رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمود طراد 5 نوفمبر، 2019 0 تعليق

وسائل نشر القيم الغربية بين المسلمين (3)


مازلنا -أخي القاري الكريم- مع وسائل نشر القيم الغربية في المجتمعات المسلمة، واليوم موعدنا مع الوسيلة الأسهل والأخطر، وهي الأسهل والأيسر من ناحية الاستخدام والأخطر لأن لها تعلقاً بكل شرائح المجتمع المسلم، تلك الشرائح التي اعتنت الشريعة بالحفاظ على ثقافتها من طفولتها إلى كهولتها، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثالاً لهذه العناية؛ فقال: «مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها وهو يذبهن عنها وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلتون من يدي». (رواه البخاري)، هذه الوسيلة التي نفرد لها معاً مقال اليوم، وهي الأخطر في نشر القيم الغربية هي: (الإنترنت) .

بداية الفكرة التغريبية على (الإنترنت)

     في تقرير صادر عام 2003 لإحدى المؤسسات الغربية الكبيرة، كان الحديث عن المساجد، وكيف أنها تؤثر تأثيراً على المسلمين لا يتناسب مع الفكر الغربي الذي يسعى التغريبيون لنشره في المجتمع المسلم، وقد صدق التقرير في ذلك؛ فالمسجد أهم مدرسة ومنصة تعليمية على مدار التاريخ الإسلامي، وهو الأقرب إلى النفوس، وما يزال إلى الآن منذ بداية أول مسجد منارة العلم ومثابة العلماء، فيه نشأت المدارس الفقهية والعلمية، وتنعقد مجالس التعليم، بل كان مركزاً للقضاء بين الناس، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعمارته وجعل التعلق به علامة على الإيمان، قال -تعالى-: {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة}(النور: 36- 37)، ولأجل هذا الدور العظيم، كان المقترح في التقرير المشار إليه، أن يُنشأ منصات فكرية على الإنترنت؛ لتؤدي الدور نفسه الذي يقوم به المسجد من تأثير فكري على الناس، فهل حدث ذلك فعلاً ؟

المنصات المرئية على الإنترنت

لقد وصل الأمر إلى توجيه كثير من القضايا العقدية إلى الأطفال والشباب على حد سواء؛ ذلك أن فساد العقيدة يعني فساد كل شيء، قال صلى الله عليه وسلم : «من مات يشرك بالله شيئاً دخل النار». (رواه البخاري).

     وسأضرب لك -أخي القاري- مثالاً خطيراً عشته بنفسي مع ابنتي التي تبلغ من العمر عشر سنين، قالت لي: يا أبي إنني أجلس لأفكر في كل شيء كيف يُصنع؟ السقف، والحائط، والأوراق، والأخشاب، والستائر؛ فتنبهت لشيء، قلت: لعلها تريد أن تأخذني إلى سؤال آخر وهو: إذا كنا نبحث لكل شيء عن بداية وخالق؛ فمن خلق الله؟ تلك العبارة التي يستخدمها الشيطان مع ضعاف الإيمان والعلم، وكنت محقاً، لقد أخذتني البنت الصغيرة إلى هذا السؤال، وبعد إجابتها عن سؤالها الرئيس، قلت لها: لماذا فكرتِ في مثل هذا الموضوع؟ فكانت الإجابة الصادمة: فيديو سمعته على (اليوتيوب)؛ فها هي ذي الأفكار الإلحادية الوافدة تصل من خلال تلك الشبكة .

خطر منصات الإنترنت الفكرية

يكتشف الباحث في هذا الموضوع أموراً خطيرة جدا وهي:

1- من خلال مواقع التواصل يُجمّع الشباب لمتابعة شخصية تغريبية، ليصل هذا العدد إلى مئات الآلاف، بل وإلى الملايين أحياناً، يستطيع التغريبي من خلال تلك المنصة إرسال مجموعة من الأفكار التشكيكية إلى هذا العدد الهائل في أقل وقت ممكن .

 2- أن الشريحة المتابعة لصفحات مواقع التواصل الاجتماعي ومثيلاتها من المنتديات، شريحة لم يكتمل بناؤها العلمي، ومن ثم فهي عرضة للتأثر بهذه الأفكار المغلوطة .

 3- لم تعد لوسائل الإعلام الأخرى كالتلفاز والمجلات الورقية، الأهمية نفسها التي اكتسبتها الشبكة العنكبوتية؛ لأنها وصلت إلى الطفل والكبير بسهولة، بل إن أهم القضايا اليوم لا يكون لها رواج إذا لم تأخذ حظها على هذه الشبكة.

المواقع غير الأخلاقية على (الإنترنت)

في الوقت الذي يقرأ فيه المسلم قول الله -تعالى-: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم}(النور: 30)، أصبح وصول هذه المشاهد غير الأخلاقية، وهذا الانحلال إلى المجتمع المسلم بسهولة، ونحن هنا نؤكد على أن هناك أهدافا فكرية وسلوكية من وراء استهداف المجتمعات العربية بهذه المواقع غير الأخلاقية.

