وسائل نشر القيم الغربية بين المسلمين (2)
استكمالاً لما بدأناه في المقال الماضي من حديث عن وسائل نشر القيم الغربية بين المسلمين، وقد ذكرنا منها وسيلتين بارزتين: وهما اختراق مناهج التعليم والسينما، واليوم نكمل سوياً ذكر بعض الوسائل الأخرى، متذكرين قول الله -تعالى-: {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا} (البقرة: 217)، وقوله -تعالى-: {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين}(آل عمران: 100)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم متنبئاً عن طائفة ستقلد غير المسلمين في كل شيء: «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه»، قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: «فمن ؟» متفق عليه.
البعثات العلمية والتبادل الثقافي
لا ننكر أبداً قيمة التبادل الثقافي والمعرفي بين المجتمعات؛ فقد أصبح العالم كالقرية الصغيرة، وأصبح الانفتاح الثقافي ملازماً لكل عصر، سواء كان ذلك بطريقة رسمية أم من خلال مؤسسات المجتمع المدني، وهذا أمر لم تحرمه شريعتنا؛ فالحكمة ضالة المؤمن، وقد اتفق النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر، أن يفدي الأسير مقابل تعليمه لأحد أبناء الصحابة، فقد جاء في مسند الإمام أحمد: «كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة»، لكن حينما كان ذلك بإشراف النبي صلى الله عليه وسلم وتحديد المطلوب «وهو تعليم الكتابة»، وفي ظل قوة المسلمين وضعف الآخرين؛ مما يستحيل معه أي تأثر ثقافي، لم يكن ذلك مضراً أبداً، أما إذا كان التبادل الثقافي بلا رقابة؛ فإن التخصصات الغربية كافة، تنقل داخل محتواها تلك الثقافة الغربية التي نتحدث عنها، قد تأثر العرب بتلك البعثات والإرساليات أيما تأثر، ولاسيما من خلال كتابات بعض الشخصيات التي كانت قديماَ ضمن تلك الإرساليات، مثل رفاعة الطهطاوي، وطه حسين وغيرهما.
التعليم الغربي داخل البلدان العربية
في عام 1847م أُنشئ ما يسمى بوزارة المعارف العمومية، داخل أراضي الخلافة العثمانية، وكان الهدف من ذلك تدريس المناهج الغربية، ولاسيما الفرنسية منها، وقد انتشرت مدارس هذه الوزارة في أنحاء البلاد؛ لتكون وسيلة لنقل الثقافة إلى الأجيال، وكان محمد علي في مصر، قد أنشأ أيضاً تعليماً أوروبياً في مصر قبل ذلك عام 1820م، وفي فترة من الفترات وتحديداً في عام 1850م التزمت الحكومتان في اسطنبول ومصر، على عدم تعيين الخريجين في تلك الفترة إلا من خريجي المدارس غير الشرعية، وكما نلاحظ في الواقع المعاصر؛ فإن المدارس الأجنبية في البلدان العربية تستلهم أنشطتها من خلال التجارب الغربية، وكذلك المناهج التي يدرسونها، ولاسيما في المراحل التعليمية جميعها، وقد أدت تلك المناهج الغربية في هذه المدارس إلى إضعاف الهوية الدينية لدى الشباب، وزادت تعلقهم بالنموذج الغربي في الحياة، وكذلك تشكيكهم في كثير من القضايا الدينية.
أسباب اهتمام التغريبيين بالمدارس
ترجع أسباب اهتمام التغريبيين بإنشاء مدارس كثيرة في أنحاء العالم إلى ما يلي: أولاً أن حاجة الناس للعلم لا تنقطع، والإقبال عليه غريزة تدفع إلى عمله.
- ثانياً: التعليم يتضمن تنشئة الأجيال، وهذه المدارس تصبغهم بصبغتها وتوجههم بتوجهاتها.
- ثالثاً: أن أفضل وسائل الغزو اليوم ما كان بلا سلاح؛ لأن تلك المعركة الفكرية، لا تستهدف سوى عقل الإنسان.
ومن الجدير بالذكر أن إنشاء تلك المدراس، كان أولاً لتعليم أبناء الجاليات الغربية في البلدان الإسلامية، ثم أصبحت محاضن لأولاد المسلمين، وذلك بعد بث مجموعة من الإغراءات، استهدفت أولياء الأمور بها: الأولى وسائل إغراء بمثابة بطاقة دخول إلى المداس، بهدف التثقيف العام، أو الترفيه، والثانية وسائل إغراء للتسجيل في المدارس من خلال التأكيد على أنها وسيلة لجلب الرزق؛ حيث تكون الأولويات لخريجي هذه المدارس، وكذلك من خلال المكانة الاجتماعية التي تم إكسابها للمدارس الأجنبية؛ بحيث أصبحت سمعتها الأفضل وسط الرأي العام.
