رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمد بن عبدالله الدويش 10 ديسمبر، 2012 0 تعليق

وسائل وحدة الصف

 

وحدة الصف الإسلامي والدعوي مطلب ضروري وشرعي لأي جماعة تريد الفلاح، وهناك وسائل تعين على وحدة الصف الإسلامي، نذكر منها ما يلي:

إدراك أهمية وحدة الصف:

لا بد من التأكيد على أهمية وحدة الصف وإشاعة الحديث حول ذلك حتى يتأكد هذا المعنى ويستقر، كما أن امتناع الداعية وطالب العلم المقتدى بهما عن بعض ما يطلب منهما رغبة في وحدة الصف، وتنازلهما عن كثير من حقوقهما الشخصية من أجل ذلك، كل هذا يربي تلامذتهما على الاعتناء بهذا الأصل، ويؤكده لديهم.

 

 

الموازنة بين قول الحق ووحدة الصف:

     إنه لا يتصور أن يسعى شخص بقصد وإرادة إلى شق وحدة صف الأمة ودعاتها إلا مَنْ في قلبه نفاق وكره لانتصار الدين، لكن عامة ما يحصل إنما هو شعور بالغيرة على الدين، ورغبة في بيان ما يعتقد الشخص أنه هو الحق، وإن كان الغالب أن أمثال هؤلاء لا يسلم من ملابسة الهوى.

ومن ثم فإن الاحتجاج ببيان الحق وحده لا يكفي، ولا بد هاهنا من مراعاة أمور:

أ - أن يكون الحق واضحا جلياً؛ ذلك أن كثيراً من المسائل التي يشق فيها الصف، من مسائل الاجتهاد والأمر فيها واسع؛ فحينها لا ينبغي الإنكار فيها، فضلاً عن إثارة الخصومة.

ب - أن يقتضي الأمر البيان، وتكون مصلحة البيان أرجح من مصلحة السكوت، فليس كل ما يُعلم يقال.

وقد بوب البخاري- رحمه الله- في كتاب العلم من صحيحه: باب من خص بالعلم قوماً دون قوم كراهية ألا يفهموا، وأورد فيه أثر علي رضي الله عنه: «حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟!».

ج - أن يكون بيان الحق بالأسلوب المناسب، وأن يسلك فيه صاحبه العدل ويجانب البغي والظلم، ويجب أن يعلم أن من مسؤوليته مع قول الحق وبيانه وحدة الصف والسعي لجمع الكلمة.

د - أن يكون بيان الحق من الشخص المناسب؛ فالقضايا الكبار ينبغي أن يتحدث فيها الأكابر، وتغليط الكبار لا ينبغي أن يجاهر به الأغمار.

هـ- حين يتم بيان الحق لا ينبغي أن يستمر الناس في الخوض فيما لا أثر له إلا إيغار الصدور وإثارة الفرقة، وما أجدر الغيورين على مصالح الأمة أن يمسكوا عن الجدل واللغط.

الاعتدال في الحكم على الأخطاء:

     لا يمكن أن يسلم البشر من الوقوع في الخطأ، ومهما بلغ الإنسان من العلم والتقوى والورع فهو عرضة للجهل والهوى والزلل؛ فالبحث عمن لا يزل ويقصِّر من البشر، بحث عن محال.

     كما أن الخطأ يتفاوت أمره؛ فثمة فرق بين الكبيرة والصغيرة، والكبائر تتفاوت فيما بينها، والخطأ في المسائل الظاهرة ليس كالخطأ في المسائل الخفية، ومخالفة الدليل الصريح الصحيح ليست كمخالفة دليل محتمل أو فتوى عالم من العلماء.

الفصل بين الأشخاص والمواقف:

     من الأمور التي ينبغي أن يعنى بها مريد الحق أن يكون حديثه عن الحق أو الباطل متجنباً الأشخاص ما لم يترتب على ذلك مصلحة شرعية.

     ومن المعلوم أنه لا يلزم من وقوع الشخص في الخطأ تأثيمه أو تضليله، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وهذا فصل الخطاب في هذا الباب؛ فالمجتهد المستدل من إمام وحاكم وعالم وناظر ومفت وغير ذلك: إذا اجتهد واستدل فاتقى الله ما استطاع، كان هذا هو الذي كلفه الله إياه وهو مطيع لله مستحق للثواب إذا اتقاه ما استطاع ولا يعاقبه الله البتة خلافاً للجهمية المجبرة وهو مصيب، بمعنى: أنه مطيع لله، لكن قد يعلم الحق في نفس الأمر، وقد لا يعلمه خلافاً للقدرية والمعتزلة».

الحد من تسلط الأغمار:

     كان لمحدودية وسائل الاتصال أثر في قصر انتشار المقولات على من اشتهر بالعلم والرأي في الغالب، ومع اتساع انتشار هذه الوسائل صار من شاء يكتب ما شاء، وأدى هذا إلى تصدر كثير من الأغمار وحديثهم فيما لا يحسنون، وصارت لهم جرأة عجيبة على الأكابر.

إن الأكابر ليسوا بمنأى عن النقد وبيان ما أخطؤوا فيه، لكن لا بد من حد أدنى لمن يتحدث عنهم وينتقدهم.

     وأهل العلم والدعوة في الأمة يؤمل عليهم أن يشيعوا ثقافة احترام الأكابر، وضرورة تواضع الأصاغر، ولئن لم يرق لأحدهم قول، أو رأى الحق بخلافه فليدعه، لكن لا يتحدث مع الناس فيما لا يحسن.

الحذر من الانشغال بعيوب الناس:

     المسلم مأمور بحفظ لسانه وصيانة أعراض المؤمنين، ومن أعظم الآفات أن ينشغل المرء بعيوب الآخرين، فكيف حين يكون من ينشغل بعيوبهم من أهل الصلاح والعلم والدعوة، وممن يعرفون بالخير في الأمة؟

توقير الأكابر:

     لقد جاء الشرع بوضع الناس في منازلهم، ومن ثَمَّ فالخطأ منهم ليس كالخطأ من غيرهم؛ لذا كان لزاماً حفظ منزلتهم ومكانتهم، وحين يصدر الخطأ والزلل منهم فالأمر يختلف عمن دونهم، قال ســعيد بن المسيب رحمه الله: «ليس مـن شــريف ولا عـالم ولا ذي فضــل إلا وفيــه عيب، ولكــن مـن الناس مـن لا ينبغي أن تذكر عيوبه؛ فمن كان فضله أكثر من نقصه، ووهب نقصه لفضله».

البعد عن تضخيم الخلاف:

     لا ينشأ الخلاف من فراغ، وكثير من مواطن الصراع والافتراق بذرتها خطأ وتقصير، يغذيها هوى، أو غلو وتضخيم، ومن الناس من لا يجيد الاعتدال، فيضخم الخطأ، فيقع في البغي والعدوان، ويعتقد بالتلازم بين الغلظة على من أخطأ والحمية على الدين.

التفريق بين الخلاف في الرأي واختلاف القلوب:

     لا بد أن يحصل الخلاف في الرأي وتتعدد الاجتهادات، لكن من واجب المسلم أن يحذر من أن يؤدي ذلك إلى اختلاف القلوب، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم  أصحابه من ذلك؛ فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رجلاً قرأ آية، وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ خلافها، فجئت به النبي صلى الله عليه وسلم  فأخبرته، فعرفت في وجهه الكراهية، وقال: «كلاكما محسن، ولا تختلفوا؛ فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا».

فتح المجال للحوار وإشاعة أخلاقياته:

     إن مما يقلل الاختلاف والصراع أن يفتح المجال للحوار، وأن يسود بين شباب الصحوة ودعاتها جو الحوار، ودون الممارسة العملية سيبقى الحديث عن آدابه وأخلاقياته حديثا نظرياً.

     ومن تأمل واقع السلف رأى ذلك جلياً؛ فكانوا يختلفون ويسود بينهم الحوار والمناظرة والجدل بالتي هي أحسن، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ـ: «وقد كان العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إذا تنازعوا في الأمر اتبعوا أمر الله تعالى في قوله: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (النساء: 59)  وكانوا يتناظرون في المسألة مناظرة مشاورة ومناصحة، وربما اختلف قولهم في المسألة العلمية والعملية مع بقاء الألفة.

والعصمة وأخوة الدين».

سعي المصلحين لرأب الصدع وتدارك الخلاف:

     من المهم حين يشيع خلاف تبدو منه بوادر الافتراق أن يسعى المصلحون للأخذ بزمام المبادرة، فيبذلوا وسعهم في الإصلاح ورأب الصدع قبل أن يتأصل الخلاف وتطول الخصومة، وقد كان سيد الخلق صلى الله عليه وسلم معنياً بذلك.

     فعن سهل بن سعد الساعـــدي رضــي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن بني عمرو بن عوف كان بينهم شيء، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلح بينهم في أناس معه، فحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم  وحانت الصلاة ....».

     ويعظم سعيد بن المسيب رحمه الله شأن الإصلاح فيقول: «ألا أخبركم بخير من كثير من الصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى! قال: إصلاح ذات البين، وإياكم والبغضة؛ فإنها هي الحالقة».

     أسأل الله أن يمن على عباده المؤمنين بالاجتماع، وأن يجنبهم مواطن الزلل والفرقة والخصومة؛ إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك