رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 23 يونيو، 2017 0 تعليق

وحدةالأمةأمانةفي أعناقنا

 رَبُّـنَا وَاحِدٌ، وَدِينُنَا وَاحِدٌ، وَكِتَابُـنَا وَاحِدٌ، وَنَبِيُّنَا وَاحِدٌ، وَقِبْلَتُنَا وَاحِدَةٌ فَعَلاَمَ التَّشَرْذُمُ وَالاِنْقِسَامُ، وَلِمَ النِّزَاعُ وَالْخِصَامُ؟!

 

ألقيت خطبة الجمعة في الكويت 14من رمضان 1438هـ الموافق 9/ 6/ 2017م وكانت بعنوان {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعَاً وَلَا تَفَرَّقُوا}، وقد تناولت الخطبة محاور أساسية عدة تحث على الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم -، وأكدت على أن الدين هو أساس وحدة المسلمين، وأن رابطة الإسلام فوق رابطة الدم والعشيرة، وأن الدين لم يفرق بين عربي وأعجمي وأن الأفضلية للتقوى، كما أكدت على أن الحفاظ على وحدة المسلمين واجب شرعي لا يجوز التفريط فيه، كما أكدت على أن من مقومات الْحِفَاظُ عَلَى شَوْكَةِ الأُمَّةِ إِيثَارِ الْمَحَبَّةِ وَالرَّحْمَةِ، وَالطَّاعَةِ وَالنُّصْرَةِ بَيْنَ الْحَاكِمِ وَالْمَحْكُومِينَ عَلَى أَسَاسٍ مِنْ طَاعَةِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَطَاعَةِ رَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم .

الدين أساس وحدتنا

     مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ: لَقَدْ أَكْرَمَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ بِهَذَا الدِّينِ، وَشَرَّفَنَا بِهِ مِنْ بَيْنِ الْعَالَمِينَ، فَهُوَ أُسُّ وَحْدَتِنَا، وَأَصْلُ عِزَّتِنَا، وَيَنْبُوعُ نَهْضَتِنَا، فَلَقَدْ عَلَّمَنَا اللهُ بِهِ مِنَ الْجَهَالَةِ، وَهَدَانَا بِهِ مِنَ الضَّلاَلَةِ، وَكَثَّرَنَا بِهِ بَعْدَ الْقِلَّةِ، وَأَعَزَّنَا بِهِ بَعْدَ الذِّلَّةِ، بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنِ الْعَرَبُ قَبْلَ الإِسْلاَمِ يَعْرِفُونَ لِلتَّوْحِيدِ دَلِيلاً، وَلَا لِلْوَحْدَةِ سَبِيلاً، فَجَمَعَ الإِسْلاَمُ عَلَى التَّوْحِيدِ شَمْلَهُمْ، وَوَحَّدَ عَلَى الْحَقِّ رَايَتَهُمْ حَتَّى أَضْحَوْا خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، كَمَا وَصَفَهَا رَبُّها -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بِقَوْلِهِ: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (آل عمران:110). وَقَدْ ذَكَّرَهُمُ اللهُ جَلَّ جَلَالُهُ -بِهَذِهِ النِّعْمَةِ العُظْمَى، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَشْكُرُوهُ عَلَيْهَا، وَيُحَافِظُوا عَلَى ثَمَرَاتِهَا، وَيَتَجَنَّبُوا كُلَّ مَا يُذْهِبُ رِيحَهُمْ، وَيُفَرِّقُ جَمْعَهُمْ، وَيَسْلُبُ نِعْمَتَهُمْ؛ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (آل عمران:103).

رابطة الإسلام فوق رابطة الدم والعشيرة

 ِ    إخْوَةَ الإِيمَانِ، وَكَذَلِكَ يُرِيدُنَا الإِسْلَامُ أَنْ نَكُونَ أُمَّةً وَاحِدَةً، فِي ظِلِّ رَايَةِ حَقٍّ وَاحِدَةٍ، لَا عَصَبِيَّةٌ تُفَرِّقُنَا، وَلَا عُنْصُرِيَّةٌ تُمَزِّقُنَا، وَلَا أَهْوَاءٌ تَزِيغُ بِنَا، وَلاَ اخْتِلاَفَاتٌ تَذْهَبُ بِقُوَّتِنَا، نَسْتَلْهِمُ مِنْ كِتَابِ رَبِّنَا وَمِنْ سُنَّةِ نَبِيِّنَا أُسَّ الْوَحْدَةِ وَصِدْقَ الاِنْتِمَاءِ، وَمِنْ سِيرَةِ سَلَفِنَا وَتَارِيخِ أَجْدَادِنَا نَسْتَضِيءُ دُرُوبَ الْعِزَّةِ وَالإِخَاءِ، وَفِي ظِلِّ رَايَةِ الدِّينِ نَعِيشُ التَّوْحِيدَ وَالإِيمَانَ، تِلْكَ الرَّايَةِ الَّتِي انْضَوَى تَحْتَهَا بِلَالٌ الْحَبَشِيُّ وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَصُهَيْبٌ الرُّومِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَانْضَوَى تَحْتَهَا كُلُّ عَرَبِيٍّ رَضِيَ بِاللهِ رَبّاً وَبِالإِسْلَامِ دِيناً، وَبِمُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم - نَبِيّاً، فَالْتَقَوْا عَلَى كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ، وَذَابَتْ بَيْنَهُمْ فَوَارِقُ الْجِنْسِ وَالْوَطَنِ، وَاضْمَحَلَّتْ نَوَازِعُ الْعَصَبِيَّاتِ وَالْفِتَنِ، وَحَلَّتْ رَابِطَةُ الإِسْلَامِ مَحَلَّ رَابِطَةِ الدَّمِ وَالْعَشِيرَةِ.

لم يفرق بين عربي وعجمي

     فَلِلّهِ دَرُّ الإِسْلَامِ إِذْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ عَرَبِيٍّ وَعَجَمِيٍّ، وَلَا بَيْنَ أَبْيَضَ وَأَسْوَدَ، وَلَا بَيْنَ سَيِّدٍ وَمَسُودٍ إِلَّا بِالتَّقْوَى وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (الحجرات:13). لَقَدْ قَاتَلُوا أَعْدَاءَهُمْ عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَقَارَعُوا خُصُومَهُمْ وَكَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ رُصَّ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ، رُهْبَانٌ بِاللَّيْلِ، فُرْسَانٌ بِالنَّهَارِ، وَكَأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ عَنَاهُمْ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} (الصف:4). وَفِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضاً» وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه-).

الحفاظ على وحدة المسلمين

     أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، إِنَّ الْحِفَاظَ عَلَى وَحْدَةِ الْمُسْلِمِينَ فَرْضٌ شَرْعِيٌّ، وَوَاجِبٌ حَتْمِيٌّ، لَا يَجُوزُ التَّفْرِيطُ فِيهِ بِحَالٍ مِنَ الأَحْوَالِ ؛ إِذِ الاِجْتِمَاعُ عَلَى الْحَقِّ وَسِيلَةٌ لِقُوَّةِ الأُمَّةِ وَتَمَاسُكِهَا، وَأَدَاةٌ لِحِفْظِ كِيَانِهَا وَدَفْعِ شَرِّ أَعْدَائِهَا، وَهُوَ اسْتِجَابَةٌ لِأَمْرِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- بِالاِعْتِصَامِ بِدِينِهِ، وَالنَّهْيِ عَنِ التَّفَرُّقِ فِيهِ، إِذْ يَقُولُ الْحَقُّ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}؛ فَالْمُسْلِمُونَ كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِذَا اشْتَكَى بَعْضُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ، قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم -: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا).

نبذ التعاون على الإثم والعدوان

     إِخْوَةَ الإِيمَانِ، وَلَا يُمْكِنُ لأِمَّةِ الإِسْلَامِ أَنْ تَقُومَ بِدَوْرِهَا فِي الْحَيَاةِ، وَتَسِيرَ فِي رَكْبِ الأُمَمِ فِي النُّهُوضِ وَالْبِنَاءِ إِلَّا إِذَا كَانَتْ وَحْدَةُ شَعْبِهَا قَائِمَةً، وَصُفُوفُهَا مُتَلَاحِمَةً. أَلَا وَإِنَّ مِنْ أَهَمِّ مَا يَحْفَظُ لِلأُمَّةِ قُوَّتَهَا، وَيُبْقِي لَهَا وَحْدَتَهَا: التَّمَسُّكَ بِدِينِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، كِتَاباً وَسُنَّةً، عِلْماً وَعَمَلاً، فَهْماً وَسُلُوكاً، آدَاباً وَأَخْلَاقاً، وَالتَّعَاوُنَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَالإِيمَانِ، وَنَبْذَ التَّعَاوُنِ عَلَى الإِثْمِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْعُدْوَانِ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (المائدة:2).

عدم منازعة الحكام

     وَمِمَّا يَجِبُ عَلَيْنَا: الْحِفَاظُ عَلَى شَوْكَةِ الأُمَّةِ وَمُقَوِّمَاتِ الشَّعْبِ الْوَاحِدِ بِإِيثَارِ الْمَحَبَّةِ وَالرَّحْمَةِ، وَالطَّاعَةِ وَالنُّصْرَةِ بَيْنَ الْحَاكِمِ وَالْمَحْكُومِينَ عَلَى أَسَاسٍ مِنْ طَاعَةِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَطَاعَةِ رَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم -، وَقِيَامِ الرَّاعِي بِحُقُوقِ الرَّعِيَّةِ وَالسَّهَرِ عَلَيْهَا، وَقِيَامِ الرَّعِيَّةِ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِوَلِيِّ أَمْرِهَا، وَالِالْتِفَافِ حَوْلَهُ، وَأَدَاءِ حُقُوقِهِ فِي التَّوْقِيرِ وَالِاحْتِرَامِ، وَالسَّمْعِ وَالإِعْظَامِ، وَالنُّصْحِ لَهُ وَالذَّبِّ عَنْهُ، وَعَدَمِ مُنَازَعَتِهِ أَمْرَهُ، وَلَا الخُرُوجِ عَلَيهِ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ؛ فَلَقَدْ جَاءَ الأَمْرُ صَرِيحًا فِي كِتَابِ اللهِ -تَعَالَى- بِطَاعَةِ أُولِي الأَمْرِ بَعْدَ أَنْ أَمَرَ بِطَاعَةِ اللهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم -، حَيْثُ قَالَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (النساء: 59). وعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

الشعور بالإخوة الإسلامية

- وَمِنْ أَقْوَى الرَّوَابِطِ وَأَوْثَقِ الْعُرَى: الشُّعُورُ بِالإخُوَّةِ الإِسْلاَمِيَّةِ وَمُرَاعَاةُ حُقُوقِهَا، وَتَرْسِيخُ مَعَانِيهَا فِي الْقُلُوبِ وَالْعُقُولِ، وَمُمَارَسَتُهَا وَاقِعاً بَيْنَ أَفْرَادِ الشَّعْبِ الْمُسْلِمِ. وَقَدْ أَكَّدَ رَبُّنَا -عَزَّ وَجَلَّ- هَذِهِ الأُخُوَّةَ فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ وَأَثْنَى عَلَى أَهْلِهَا، فَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (التوبة:71). وَعَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ). وَلَا يَخْفَى مَا لِلإِصْلَاحِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَثَرٍ عَظِيمٍ فِي إِزَالَةِ الشَّحْنَاءِ وَالْعَدَاوَاتِ، وَتَطْهِيرِ الْمُجْتَمَعِ مِنْ أَوْضَارِ الشِّقَاقِ وَالنِّزَاعَاتِ، وَإِقَامَةِ مُجْتَمَعٍ سَلِيمٍ مُعَافىً مِنَ الْعِلَلِ الْبَاطِنِيَّةِ. قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} (الحجرات:9).

أخلاق الإسلام

     إِخْوَةَ الإِسْلَامِ: وَعَلَى الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَعَامَلَ بِأَخْلَاقِ الإِسْلَامِ الَّـِتيِ تَهْدِي إِلَى الْفَضِيلَةِ، وَيَبْتَعِدَ عَنِ الأَخْلَاقِ السَّيِّئَةِ الَّتِي تَقُودُ إِلَى الرَّذِيلَةِ؛ لِيَعِيشَ الْمُجْتَمَعُ أَعْلَى دَرَجَاتِ الذَّوْقِ وَالرُّقِيِّ وَالتَّلَاؤُمِ، وَيُرْسِي دَعَائِمَ الْحَضَارِةِ وَالاِتِّحَادِ وَالتَّلَاحُمِ.

إلهاء المسلمين عن واجبهم وشغلهم ببعضهم

     أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، إنَّ اللهَ أَمَرَنَا أَنْ نَكُونَ أُمَّةً وَاحِدَةً، وَنَهَانَا عَنْ أَنْ نَتَفَرَّقَ إِلَى مِلَلٍ وَنِحَلٍ؛ إِيثَاراً لِسَلاَمَةِ الدِّينِ، وَإِبْقَاءً لِوَحْدَةِ الْمُسْلِمِينَ؛ حَيْثُ قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلّ-َ: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء:92). وَإِنَّ مِنْ أَخْبَثِ أَسْلِحَةِ أَعْدَائِنَا الْيَوْمَ مُحَاوَلَتَهُمْ إِلْهَاءَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ وَاجِبَاتِهِمْ وَشَغْلَهُمْ بِبَعْضِهِمْ، وَإِثَارَةَ الْفِتَنِ وَالْعَصَبِيَّاتِ، وَإِذْكَاءَ نَارِ الْفُرْقَةِ وَالاِنْقِسَامَاتِ، وَمِنْ هُنَا كَانَ وَاجِباً عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَيَقَّظُوا لِمَا يُدَبِّرُهُ لَهُمُ الأَعْدَاءُ مِنَ الْمَكَايِدِ وَالْمُؤَامَرَاتِ، وَيَحِيكُونَهُ مِنَ الدَّسَائِسِ وَإِثَارَةِ النَّعَرَاتِ، وَأَنْ يَحْفَظُوا وَحْدَتُهُمُ الإِيمَانِيَّةَ، وَيَتَمَسَّكُوا بِأُخُوَّتِهِمُ الإِسْلاَمِيَّةِ. قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم -: «لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَاناً،الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ: لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يَخْذُلُهُ، وَلاَ يَحْقِرُهُ،...كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه -).