على أولياء الأمور الانتباه
إن الطفولة هي المرحلة المناسبة لغرس القيم والأخلاق في نفوس الأجيال، وفي هذه المرحلة بمكوناتها يُربى الطفل من خلال زرع المعتقدات الحسنة التي ستوجه الطفل بقية حياته؛ ولذا كان اعتناء الإسلام بالإنسان طفلاً كالاهتمام به رجلاً؛ فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتعليمهم الصلاة، وتعويدهم على الصيام، وتعليمهم القيم والآداب، ووضح الأحكام المتعلقة بهم، كجريان القلم، وصلاة المميز، وحجه وصيامه؛ ولذا كان من الخطر الكبير، أن يُحتضن الأولاد في تلك الفترة من خلال دور التعليم التي لها توجه تغريبي، أو قناعات غير إسلامية، وأول علامات ذلك أن يجيد الطالب لغة غير لغته الرسمية، فلا تكون له وسيلة بعد ذلك ليرتبط بهويته، أو مجتمعه وفي مثل ذلك يقول الإمام ابن تيمية -رحمه الله-: «واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل واللغة والدين تأثيراً قوياً بيناً، ويؤثر أيضاً في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق».
آثار التبادل الثقافي
إذا غابت الرقابة على مناهج التبادل الثقافي الذي يجري من خلال الإرسالات التعليمية، أو المدارس الأجنبية؛ فإن هناك مجموعة من الآثار التي لن تبرح حتى يكون لها مكانها في عقول الأجيال وفكرها، ومنها:
ظهور طائفة من المتشككين
ولعلك -أخي القارئ- تلاحظ اليوم أن كثيراً ممن ذاع اسمهم يتعرضون للثوابت، ككتب السنة مثلاً تجده متأثراً إما بكتابة مستشرق، أو يكون خريجاً لجامعة غربية حصل فيها على الدكتوراه في التخصص الديني، ولك أن تتعجب، كيف يكون التخصص الديني من جامعات لا تعترف بالإسلام ديناً؟!
صناعة رموز إلحادية
وكم من طالب خرج مسافراً إلى إحدى جامعات أوروبا؛ فأصبح اليوم رمزاً يدعو إلى الإلحاد، ويطعن في الدين! والسبب هو التأثر المباشر بالمناهج الغربية التي استهدفت فيه العقيدة، مع غياب الوقاية الفكرية، التي كان يجب أن يربى عليها هذا الطالب.
التقاليد الغربية
دعوة هذه الأجيال إلى التقاليد الغربية، كالاختلاط، والتحرر، وتهميش دور العلماء، والتركيز على قضايا المرأة وإظهارها في صورة المستضعفة المظلومة إسلامياً.
وسائل تجنب الأخطاء والمخاطر
مما ينغي التنبيه عليه في هذا المقال، أن التبادل الثقافي مستمر، وما يجب الآن هو محاولة تجنب هذه المخاطر المذكورة من خلال ما يلي:
تقوية المدارس والجامعات
- أولاً: تقوية المدارس والجامعات الرسمية للدول العربية؛ وذلك لجذب الطلاب العرب والمسلمين إليها، مع العمل على تطوير المناهج دوريا، والاستفادة من التقنيات الحديثة كافة، لاستعادة مكانة مؤسسات التعليم العربية، والتأكيد على أنها تواكب الإحداثيات الجديدة في العالم.
الرقابة الدينية
- ثانياً: الرقابة الدينية والثقافية على المناهج التي يتم تدريسها، وكذلك على البعثات المطروحة للتعاون بين البلدان العربية وغير العربية؛ وذلك لوقاية الباحثين والمبتعثين من الانحراف الفكري أو التأثر بالقيم والتقاليد غير الإسلامية.
الاهتمام بالتعليم الديني
- ثالثاً: الاهتمام بالتعليم الديني، سواء في المؤسسات التعليمية الدينية، كالمعاهد الدينية، أم من خلال الاهتمام بمادة التربية الإسلامية في المدارس الأخرى؛ بحيث تكون الموضوعات الدراسية كافية لوقاية الطفل والطالب والباحث، والوقاية خير من العلاج.
الوسائل الشرعية
- رابعاً: استخدام الوسائل الشرعية المتاحة كافة؛ للفت أنظار أولياء الأمور إلى البرامج التثقيفية الخاصة بالأطفال، والتابعة لوزارات الأوقاف، أو الجمعيات الإسلامية، التي لها برامج توعوية مفيدة، وللحفاظ على أهم شريحتين في المراحل التعليمية، هم الأطفال الصغار والجامعيون الباحثون.
لاتوجد تعليقات