رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمود طراد 11 نوفمبر، 2019 0 تعليق

وسائل نشر القيم الغربية بين المسلمين(4) معركة المصطلحات


في لقائنا الرابع من لقاءات الحديث عن وسائل نشر القيم الغربية بين المسلمين، جاء دور الحديث عن وسيلة خطيرة من تلك الوسائل، وهي: معركة المصطلحات، وقد حذرنا الإسلام من استخدام المصطلحات ذات اللبس، من ذلك ما جاء في قول الله -تعالى-: {لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا} (البقرة: 104)؛ فهو -سبحانه- يحذر المؤمنين ممن يستخدم المصطلح لغير معناه الصحيح، وأن يحذروا من المصطلحات الوافدة إليهم، يقول الإمام ابن كثير: نهى الله -تعالى- المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم؛ وذلك أن اليهود كانوا يستخدمون التورية لما يقصدونه من التنقيص -عليهم لعائن الله- فإذا أرادوا أن يقولوا: اسمع لنا يقولون: راعنا، يورون بالرعونة.

تنبيه النبي للصحابة

     كما نبه النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه من الاغترار والإعجاب ببعض الألفاظ التي يقولها اليهود، حين قالوا له: إنا نسمع أحاديث من يهود تعجبنا أفترى أن نكتب بعضها؟ فقال صلى الله عليه وسلم : «أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي»؛ فهذا تحذير من الإعجاب بمصطلحات لم تصنع على عين الشريعة، بل أنتجها مخالفون للنصوص الدينية.

أهمية المصطلحات

     تأتي أهمية المصطلحات في أنها كالأوعية، تحمل المضامين والمفاهيم الكثيرة في حروفها الصغيرة والبسيطة، وهي بمثابة أدوات تحمل مجموعة كبيرة من الرسائل الفكرية؛ فكل مصطلح من المصطلحات (وهو عبارة عن كلمة) يتناول مجموعة من القيم والعناصر والنصوص التي تُبث من خلال هذه الكلمة الواحدة، ومن هنا تأتي أهمية هذه المصطلحات، كما أن لأي مصطلح ثلاث وظائف مهمة جداً، الأولى: وظيفة اللغة في قدرتها على حفظ الخبرات والمعارف، وعن تعبيرها للعلوم والمعارف من أقصر طريق. والثانية: وظيفة القيم، فيما تحمله المصطلحات من مضامين، أو من حكم ضمني، أو صريح على كثير من المعاني. والثالثة: وظيفة الفكر وما يحمله من إبداع في إدراك المعاني وإنتاج المعرفة في مختلف مجالات العلوم.

أين تكمن الخطورة؟

     تكمن الخطورة في أن التغريبيين يُنتجون مجموعة من المصطلحات من أجل نشر مجموعات من القيم التي تقوم عليها الحياة الغربية، وهذه المصطلحات قد نشأت في بيئة مغايرة للبيئة الإسلامية لها ظروفها ومسوغاتها وطريقة الحياة التي أفرزتها، ومن ثم لن تكون متوافقة مع النصوص الشرعية ثم يُغري المسلمون  بالمعنى الذي يتفق عليه الجميع، ثم يقع المستمع في شراك هذا التلبيس، ولو أردنا أن نضرب بعض الأمثلة على ذلك لوجدنا عشرات المصطلحات التي لا يمكنك رفض ظاهرها رغم أن مضامينها التغريبية تخالف الشريعة الإسلامية. مثل:

مصطلح الحرية

     وهو من أشهر المصلحات المستخدمة في هذه المعركة؛ فالحرية مطلب يتفق عليه الجميع، لكنه من المنظور الإسلامي مقيد ومضبوط، فهو ضد العبودية، ولكن ضد أي عبودية؟ هل هو ضد عبودية العبد لله؟ وضد تقييد الإنسان بالنصوص؟؛ فالمسلم يرى أن عبوديته لله -تعالى- أعظم حرية، ويرى أن التزامه بالأوامر والنواهي من مظاهر تلك الحرية، بينما يرى الغربيون أنه لا سلطة على الإنسان بأي نوع من الأنواع، ولو كانت تلك السلطة ربانية دينية، والمؤمنة ترى أن تقييدها بالحجاب والعفة لا يتنافى مع الحرية بينما ترى غير المؤمنة أن (العفة) و(الحجاب) نوع من أنواع الاستعباد! فتنادي بالحرية بأنواعها المختلف إلى أن تصل إلى الحرية الجنسية!

مصطلح الرجعية والتقدم

     حين تسمع من يقول لك: لا تكن رجعياً، أو من يصرخ: على الأمة أن تسعى إلى التقدم؛ فإنك لا تجد مسوغا لمعارضة هذا النداء، بينما تصدر تلك المصطلحات من التغريبيين بمضامين غير التي نتبناها؛ فالرجعية عندهم تعني التمسك بالنصوص الدينية القديمة، بحجة أنها لا تواكب العصر الحالي؛ ولذا فإن مصطلح (الرجعية) ملازم عندهم لمصطلح (التخلف)، ويعبرون عنه أيضاً بمصطلح (الأصولية) الذي يعني في الفكر الغربي: الرجوع إلى الأصل؛ فيقولون: أنت أصولي، بمعنى أنك متمسك بالقديم ولا تسعى إلى التقدم والتحديث، بل الأصولي كما يراه التغريبيون رجل من أهل الجمود.

مصطلح الوسطية

     والوسطية من الصفات التي أعلنها الله -تعالى- من مميزات وخصائص الأمة، فقال -سبحانه-: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (البقرة: 143)، وتعني في ثقافتنا الإسلامية: الحق بين باطلين، بين ظلمين والاعتدال بين تطرفين، وما أكثر النصوص التي تدعو إليها! قال -تعالى- مبيناً صفات المؤمنين: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} (الفرقان: 67)، وقال -تعالى-: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا} (الإسراء: 29)، بينما هي في قاموس التغريبيين عدم تبني موقف واضح محدد؛ فالتوحيد والشرك والإيمان والكفر أمور متساوية في الدنيا وحتى في الآخرة؛ فأنت وسطي إذا اعتقدت أن الكافر الذي يفعل الخير في الدنيا سيدخل الجنة؛ لأنه كان يفعل الخير ولا تأثير لكفره. وأنت متشدد إذا قلت: إن الجنة أعدها الله -تعالى- للمؤمنين الموحدين فقط؛ وبذلك تكون عدواً لحقوق الإنسان وصانعاً للفتنة إذا لم تكن متبنياً للوسطية بمفهومها التغريبي.

مصطلح تحرير المرأة

     من المصطلحات البراقة التي أثرت وسيطرت على شريحة كبيرة مصطلح (تحرير المرأة)، وأنت ترى أخي القاريء أنه ليس هناك عاقل ولا إنسان يرضى بإهانة المرأة واستذلالها؛ فكلنا متفقون على المصطلح بهذا المفهوم، لكن المصطلح يعني في الفكر التغريبي مجموعة من المضامين غير الشرعية، فهو أولاً: مصطلح غربي النشأة، ظهر في القرن التاسع عشر؛ حيث ظهر تدريجياً بعد مصطلح (نسوي)، والمعبر عن التيار الداعي لتحرير المرأة في دورية منارة العلم؛ وذلك بعد سنة من إصدار رواية (سارة جراند) التي استخدم فيها عبارة (المرأة الجديدة)، وهي العبارة التي تبناها دعاة تحرير المرأة في البلدان العربية، ثانياً: إن المضامين غير الشرعية التي يحملها المصطلح: تحريرها من سلطة الأسرة، ونزع الولاية الزوجية التي جعلها الله للزوج، بدعوى التحرر والمساواة، كما أنه يعني التحرر من الآداب الإسلامية؛ فالحجاب من وجهة نظرهم سجن للمرأة، وعدم الاختلاط والحفاظ عليها في نظرهم إهدار لقيمتها في المجتمع.

مصطلح حقوق الإنسان

     وهو من أشهر المصطلحات العولمية، وقد أنشئت مؤسسات كبرى لأجل العناية بهذا المصطلح، وهو مما يحمل حقاً وباطلاً؛ فالإسلام قد جعل للإنسان حقوقاً كبيرة، منها حق الحياة، وحق التعلم، وحق العمل، وحق التداوي، وحق ممارسة الحياة، بل سخر الله -تعالى- الحياة لأجل هذا الإنسان وحمله في البر والبحر؛ فقال -تعالى-: {لَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (الإسراء: 70)، بينما يحمل مصطلح حقوق الإنسان مضامين غربية أخرى مع هذه المضامين؛ فمنها مثلاً: أن المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على أن: «لكل شخص حق حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد، وإقامة الشعائر والممارسة والتعلم بمفرده، أو مع جماعة، وأمام الملأ أو وحده» وخطر هذا المضمون يكمن في جملة (له الحق في تغيير دينه)؛ فقد سوغت مثل هذه الجملة الارتداد عن الإسلام، وانتشار الإلحاد، وقد تؤدي مثلها أيضاً إلى خلل في الأمن العقدي للمجتمع المسلم، وهي تتعارض مع النصوص الدينية الصريحة، كما كان استخدام المصطلح من التغريبيين بوابة لانتشار كثير من المخالفات باسم الحقوق، من هنا فإن المصطلحات المستخدمة في نقل المضامين الغربية تكون مصطلحات براقة ومتفقاً على ظاهرها، لكن باطنها مليء بالمصادمات للنصوص الدينية والتقاليد الإسلامية والعادات العربية.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك