رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 25 أغسطس، 2015 0 تعليق

وسط مجازر داريا وترميسه والحولة والغوطة وحرستا ودوما- سوريا..العبور إلى الحل السياسي

 

موقع دوما الاستراتيجي جعلها عرضة للقصف المتواصل بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والطائرات،  وتجاوز عدد الغارات المئة في اليوم

لا يعول المراقبون على ردّ دولي حيال المجزرة، وأن الأمر لن يتجاوز التعبير عن القلق حيال ما يحدث ومبدأ الإفلات من الجريمة يشجع على قتل المزيد من الأطفال والنساء

جرت المجزرة تحت سمع مدير العمليات الإنسانية في الأمم المتحدة ستيفن أوبراين، وفي ذروة محاولات البحث عن حل سياسي

ارتكب النظام السوري مجزرة جديدة، الأحد قبل الماضي 16 أغسطس، بحق أهالي مدينة دوما، عبر قصف طيرانه الحربي سوقًا شعبية مكتظة في ساعات الظهر، بصواريخ فراغية موجهة، أسفرت عن مقتل أكثر من 120 مدنيًا، بينهم أطفال ونساء، وجرح أكثر من 300 شخص بحسب مصادر إعلامية وطبية محلية.

     وحسب شهود عيان، فإن طيران النظام، كان يستهدف الناس في محلات بيع الخضار، وفي الشوارع، واستهدف كذلك طواقم الإسعاف، التي كانت تحاول انتشال الجثث والأشلاء، وإنقاذ المصابين.

جريمة حرب

     من ناحيته قال أستاذ القانون الدولي، عبد الحي الأشرم: إن قصف المدنيين في سوق شعبي بدوما، هو جريمة حرب، بل هي جريمة ضد الإنسانية، وكل القوانين والمواثيق الدولية تؤكد على ضرورة حماية المدنيين خلال النزاعات، لكن منذ بداية الأزمة السورية لم نشهد أية آليات لحمايتهم، بل ولم تتشكل أي لجنة تحقيق دولي في المجازر، ولم يفُعّل أعضاء مجلس الأمن الدولي قانون المحاسبة، سواء عبر محكمة الجنايات الدولية أم عبر غيرها من المحاكم، واكتفى الساسة بالتعبير عن قلقهم أو إصدار تصريحات إدانة وشجب.

وأضاف الأشرم، أن الخطير في مثل هذه الحالات هو تسجيل سابقة دولية، تتجسد في محاولة تكريس مبدأ (الإفلات من الجريمة)؛ حيث إن ذلك يشجع على ارتكاب المزيد من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

رسائل غير مباشرة

     أما خطيب بدلة، عضو الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، فاعتبر من جهته أن «هذه الجريمة تأتي في وقت تجري فيه محاولات لإعداد حل سياسي، أو مبادرة تسوية، ولا سيما من طرف الساسة الروس ولقاءاتهم لوفود المعارضة السورية، والحديث عن بدء تغيير موقفهم حيال مسألة رحيل بشار الأسد».

     وأضاف أن «النظام أراد بهذه المجزرة توجيه رسالة إلى المحاولات الروسية، أو بالأحرى وجه ضربة لها، وأراد القول: إن أي حل لا يضمن بقاء الأسد مرفوض، حتى وإن جاء من الحليف الروسي، الذي يمد النظام بالصورايخ والطائرة الحربية، التي نفّذ بواسطتها النظام جميع المجازر ضد السوريين».

     وتابع بدلة قوله «كذلك هناك رسالة أخرى، وجهها النظام إلى مؤيديه لرفع معنوياته، وأنه ما يزال مستمراً وقادراً على القتل، بالرغم من الهزائم والانكسارات التي عرفتها مؤخراً قواته وميليشيات حزب الله على مختلف الجبهات».

ليست المرة الأولى

     ويرى مراقبون، أنها ليست المرة الأولى التي يعمد النظام فيها إلى استهداف المدنيين في مناطق سيطرة المعارضة؛ حيث استهدف في مرات عديدة الأسواق الشعبية والمدارس والمشافي ومحطات التزود بالوقود وغيرها من المرافق المدنية، لكن النظام يلجأ إلى تصعيد استهدافه للمدنيين في كل مرة يتم فيها طرح مبادرة أو  تحضيرات لحلّ سياسي، وقد فعل ذلك حين كان وفد النظام يتوجه في مطلع العام الماضي إلى جنيف، وخلال مفاوضات جنيف/2 مع المعارضة السورية، والأمر نفسه كان يحدث عندما طرحت المبادرة العربية، وعندما وصل المراقبون العرب إلى مدينة حمص، وفي مناسبات أخرى.

ذاكرة الدم

     ولم تكن دوما هي المدينة الوحيدة التي تتعرض لمثل هذه المجزرة الدامية، بل قاسمتها الحزن والخراب مدن أخرى، ففي داريا في الضفة الأخرى للغوطة قتل أكثر من خمسمائة شخص في هجوم شنته قوات النظام على المدينة، عام 2012، وترميسة في حماة والحولة في حمص عام 2012 وفي الغوطة نفسها قبل نحو سنتين حين قتل قرابة 170 شخصًا في ما عرف بمجزرة الغوطة الكيميائية.

إبادة جماعية

     ولا تعرّف المجزرة التي ارتكبها النظام السوري في مركز الغوطة الشرقية بغير كونها إبادة جماعية ضد سكان المدينة التي تسيطر عليها قوات المعارضة السورية المسلحة، ولم يستطع جيش النظام أن يكسر مقاومتهم رغم المجازر التي ارتكبها والقصف العشوائي منذ أربع سنوات تقريبا، كما تؤكد المعارضة.

قلب دمشق

     موقع دوما الإستراتيجي جعلها عرضة للقصف المتواصل بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والطائرات،  وتجاوز عدد الغارات أحيانا على المدينة أكثر من مئة في اليوم؛ حيث تعد المدينة من أهم حواضر محافظة ريف دمشق في سوريا ومركزها الإداري، ويبلغ تعداد سكانها حوالي نصف مليون نسمة، وهي أكبر مدن غوطة دمشق. وتعد دوما -الواقعة شمال شرق العاصمة- رقما صعبا في معركة دمشق بالنسبة للنظام والمعارضة، فهي الخزان البشري للمعارضة المسلحة، ولا تبعد عن العاصمة بأكثر من تسعة كيلومترات، وقد حاول النظام سابقا اقتحامها وفشل في ذلك.

لماذا الغوطة ودوما؟

     ويسعى النظام دائما لإخضاع الغوطة، ولا سيما دوما، في إطار خطة لاقتحام بلدتي دير العدس وكفر شمس (درعا) اللتين تسيطر عليهما قوات المعارضة، وتعد البلدتان أقرب نقطة تمركز وانطلاق لقوات المعارضة باتجاه ريف دمشق، وقد كثفت قوات النظام قصفها على المناطق بمحيط البلدتين.

     جرت مجزرة دوما تحت سمع مدير العمليات الإنسانية في الأمم المتحدة ستيفن أوبراين، وفي ذروة محاولات البحث عن حل سياسي، وقد أثارت المجزرة (جزع) تلك المنظمة ودولا كثيرة، في رد فعل ضعيف، ولا يعدو أن يسجل ما حدث في (دوما) بذاكرة المجازر السورية المنسية.

إحباط من جدوى تدخل دولي

     ولذلك لا يعول العديد من المراقبين كثيرًا على ردّ دولي حيال مجزرة دوما، وأن الأمر لن يتجاوز التعبير عن القلق حيال ما يحدث، وإدانة المجازر من كل الأطراف، ما يعني أن الدماء التي هدرت أمس، ستضاف إلى الدماء المهدورة لأكثر من 300 ألف سوري.

صمت دولي ومجازر لا تنتهي

     مجازر متعاقبة ودماء تسيل على أرض اعتادت المعاناة ولم يتبق على سطحها سوى الخلافات والأطماع، هذا هو المشهد الذي يخيم على سوريا في ظل نظام بشار الأسد مرتكب المجازر الوحشية في حق شعبة الأعزل وسط حالة من الصمت الدولي على هذه المجازر البشعة، فلم يحرك العالم ساكناً لوقف عمليات القتل في سوريا.

فعلى مدار أربعة أعوام يتعرض الشعب السوري إلى أبشع جرائم الإبادة الجماعية، من إدلب إلى الرقة ودرعا، ودمشق، وصولًا للحسكة، واللاذقية وحلب، ومن الشمال إلى الجنوب، ولم يكتف النظام السورى بهذه المذابح بل سارع اليوم بارتكاب مجزرة تضاف إلى سجل جرائمه الدموية، فمتى يتحرك العالم لحل هذه الأزمة التي وصفت بأنها أكبر أزمة في تاريخ الإنسانية؟!

     وأخيرًا بعد مرور أكثر من أربع سنوات على الأزمة السورية، فإن الحل السياسي يبدو أكثر قبولا لدى معظم الدول الفاعلة في تلك الأزمة، ولا شك أن مثل هذا الحل يجب أن يؤكد على إبعاد بشار الأسد من المعادلة السياسية، والقضاء على الفوضى والتنظيمات الإرهابية، والحفاظ على سوريا موحدة، والإبقاء على مؤسسات الدولة المهمة التي سوف تحفظ سوريا من الدخول في نفق الفوضى والصراعات الداخلية.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك