريق لنيل الأجر والمثوبة من الله عز وجل
- إن رسالة المعلمين والمربين والدعاة والمصلحين امتداد لرسالة الأنبياء والمرسلين وكفى بذلك شرفًا
إن رسالة المعلمين والمربين والدعاة والمصلحين، امتداد لرسالة الأنبياء والمرسلين، وكفى بذلك شرفًا {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) (الجمعة:2)، (وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} (آل عمران:79)، إنها مهمة الأنبياء والمرسلين من لدن نوح -عليه السلام- إلى آخر الأنبياء وخاتم المرسلين محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهل هناك مهمة ورسالة أعظم وأشرف وأجلّ من مهمة إصلاح النفوس وتزكية القلوب وتهذيب الأخلاق.
وهل هناك مهمة أخطر وأشق وأصعب من هذه المهمة؛ فهي مهمة تقوم على بناء القناعات وغرس المفاهيم وتعديل السلوك، إنها باختصار عملية هدم وبناء، هدم لكل ما يعارض الفطرة السوية في النفوس والقلوب، هدم لكل ما يعارض الشريعة الخاتمة من التصورات والآراء والأعراف والأخلاق والأفعال والأقوال، ليحل محلها عقيدة الإسلام والتصور الصحيح للكون والحياة وأخلاق الإسلام وتعاليمه وأحكامه وآدابه.التربية عملية تخلية وتحلية
إن التربية عملية تخلية وتحلية، تخلية للقلب والنفس من الأمراض والأدواء من الأهواء المعارضة للشرع، من الكبر وبطر الحق واحتقار الآخرين، ومن الغل والحسد والشحناء والبغضاء،و من الأثرة والأنانية، وتحلية في الوقت ذاته للقلب والنفس، تحلية لهما بالانقياد والتسليم لله ورسوله -[- والإذعان والخضوع لحكم الله ورسوله، إنها تحلية للقلب والنفس بالتواضع وتوطين النفس على قبول الحق، وعدم التردد في ذلك والأخذ بالحق من قائله مهما كان، إنها تحلية للقلب والنفس بالخشية والإنابة والمحبة والخوف من ذي الجلال والإكرام ومراقبته -سبحانه- في السر والعلن.مهمة ليست سهلة
وإذا كانت التربية كذلك فلا يحسبن القائمون عليها من الآباء والمعلمين والمربين والدعاة والمصلحين أنها مهمة سهلة مفروش طريقها بالورود والرياحين، كلا، إنها مهمة شاقة يعترض المربي في طريقه للقيام بها عقبات عديدة ومصاعب جمة، وهل هناك أشق من معالجة النفوس والتصدي لأمراضها وأدوائها؟!التصورات الخطأ
إن التصورات الخطأ المستقرة في النفوس، والأعراف والتقاليد المعارضة للشرع المطهر، والأخلاق السيئة متى ما تمكنت من القلوب والنفوس احتاجت إزالتها إلى جهود متواصلة وعمل دؤوب وصبر ومصابرة، لقد مكث نوح -عليه الصلاة والسلام- يدعو قومه ليلاً ونهارًا سرًّا وجهارًا، مكث ألف سنة إلا خمسين عامًا وما آمن معه إلا قليل، وها هم أولاء بعض أنبياء الله ورسله -عليهم الصلاة والسلام- يأتي أحدهم يوم القيامة ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلين، والنبي الموحى إليه من ربه وليس معه أحد آمن به.سيرة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم
ومن تأمل سيرة سيد المرسلين وإمام الدعاة والمصلحين نبيا محمد -صلى الله عليه وسلم- يدرك ضخامة الجهد الذي بذله -صلى الله عليه وسلم- من أجل تبليغ الرسالة؛ يدرك حجم التحديات والمصاعب والعقبات التي واجهته -صلى الله عليه وسلم- في سبيل ذلك، بل ويدرك التضحيات العظيمة التي بذلها - صلى الله عليه وسلم- وشدة البلاء الذي نزل به -صلى الله عليه وسلم- وهو يقوم بمهمة الدعوة والتربية للناس ما نزل به -صلى الله عليه وسلم- من الأذى البدني الحسي أو الأذى المعنوي النفسي، حتى قال الله -عز وجل- له: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ} (الأنعام: 33)، هذا خطاب من الرب -سبحانه وتعالى- لنبيه وخليله وصفيه وصفوته من خلقه محمد -صلى الله عليه وسلم-، لقد كُسرت رباعيته -صلى الله عليه وسلم- وشُجّ وجهه، وسال الدم من عقبه الشريف، وقيل عنه كاهن وساحر ومجنون، فلم يزده ذلك -صلى الله عليه وسلم- إلا ثباتًا على الحق وإصرارًا على أداء الرسالة والأمانة وتبليغها.طريق الدعوة والتربية
هذا هو طريق الدعوة والتربية، إنه ليس طريقًا لجمع المكاسب المادية والأرباح الدنيوية إنه ليس طريقًا لبناء أمجاد شخصية، وإنما هو طريق لنيل الأجر والمثوبة من الله -عز وجل- لمن أخلص وصدق وثبت {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} {وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ} {يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي}، من كان من الدعاة والمربين يظن أن طريق الدعوة والتربية طريقا لجمع المال، أو طريقا لبناء الأمجاد الشخصية وتقبيل الرؤوس والأيادي من الأتباع، من ظن ذلك فقد أخطأ الظن، فلم تكن دعوة الناس وتربيتهم يومًا ما سبيلاً إلى ذلك، ومن كان ينشد بدعوته وتربيته هذه المقاصد الدنيوية فليترك طريق الدعوة، وليبحث له عن طريق آخر يوصّله إلى تلك المقاصد والمكاسب، والنبي - صلى الله عليه وسلم- يقول: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه». وصدق الله -عز وجل- إذ يقول: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (هود: 15- 16).ما أعظمها والله من رسالة!
وما أعظمها من رسالة يوم يخلص الآباء، يوم يخلص المعلمون، يوم يخلص المربون والدعاة والمصلحون يوم يخلص الجميع في مهمتهم ورسالتهم! وما أعظم أجرهم وأجزل ثوابهم من عند الرب الكريم! {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت:33)، لما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم- عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - إلى أهل خيبر قال له: «فَوَ اللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ».أسباب نجاح المربين والدعاة
إن على الآباء والمعلمين والدعاة والمربين والمصلحين متى ما أرادوا النجاح في مهمتهم وتحقيق أهدافهم وغايتهم الحميدة في هداية الناس عموما والشباب خصوصا، والأخذ بأيديهم إلى شاطئ الأمان وبر السلام، ودلالتهم على الحق والهدى، ولا سيما في هذا الزمن الذي تعددت فتنه وكثرت أساليب الإغواء والإضلال فيه وتنوعت، وقوي سلطان الشبهات والشهوات على النفوس والقلوب. عليهم أولا أن يستعينوا بالله -عز وجل- في مهمتهم؛ فهو -سبحانه وتعالى- المعين لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ومن وُكل إلى نفسه وُكل إلى عجز وضعف وقلة وفاقة، ومن تخلى عنه ربه لم يستطع أن يفعل شيئًا.شعار الصالحين
فـ{إياك نعبد وإياك نستعين} شعار الصالحين، شعار الدعاة والآباء والمربين والمصلحين، ومن أحسن طرق التربية وأنفعها، التربية للأبناء: التربية للتلاميذ بالمحبة، وإظهار ذلك للأبناء والتلاميذ، فمتى وجدت هذه المحبة الصادقة، وظهرت آثارها بين الآباء والأبناء والمربين والمعلمين والتلاميذ والشباب، حصل الانتفاع بالتوجيه والقناعة بالنصح والانقياد والقبول بالوعظ، فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- سيد المربين وإمام الدعاة والمصلحين يقول لمعاذ بن جبل: «يا معاذ إني أحبك! أوصيك، لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك».تقوية الصلة بالأبناء والتلاميذ والشباب
والحرص مع ذلك على تقوية الصلة بالأبناء والتلاميذ والشباب، والحذر الحذر من وجود جفوة، وفجوة تحول دون قبول النصح والتوجيه! والتسلح مع ذلك كله بالحلم والرفق والهدوء والطمأنينة والسكينة في عرض الآراء وتقديم النصح والتوجيه، {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (التوبة:128)، إن الرفق -أيها الآباء والمعلمون والمربون- ما كان في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه، مخطئ من الآباء والمربين والدعاة والمصلحين من يظن أنه بالقوة والغلظة والشدة يحقّق هدفًا أو يصل إلى نتيجة وغاية، يقول - صلى الله عليه وسلم-: «من يُحرَم الرفق يحرم الخير كله».المتابعة الدقيقة
إن من أهم ما ينبغي الحرص عليه من قبل المربين: المتابعة الدقيقة لمن يتربى على أيديهم، والملاحظة البناءة المثمرة التي تُدرك مظاهر الخير والنماء والحسن والجمال، والنبوغ في شخصية الابن أو الشاب، وتحرص -من ثَم- على تنمية هذه المظاهر الإيجابية في شخصيته، وتشجيعه وتعزيزه وتقديره، ويدرك الآباء والمربون -من جراء المتابعة والملاحظة- مظاهر الخلل كذلك، أو ما يمكن أن يكون بداية لخلل في الآراء والتصورات أو الأخلاق والسلوك والسعي لمعالجة ذلك كله بالحكمة والموعظة الحسنة والرفق واللين، والحرص على بيان الحق والهدى والصواب والإقناع به بعرضه في أحسن القوالب وأحسن الصيغ وأحسن الكلمات والجمل والله -عز وجل- يقول: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً}، والبعد عن أسلوب الاستعلاء على الآخرين، وفرض الآراء بالقوة كل ذلك لن يجدي نفعًا.مهمتكم شاقة
أيها الآباء والمربون: إن مهمتكم شاقة، ولن تتحقق ما بين عشية وضحاها، إنها تحتاج إلى مزيد صبر ومصابرة وطول نَفَس وسعة صدر وبال، ولا ينبغي أن يعرف اليأس طريقه إلى قلوبكم أبداً، فلم يكن - صلى الله عليه وسلم وهو سيد الدعاة وإمام المربين- في أحلك الظروف وأشدها التي مرت عليه، إلا متفائلاً تمام التفاؤل بربه -عز وجل- واثقا بنصره وتحقيق وعده الذي وعده له.تفاءلوا بالخير تجدوه
فتفاءلوا أيها الآباء، تفاءلوا أيها الدعاة والمربون والمصلحون، تفاءلوا بالخير تجدوه، واطرحوا اليأس واحذروا القنوط! واستعينوا مع ذلك كله بالدعاء للمولى -عز وجل-؛ فهو وحده -سبحانه- بيده قلوب العباد يصرّفها -سبحانه وتعالى- كيف شاء: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم}. ومتى ما بذل المربون والآباء والدعاة سعيهم، واستنفذوا طاقاتهم وإمكاناتهم برئت ذممهم، والله -عز وجل- لا يكلف نفس إلا وسعها، يقول لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم-: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} {وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا}.الاستعانة بالله إن على الآباء والمعلمين والدعاة والمربين والمصلحين متى ما أرادوا النجاح في مهمتهم وتحقيق أهدافهم وغايتهم الحميدة في هداية الناس عموما والشباب خصوصا، والأخذ بأيديهم إلى شاطئ الأمان وبر السلام، ودلالتهم على الحق والهدى، ولا سيما في هذا الزمن الذي تعددت فتنه، وكثرت أساليب الإغواء والإضلال فيه وتنوعت، وقوي سلطان الشبهات والشهوات على النفوس والقلوب، عليهم أولاً أن يستعينوا بالله -عز وجل- في مهمتهم فهو -سبحانه وتعالى- المعين لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
لاتوجد تعليقات