فأما الأهداف الفكرية فمنها: التأكيد على مصطلح الحريات ورفع الرقابة، التي تنادي به المؤتمرات الغربية الداعية إلى الحرية الجنسية، حتى في المحافل الدولية والمؤسسات الغربية، يتم تقنين قوانين تسمح بهذه الإباحية.

     وأما الأهداف السلوكية؛ فأخطرها تفكيك الأسر المسلمة من خلال صناعة بدائل أخرى للزوج أو الزوجة، وكذلك زيادة نسب تطبيق هذه الإباحية على الواقع، وقد أثبتت دراسة علمية في عام 2011م أن هذه المواقع تسببت في زيادة العنف ضد المرأة، زيادة على الانهيار الأخلاقي وإدمان المنشطات الجنسية التي يصل إلى الشباب.

نشاط التغريبيين على الشبكة

     أصبح اليوم -ومع انتشار تيارات فكرية تسعى لنشر الفكر الغربي وتقاليده وقيمه في مجتمعنا- يُنشأ موقع أو مدونة خاصة بالتيار التغريبي، وسواء كان هذا التيار باسم مركز فكري، أم جماعة، أم تيار شبابي مهووس بالغرب، تُنشأ هذه المواقع لنشر المواد الفكرية المكتوبة والمتلفزة مع تنظيمها في أقسام مرتبة، لتسهيل عملية الوصول إليها، مع التعريف بأفكار الموقع وتوجهاته، مثال ذلك: كتبت إحدى الحركات العلمانية على موقعها الرسمي أنها: «حركة دعوية فكرية غير حكومية، تأسست في ديسمبر 2011م، وتستهدف نشر الفكر العلماني وتكوين تيار علماني شعبي غير نخبوي، يخرج من رحم الشارع متشبعاً بالفكر التنويري»، وأخرى تؤكد في بيانها على موقعها الرسمي على ما يلي:

1- العلمانية ليست ضد الدين، بل هي للمحافظة على الأديان.

2- لا يكمن الحصول على حق التدين، وهو من حقوق الإنسان إلا بالعلمانية! يجب تحويل الدول إلى دول علمانية لضمان تحقيق المساواة بين الجميع، وتقوم هذه الحركات بتحديد يوم في الأسبوع لنشر المواد المتلفة للندوات والحوارات التغريبية، فهل ينتظر عاقل خيراً من هذه المواقع وتلك توجهاتها؟

موضوعات فكرية على المنصات التغريبية

من أهم الموضوعات الفكرية التي تتناولها مواقع ومدونات التغريبيين:

1- علاقة الدين بالدولة والمجتمع.

2- الشبهات المثارة حول تفسير القرآن الكريم، وكتب السنة ورجالها.

3- الشبهات المثارة حول التاريخ الإسلامي.

4- التعرض لبعض مضامين العبادات، كالصلاة، والحجاب، والصيام، والحج، وإثارة الشكوك حول فرضية هذه العبادات، أو كيفية أدائها.

5- موضوعات تتعلق بالشريعة والفقه الإسلامي، للتأكيد على أن الإسلام دين روحاني يهتم بروح الشريعة لا بأحكامها.

6- موضوعات تتعلق بعدم صلاحية الشريعة الإسلامية للعصر الحديث.

7- منهم من يعمل على التوفيق بين الثقافة الغربية والإسلامية، من خلال طرح جديد للثقافة الإسلامية بعد تفريغها من المفاهيم الصحيحة .

8- إنشاء منصات للتفسير الحداثي للقرآن الكريم، وأن تُعلن القطيعة مع المنقول في كتب التفسير المعتمدة لدى الأمة .

9-  إنشاء معاهد فكرية للدراسة تتبنى الفكر التغريبي، تقوم بإغراء الدارسين بالدرجات العلمية في المجال نفسه كالماجستير والدكتوراه.

الوقاية من الإنترنت خير من العلاج

لا ننكر في هذا المقال أن هناك الكثير من المنافع التي تعود على البشرية من هذه التقنية الحديثة (الإنترنت)، ولا ننكر أنه فائدته الدعوية، ومن أهم تلك الفوائد، تسهيل التواصل بين الناس والحصول على قدر كافٍ من المواد التعليمية والتثقيفية، وكذلك فوائد مالية تجارية، من خلال الترويج للمنتجات وتسهيل هذا التبادل على البائع والمشتري، لكن الخطر الذي تحدثنا عنه في هذا المقال يحتاج إلى وضع إجابات لهذه الأسئلة أثناء الرقابة على علاقة أبنائهم بالإنترنت، هل محتوى هذا الموقع واضح؟ وهل واضح من أنشأ هذا المحتوى؟ وما هدفه الرئيس؟ وهل نافع فكرياً وسلوكياً ويتطابق مع الدين والتقاليد أم لا؟ ثم يتم التعامل معه بناء على الإجابات .

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك