رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمود طراد 18 نوفمبر، 2019 0 تعليق

وسائل نشر القيم الغربية بين المسلمين(4) معركة المصطلحات


لازلنا أيها القارئ الكريم نتشارك الحديث سوياً عن أهم وسائل نشر القيم الغربية بين المسلمين، واليوم نكمل في الموضوع السابق نفسه؛ حيث المصطلحات المنتشرة بيننا اليوم والمفخخة بعشرات المضامين غير الشرعية، التي تستهدف تثبيت الريادة الثقافية للعولمة الغربية، كما تسعى إلى وضع عالمنا الإسلامي في موضع التبعية دائماً، والله -تعالى- يحذرنا من هذا التبعية في قوله -تعالى-: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون} (الجاثية: 18)؛ فالمصطلحات الإسلامية تميز المسلم وشخصيته، والمصطلحات الغربية تجعله تابعاً لا يفكر وممسوخاً ليس له هوية.

مصطلح المساواة

     هل تلاحظ معي أيها الأخ الكريم ما تستشعره نفسك حين تسمع هذا المصطلح؟ جميل أن تشعر أنك متساوٍ مع بني جنسك، لا تمييز لأحد ولا عنصرية من أحد، والنبي صلى الله عليه وسلم قال «كلكم لآدم وآدم من تراب». رواه مسلم وقال: «لا فضل لعربي على عجمي ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى»، والله -تعالى- جعل التكريم والتفضيل على أساس التقوى؛ فقال -سبحانه-: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}(الحجرات: 13)؛ فلم يجعل الكرامة لجنس ولا للون، من هنا كان مدخل مصطلح (المساواة) جميل المنظر، بينما حمل في داخله مجموعة من المضامين الغربية المختبئة التي لا تتوافق مع شريعتنا بحال من الأحوال، ولقد ظهر الحديث عن المساواة في الغرب في الإعلان الصادر عام 1789م عن الثورة الفرنسية، ودخلت المساواة منذ ذلك الوقت تاريخ الدساتير والمواثيق الدولية.

 ماذا في مضمون المصطلح؟

     تطلق المساواة ويراد بها مضمون من المضامين التالية: المساواة السياسية، المساواة الاقتصادية، المساواة المدنية، المساواة الاجتماعية، وكثير من المذاهب الفكرية الغربية ترى أنه يجب تحقيق المساواة والتماثل، ولاسيما في الميدان الاجتماعي والاقتصادي، وعند تطبيق هذه الصورة في الواقع اصطدمت مقترحاتهم بالشريعة الإسلامية، في أمور عدة منها:

1- قانون الميراث الذي يقوم على العدالة، لا على المساواة في الأنصبة، الذي يقوم قانونه على قواعد منها القرب من الميت، ومنها وجود المسؤولية المالية على عاتق الذكر الوارث؛ فيعطى أحياناً أكثر من نصيب المرأة، بينما تعطى هي في عشرات الحالات مثله أو أكثر منها لاعتبارات أخرى؛ فجاء مصطلح المساواة ليتعارض مع القانون الإلهي في المواريث، والله -تعالى- يقول عن هذا القانون بعد آياته في سورة النساء مباشرة: {تلك حدود الله} (النساء: 13)، كما يتعارض مصطلح المساواة أيضاً مع ولاية الرجل في الأسرة؛ فينادون بمساواة المرأة للرجل في الحقوق كلها، والله -تعالى- يقول: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة}(البقرة: 228)؛ فمصطلح المساواة الغربي يريد نزع تلك الدرجة التي هي القوامة التي وضعها الله -تعالى- لأجل بقاء الأسرة، وليتحمل الرجل فيها احتياجاتها ومطالبها، مع فرض الحقوق كلها التي تحتاجها المرأة وتحذير الرجل من التهاون فيها؛ فالمصطلح براق جميل، لكنه يصطدم مع تشريعات إلهية جاءت لمصلحة البشرية.

المساواة الممكنة

     صور المساواة الممكنة كثيرة جداً، مثل المساواة في القانون؛ فلا يتم التمييز بين الناس لسبب من الأسباب طالما كانت الصورة واحدة؛ فلا تتدخل الجنسية ولا اللون ولا العرق في الحكم لأحد أو على أحد، وهذه صورة مستطاعة لا شك، ومنها أيضاً المساواة في تكافؤ الفرص؛ فتكون الفرص متاحة لجميع للأمم، بل وللمواطنين جميعهم في دولة ما، على اختلاف الميادين، حتى تبقى جهود الأفراد مستمرة في مصلحة الوطن والبشرية، ومنها أيضاً المساواة في الحقوق العامة، كحق العمل والتعلم والعلاج وغير ذلك، أما التشريعات الإلهية التي تتسم بالعدالة؛ فلا يجوز مصادمة عدالتها بالمضمون الخطأ لمصطلح الحرية.

مصطلح التجديد

     ستسمع أخي القارئ هذا المصطلح كثيراً، ولاسيما في الحديث عن الخطاب الديني المعاصر (تجديد الخطاب الديني)، ومصطلح التجديد من المصطلحات الملغومة أيضاً؛ فبينما يدعو الإسلام إلى الحفاظ على قواعده وأصوله التي أتمها الله -تعالى-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}(المائدة: 3)، يأتي دعاة التجديد فيحاولون تغيير بعض المعلوم من الدين بالضرورة بحجة التجديد، وقد اعتنى سلفنا الصالح بهذا المصطلح؛ فتجد إماماً كالإمام ابن حجر يتكلم عنه أثناء شرحه لحديث «يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها». رواه أبو داود؛ فالمسلمون ليسوا ضد عملية التجديد، لكنهم يضعون مجموعة من الضوابط التي تضبط عملية التجديد حتى لا يتم الاعتداء على الشريعة بحجة تجديدها، ومن ذلك ما يلي:

ضوابط التجديد الصحيح

     وضع علماء المسلمين مجموعة من الشروط حتى تتم عملية التجديد الصحيحة بشكل مشروع وصحيح؛ فقرروا منها: أن يكون من أهل الديانة؛ بحيث يكون مسلماً؛ إذ لا يصدق أن يكون العاملون على تجديد الفكر الإسلامي غير مسلمين، كما هو حال المفكرين الغربيين والمستشرقين اليوم، وأن يكون عالما بالسنة عاملاً بها ومقدراً لها؛ فكيف يجدد في الدين من لا يحترم مصادره أو يستهين بها؟! يقول الإمام المناوي -رحمه الله-: «يجدد لها دينها أي يبين السنة من البدعة، وأن يكون عالماً بواقع الأمة؛ إذ لا يتصور مجدد للأمة، وهو على غير علم بواقعها غائباً عنه، وأن يكون صاحب علم وبصيرة، وقدرة على الاستنباط، وقدرة على تمييز الصحيح من السقيم، وأن يستند التجديد على الكتاب والسنة غير معارض لهما، و ألا يصادم التجديدُ إجماعَ الأمة وأعراف الناس، والتجديد المغلوط لا يعد الإجماع مصدراً من مصادر التشريع، لكنه عند الفقهاء والعلماء -منذ عصر النبي صلى الله عليه وسلم - من مصادره، ولا يزال العلماء يستدلون عليه بقوله -تعالى-: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا} (النساء: 115)؛ فسبيل المؤمنين هنا هو الإجماع، وقد صرح بذلك الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى.

أهم مظاهر التجديد الغربي المغلوط

أولاً: تقديم العقل على النقل

     فكثيراً ما يقدم الاستنباط على المنصوص عليه، بغض النظر عن صحة النص أو عدمها؛ فالمهم ألا يتعارض مع عقولهم، كما أنهم يعدون العقل هو المنظم الوحيد لما تنصلح به حياة الناس، وقد أدى ذلك إلى إنكار الغيبيات وما نقل عن المعجزات، يشككون فيها أو يؤلونها بما يخرجها عن ظاهرها، يقول أحدهم: وهذه سنن ابن ماجة والبخاري، بل كتب الحديث والسنة كلها طافحة بأحاديث وأخبار لا يمكن أن يقبل صحتها العقل ولا نسبتها إلى الرسول الكريم، صاحب أعظم شريعة عقلية إنسانية.

ثانياً: تقديم الاجتهاد المقاصدي على الحكم الشرعي

     وذلك بغرض الانفلات من الحكم الشرعي؛ فتراهم يقولون: إن المقصد من الحكم كذا وكذا لأجل التفلت من الحكم نفسه، بحجة أنه يمكن حصول المقصود بغيره، ولا شك أن ذلك قد يكون في مسائل بالفعل وردت في اجتهادات الفقهاء، مثل الكلام في صدقة الفطر مثلاً، ولكنهم يعمدون إلى هذه القاعدة في غير مكانها، كأن يقولوا: إن الحكمة من الحجاب العفة؛ فالأمر بالحجاب ليس لذاته؛ فإن لم يكن خلعه يؤدي إلى معصية فلا حرج في إزالته، وكذلك ينظرون إلى الحدود بكونها عقوبة زاجرة؛ فإن كان الزجر بغير العقوبة المنصوص عليها؛ فلا حاجة لها.

الخروج على مصادر الحجة

     فيخرجون على مصادر الحجة، وهي النصوص، ويدعون أنها خاصة بزمن معين لا يتناسب مع الواقع المعاصر؛ فيحاصرونها بالظروف التي أحاطت بها، وأن هذه الأحكام تزول بزوالها، وكأنها ليست ديناً للبشرية كلها، وأنه بانتهاء فترة الإسلام الأولى تبدأ مرحلة اجتهادات أخرى غير مقيدة بالنصوص؛ فاحذروا أحبتي هذا التجديد، واحذروا أن تنهزموا في معركة المصطلحات.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك