رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمود طراد 22 أكتوبر، 2019 0 تعليق

وسائل نشر القيم الغربية بين المسلمين (1)

 

من المقرر تاريخياً أن كل قوة عظمى تحاول تدويل قيمها ومبادئها، ونشرها، وهكذا كان الفكر الليبرالي منذ انتهاء حربه مع الفكر الشيوعي، وهذه حال التدافع الدائمة بين الحق والباطل، قال -تعالى-: {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا}؛ فكل المحاولات دائمة لتحويل العالم الإسلامي إلى قطعة من العالم الأوربي الغربي، وكأنك وأنت في العالم الإسلامي، تعيش في شارع من شوارع أوروبا، والسؤال الآن، كيف يجري عولمة مبادئ الليبرالية المنتصرة على الشيوعية في مواجهة الثقافة الإسلامية ؟

أولاً: تغريب مناهج التعليم

     إن استهداف مناهج التعليم في العالم الإسلامي هدف واضح، ولاسيما تلك الدول التي لها تأثيرها الفكري والثقافي على المسلمين؛ ولأن الإسلام إنما يقوم على العلم، وتأتي النصوص الإسلامية على رأس النصوص المحذرة من الجهل والداعية إلى التعلم، كقول الله -تعالى-: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}(الزمر: 9)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : «ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العيّ السؤال» (رواه أبو داود)، وطالما كانت بوابة التدين العلم النافع؛ فإن تغريب مناهج التعليم هدف لا يُتنحى عنه، والمتابع لهذا الملف يجد صراحة التعبيرات الغربية في أن استهداف الثقافة الوسيلة المثلى بديلاً للحملات العسكرية، ويستخدم مصطلح الإرهاب وأمثاله ذريعة للتدخل في مناهج التعليم في مجتمعاتنا؛ ففي 14 أغسطس عام 2004  أي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي كانت مسوغا كبيراً لمحاولة التدخل في عملية وضع المناهج التعليمية، يذكر أحد الغربيين أن أحد أبرز أهدافهم في المنطقة العربية والإسلامية، تعميق التواصل مع عدد من الفئات وعلى رأسها الشباب، وذلك بهدف إيجاد جيل جديد.

تصريحات غربية مثيرة

     من أهم التصريحات الخاصة بقضايا إصلاح مناهج التعليم ما يلي: يقول أحد المفكرين الغربيين: مناهج التعليم في الدول العربية متخلفة، ولا تواكب نظم التعليم الحديثة، وتتسم بضيق الأفق، والاعتماد على الأفكار الأحادية؛ مما يخلق عقليات مغلقة تسمح بمزيد من التعصب والتطرف، كما أنها تزرع مفاهيم خطأ عن النساء والأقليات.

      وهذا التصريح لا يتناسب مع الحقيقة الواضحة التي يرفضها الغربيون والتغريبيون، متناسين صريح النصوص التي تناقض دعوى التعصب مثلاً، ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم عن العصبية: «دعوها فإنها منتنة» (رواه البخاري ومسلم)، ومنها قوله عن حقوق الآخرين أيضاً: «أَلَا مَنْ قَتَلَ نَفْسًا ‏ ‏مُعَاهِدًا ‏لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ فَقَدْ ‏ ‏أَخْفَرَ ‏ ‏بِذِمَّةِ اللَّهِ فَلَا ‏‏يُرَحْ ‏‏رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ خَرِيفًا من عنده» (رواه الترمذي)؛ فهذه التصريحات عن التعليم الإسلامي خصوصا والتعليم العربي عموما، تدل على جهل كبير بالإسلام، وتصرح مفكرة أخرى بأن عملية إصلاح المناهج في المنطقة العربية، لابد أن يحدث فيه  حذف للنصوص الدينية من المناهج من منطلق: «أنه ليس من المفيد لأي مجتمع أن ينشئ أجياله وشبابه على مبادئ التحريض والانحياز وعدم التسامح مع الآخرين»، جاء هذا في كتابها: إصلاح الشرق الأوسط جزء من الحرب على الإرهاب، وتلك دعوى أخرى لا تقوم عليها بينات.

ماذا تقول التقارير الغربية عن مناهجنا التعليمية

- يرفع الباحثون تقاريرهم إلى الجهات المعنية، والمسؤول دائماً في الغرب من أجل الوقوف على المستجدات ومساعدتهم في اتخاذ القرارات الجيدة، ومن تلك التقارير التي تحدثت عن مناهجنا التعليمية، ما قدمه تسعة عشر باحثاً ومستشاراً لمناقشة خطة تغيير مناهج التعليم في المنطقة العربية ويركز هذا التقرير على:

1- أهمية تعديل المناهج الخاصة بمادة التربية الدينية؛ بحيث يتم التركيز على الفروع المتعلقة بالعبادات، حتى يظل الدين محصوراً في علاقة الإنسان بربه.

2- تحويل مادة الدين إلى مادة ثقافة دينية؛ بحيث تقدم هذه الصورة مضمونا مختلفًا، يتم فيه تفريغ النصوص من محتواها الأصلي.

3- أن تركز اللغة الدينية التي بها يخاطب الشباب عقلا ومنطقا، لا على التبعية للنصوص والكتب.

4- أما عن التاريخ الإسلامي؛ فيُفرغ من كل ما ينمي حب الوطن والانتماء إليه؛ بحيث تتسم موضوعاته بالعالمية لا بالإسلامية .

ثانياً: العولمة من خلال السينما

     يستخدم الغربيون السينما وسيلة لتدويل القيم الحداثية الجديدة؛ بحيث تجد تصوير هذه القيم على الشاشات وكأنها واقع عادي، وأنها الأساس والأصل، بل تُحارب القيم العربية والإسلامية وكأنها غريبة عن المجتمع؛ فتجد السخرية في الأعمال السينيمائية من مظاهر التدين، ومن القيم الدينية ورموزها؛ فالاختلاط بين العائلات بدعوى التقارب، والسفور بدعوى الحرية، والانفتاح الثقافي بدعوى الاستفادة من الآخرين، وانتقاد الدين بدعوى حرية التعبير، والتسوية بين التوحيد والشرك والإيمان والإلحاد بدعوى التسامح والتقارب بين الأديان، كل هذه المشاهد تُدول القيم الغربية من خلالها، وأصبحت اليوم بتأثير هذه الشاشات جزءا من الواقع الذي يعيشه بعض المسلمين ويدافعون عنه، بل أصبح من أسباب قوة هذه الأعمال، تلك الشبكة العالمية التي أٌنشئت لترعى هذه العولمة؛ حيث صدرت الدوريات السينيمائية المتخصصة وأنشئت معاهد السينما.

تبادل الخبرات والأشخاص

     كما أن تبادل الخبرات السينيمائية واقتباس القصص والروايات والسيناريوهات، لم يقف عند حد معين، ووصل الأمر في النهاية إلى استعارة الكوادر الفنية البشرية من هنا وهناك، وسرعان ما اتخذت هذه الاستعارة وجهة واحدة هي هوليود؛ مما أدى إلى تسمية هوليود بمدينة السينما العالمية، وهذه السيناريوهات التي تُقتبس من الأعمال الدرامية الغربية، تحتوي على عشرات المشاهد التي تتضمن محتوى غربياً عُود عليه المسلمون من خلال رؤيته مرة بعد مرة حتى أصبح جزءاً من حياتهم، بل إن المشكلة التي كانت ذات يوم عقبة من العقبات أمام العولمة السينمائية، وهي اللغة تُرجمت من خلال الأعمال المدبلجة التي لا تتكلف بعد ذلك كثيراً لنقل هذا المحتوى إلى العالم العربي والإسلامي.

الذوبان الثقافي في المهرجانات

     لم تقف المهرجانات السينمائية عند حدود الدول العربية؛ بحيث يتم تتناقل الثقافات العربية - العربية من خلالها، ولكنها ذهبت لما هو أبعد من مستوى التلاقي العربي، إلى تلاقي القارات الثلاث في إطار واحد تحت مسمى مهرجان القارات الثلاث؛ حيث ينطلق من دولة أوروبية كركيزة ونقطة ثابتة؛ ليبعث بشعاع الضوء الثقافي إلى أرجاء القارات الثلاث آسيا، وأفريقيا، وأوروبا، متخطيا فكرة اللغة والثقافة والتاريخ والجغرافيا، وحدثت سرعة التجاوب المتوقعة من الدول المعنية بالسينما، بوصفها رافداً ثقافياً ومعرفياً مهماً، وتأتي هذه الأعمال ذراعاً قوية للحرب الباردة على الثقافات، وهي الحرب التي لا تتأثر حتى بالخلافات السياسية بين الدول؛ حيث إنها تتعامل مع الإنسان بكونه إنساناً تريد تجريده من ثقافة ما لإحلال ثقافة أخرى مكانها.

وجه آخر للأفلام الغربية

     إلى جانب التوجه الثقافي الذي تعتني به دور السينما؛ فإن هناك وجهاً آخر لهذه الأعمال، وهي إيصال رسالة أخرى، من خلال أفلام البحث والخيال العلمي، وكذلك أفلام العنف، والأفلام الحربية، وتكم هذه الرسالة في أن الدولة المنتجة تحاول التأكيد للشعوب الأخرى على أنها هي الأقوى وأنها هي الأفضل، وأن السير على خطى هذه الدولة في المجالات كافة سيصل بالنهاية إلى هذه القوة المزعومة التي تنقلها أحداث الأعمال الدرامية؛ فتصبح للسينما رسالتان عالميتان: الأولى إبهار الشعوب، والثانية: تدويل الثقافات والتقاليد والعادات الغربية لتصبح جزءا من كل المجتمعات.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك