وسائل علاج الأزمة الاقتصادية
استكمالاً لما بدأنا الحديث عنه في المقال السابق عن الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالعالم شرقاً وغرباً، التي انشغل بمعرفة أسبابها وسبل مواجهتها جميع الناس، بداية من الشعوب، مروراً بالسَّاسة وأصحاب القرار وأرباب الفكر والاقتصاد، وقلنا: إنَّ هذه الأزمة تستوجب منا وقفات لبيان بعض الجوانب الشرعية المهمة المتعلقة بها، ثم ذكرنا الآثار السلبية لهذه الأزمة وذكرنا منها، الآثار السلبية على العقيدة، والآثار السلبية السلوكية، والأثار السلبية الاجتماعية، والأثار السلبية السياسية، ثم ذكرنا أسباب الأزمة الاقتصادية، وذكرنا منها: ضعف المعرفة بالله -تبارك وتعالى-، والجهل بأسمائه وصفاته، والذنوب والمعاصي، التي منها الإعراض عن منهج الله -تبارك وتعالى-، والربا، وعدم شكر النعم، والفساد المستشري في أوساطنا، والظلم والبغي، والإسراف والتبذير، واليوم نتكلم عن وسائل علاج الأزمة الاقتصادية.
١- التوبة الصادقة النصوح
قال -تعالى-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} (التحريم:8)، وقال -سبحانه-: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (النور: 31)، وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: «ما نزل بلاءٌ إلّا بذنب، ولا رُفِع بلاءٌ إلّا بتوبة».
٢- تحقيق التقوى
والتقوى التي نعنيها أن تكون كما أراد الله منك، وأن توجد حيث أمرك، وتُفتقد حيث نهاك، بذلك يُحُبُك الله -تبارك وتعالى-؛ حيث قال: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (التوبة: 4)، ويكون معك: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} (النحل: 128) ويتولاك: {وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} (الجاثية: 19)، وبعد ذلك يأتي الفرج:
- أولاً: بتيسير الأمور، قال -تعالى-: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (الطلاق: 4).
- ثانيًا: يجعل لك المخرج، ويرزقك من حيث لا تحتسب، قال -تعالى-: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (الطلاق: 2-3).
- ثالثًا: يطرح لك البركة، قال -تعالى-: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} (الأعراف: 96).
3- الاستقامة
قال -تعالى-: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} (الجن: 16)، والاستقامة المقصودة هنا هي: ألا تلتفت لغير الله، وكما قال عمر: «استقاموا لله بطاعته، ولم يروغوا روغان الثعالب»، ومعنى الآية لو أن عبادنا استقاموا على أمرنا لوسعنا عليهم في معيشتهم، ولعاشوا في رغد من العيش وسعادة.
4- حُسن التوكل على الله
ويكفينا في ذلك قوله -تعالى-: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (الطلاق: 3)، وكذلك قوله -تعالى-: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} (الزمر: 62)، وفي الحديث: «لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا».
5- الشكر لما أعطانا من النعم
قال -تعالى-: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} (إبراهيم: 7)، وفي الأثر: «وَعَلَيْكَ بِالشُّكْرِ؛ فَإِنَّ الشُّكْرَ زِيَادَةٌ».
6- الاستغفار
قال -تعالى-: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} (نوح: 10-12)، وفي الحديث: «مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ».
7- الإنفاق ولو في الأزمة
قال -تعالى-: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (آل عمران: 92)، وفي الحديث القدسي: «يا ابْنَ آدَمَ أنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ»، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « أَنْفِقْ بِلَالُ، وَلَا تَخْشَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إِقْلَالًا»، وقال أيضًا - صلى الله عليه وسلم -: « ثلاثةٌ أقسِمُ عليْهنَّ وأحدِّثُكم حديثًا فاحفظوهُ قالَ ما نقصَ مالُ عبدٍ من صدقةٍ...».
لذلك نقول: من سبل العلاج في ظل هذه الأزمة هو أن تكفل يتيمًا، وتساعد فقيرًا أو مسكيناً، وأن تسعى في قضاء حوائج الناس على قدر الطاقة والسعة.
8- محاربة الفساد
من طرائق العلاج -أيضا- محاربة الفساد، ومنع الظلم، وتجريم الإسراف والتبذير، وتشجيع الصناعات الصغيرة، ومحاولة الاستغناء عن جميع المواد المستوردة، واستعمال البدائل المحلية إلا ما لابد منه ولا بديل له.
9- الدعاء والتضرع
ومن أعظم سبل العلاج، الدعاء والتضرع إلى الله -تبارك وتعالى-، ليرفع عنا ويُفرج عنا ما نحن فيه، ومن هذه المعاني قوله -تبارك وتعالى تسلية لعباده-: {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} (النور: 11)، وقوله: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} (البقرة: 216).
إن مثل هذه الأزمة والشدة التي نتعرض لها؛ إنما هي لاستخراج الدعوات منا، قال -تعالى-: {فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} (الأنعام: 42)، وقال -سبحانه-: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} (الأنعام: 43)، وقال -تعالى-: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ} (الأنعام: 63-64)، وقال أيضًا: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} (المؤمنون: 76).
ومما يجدر الإشارة إليه هنا أن الدعاء والتضرع في هذا الموطن من الآثار الإيجابية المترتبة على هذه الأزمة، التي منها أيضًا ظهور عمل أهل الصلاح والتقى من رعاية الفقراء والأيتام والمساكين، وكذلك تصفية الصف لبيان أهل الاستغلال والاحتقار من أهل التقى والورع وغيرها من المعاني الإيمانية الأخرى.
الحذر من الشائعات
وفي الختام، نوصي بالحذر من الشائعات وأثرها الوخيم في مثل هذه الأزمات؛ فإن لنا أعداءً يتربصون بنا لنَسقط، وكذلك احذروا من التعامل بالعواطف المجردة؛ لأنها تؤدي إلى الاندفاع والتسرع وقد تُستغل للتهييج والإثارة لإحداث الفوضى والفتنة.
لاتوجد تعليقات