وحدة الأمة أمانة في أعناقنا

     إِخْوَةَ الْعَقِيدَةِ، إِنَّ وَحْدَةَ الأُمَّةِ أَمَانَةٌ فِي أَعْنَاقِنَا، لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُفَرِّطَ فِيهَا، وَنَحْنُ مَسْؤُولُونَ عَنْهَا أَمَامَ اللهِ: أَحَفِظْنَا أَمْ ضَيَّعْنَا؟ فَعَلَيْنَا أَنْ نَعْمَلَ بِجِدٍّ وَإِخْلَاصٍ؛ لِنَعِيشَ الإِيمَانَ الَّذِي لَا يَعْرِفُ التَّرَدُّدَ، وَالْوَحْدَةَ الَّتِي لَا تَعْرِفُ التَّفَرُّقَ، وَالشُّورَى الَّتِي لَا يُخَالِطُهَا الاِسْتِبْدَادُ، وَالتَّضَامُنَ الَّذِي لَا تُلاَمِسُهُ الأَثَرَةُ، وَلْنَكُنْ يَداً عَلَى مَنْ سِوَانَا؛ فَرَبُّـنَا وَاحِدٌ، وَدِينُنَا وَاحِدٌ، وَكِتَابُـنَا وَاحِدٌ، وَنَبِيُّنَا وَاحِدٌ، وَقِبْلَتُنَا وَاحِدَةٌ، فَعَلاَمَ التَّشَرْذُمُ وَالاِنْقِسَامُ، وَلِمَ النِّزَاعُ وَالْخِصَامُ؟!. وَلْتَكُنْ آمَالُنَا مُشْتَرَكَةً، وَآلاَمُنَا مُقْتَسَمَةً، وَلْتَجْمَعْنَا أُخُوَّةُ الإِسْلَامِ، وَتْرَبطْنا رَوَابِطُ الإِيمَانِ، وَلْنَعْتَصِمْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً؛ فَإِنَّهُ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ، قَالَ نَبِيُّنَا -صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثاً: أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللهُ أَمْرَكُمْ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَاللَّفْظُ لَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه -).

فالواجب جمَعُ الشعُوب على كلمة سَواءٍ

     عِبَادَ اللهِ، إِنَّ كُلَّ مَا يُؤَدِّي إِلَى ائْتِلَافِ القُلُوبِ وَمَوَدَّتِهَا، وَاجْتِمَاعِ النُّفُوسِ وَتَآلُفِهَا وَمَحَبَّتِهَا- مَطْلَبٌ شَرْعِيٌّ ضَرُورِيٌّ، كَمَا أَنَّ كُلَّ مَا يُسَبِّبُ تَباعُدَ القُلُوبِ وتَنافُرَهَا، وَاخْتِلافَ الكَلِمَةِ وَتَفَرُّقَهَا، وَشَقَّ الصُّفُوفِ وَتَمَزُّقَهَا – أَمْرٌ مُحَرَّمٌ فِي دِينِ اللهِ جَلَّ فِي عُلَاهُ، فَالوَاجِبُ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنَّا أَنْ يُغَذِّيَ مَا يَزِيدُ فِي المَحَبَّةِ وَالإِخَاءِ، وَيَجْمَعُ الشُّعُوبَ عَلَى كَلِمَةٍ سَواءٍ، وَأَنْ يَنْأَى بِنَفْسِهِ عَنْ كُلِّ مَا يَجْلِبُ العَدَاوَةَ والبَغْضَاءَ، وَالنِزَاعَ والشَّحْنَاءَ، وَأَنْ يَعْمَلَ عَلَى تَقْوِيَةِ أَوَاصِرِ التَّآزُرِ وَالتَّعَاوُنِ وَالتَّنَاصُرِ، وَيَبْتَعِدَ عَنْ أَسْبابِ الفِتْنَةِ وَالتَّنَاحُرِ وَالتَّهاجُرِ، وَأَنْ لَا يَخُوضَ المَرْءُ فِي أُمُورٍ لَا تَعْنِيهِ، وحَقَائِقَ قَدْ تَغِيبُ عَنْ عَقْلِهِ وَنَاظِرَيهِ، وَلْيَتْرُكِ الأَمْرَ لِأَهْلِهِ، فَهُمْ أَعَلَمُ بِبَوَاطِنِ الأُمُورِ وَبِمَصَالِحِ شُعُوبِهِمْ وَأَوْطَانِهِمْ. وَيَجِبُ أَلا يَأْخُذَهُ المُتَرَبِّصُونَ عَلَى حِينِ غِرَّةٍ، وَلَا يَسْتَغِلَّهُ السُّفَهاءُ وَالأَعْدَاءُ؛ فَيَكُونَ مَطِيَّةً لِنَشْرِ أَضَالِيلِهِمْ، وَمَعْبَراً لِنَقْلِ أَبَاطِيلِهِمْ، وَمِعْوَلَ هَدْمٍ وَتَفْتِيتٍ، وَأَدَاةَ إِشَاعَاتٍ مُغْرِضَةٍ وَتَشْتِيتٍ، فَرُبَّ كَلِمَةٍ تُحْيي شَعْباً وَأُمَّةً مِنْ عَظِيمِ خَطَرٍ، وَرُبَّ كَلِمَةٍ تُشْعِلُ فِتْنَةً شَعْوَاءَ لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إنَّ العبْدَ لَيَتَكلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوانِ الله، لَا يُلْقي لَهَا بَالاً، يرْفَعُ اللهُ بِهَا دَرَجاتٍ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ، لَا يُلْقي لَها بَالاً يَهْوِي بِهَا في جَهَنَّمَ» (رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).

كن أداة إصلاح وتأليف بين القلوب

     فَالْزَمْ - يَا عَبْدَ اللهِ- غَرْزَكَ، وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ نَفْسَكَ، وَاحْذَرْ أَنْ تَكُونَ أَدَاةً طَيِّعَةً لَأَعْدَاءِ دِينِكَ وَأُمَّتِكَ مِنْ خِلَالِ وَسَائِلِ التَّوَاصِلِ الِاجْتِمَاعِيِّ، وَدَعْ عَنْكَ مَا يُنْقَلُ فِيهَا مِنْ أَخْبَارٍ كَاذِبَةٍ، وَدِعَايَةٍ مُغْرِضَةٍ، وَقَصَصٍ مُفْتَرَاةٍ، وَفِتَنٍ وَإِشَاعَاتٍ، وَأَبَاطِيلَ وَإِثَارَاتٍ، فَإِنَّكَ مَسْؤُولٌ عَنْ كُلِّ خَبَرٍ تُرْسِلُهُ، أَوْ تَعْلِيقٍ تَنْقُلُهُ، أَوْ تَجْرِيحٍ تَصْنَعُهُ، أَوْ خَيْرٍ تَمْنَعُهُ، كُنْ أَدَاةَ إِصْلَاحٍ وَتَأْلِيفٍ بَينَ القُلُوبِ، وَلَا تَكُنْ وَسِيلَةَ تَخْرِيبٍ وَإِفْسَادٍ بَيْنَ الشُّعُوبِ، وَلْتَقِفْ عِنْدَكَ كُلُّ فِتْنَةٍ وَبَلِيَّةٍ، وَلَا تَتَجاوَزْ لِسَانَكَ وَجِهَازَكَ أَيُّ فِرْيَةٍ عَمِيَّةٍ؛ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ:« أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادِ صَحِيحٍ). وَعَنِ الزُّبَيرِ بْنِ العَوَّامِ -رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ: الحَسَدُ وَالبَغْضَاءُ، وَهِيَ الْحَالِقةُ، أَمَا إنِّي لَا أَقُولُ: تَحْلِقُ الشَّعْرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ، والَّذي نَفْسي بِيَدِهِ، لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حتَّى تُؤْمِنُوا، ولَا تُؤمِنُون حَتَّى تَحَابُّوا..» (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ).

فلنكن على قدر المسؤولية

     إِخْوَةَ الإِيمَانِ، فَلْنَكُنْ عَلَى قَدْرِ المَسْؤُولِيَّةِ، وَلْنَحْفَظْ أَنْفُسَنَا عَمَّا لَا يَلِيقُ وَلَا عِلْمَ لَنَا بِهِ؛ وَلْنَقِفْ سَدّاً مَنِيعَاً أَمَامَ الإِشَاعَاتِ وَالأَرَاجِيفِ، وَلْنُحَافِظْ عَلَى حُرْمَةِ دِينِنَا وَبِلَادِنَا وَأَنْفُسِنَا وَإِخْوَتِنَا فِي الإِسْلَامِ وَالعُرُوبَةِ، وَلَا نُلْقِ بَأَسْمَاعِنَا وَقُلُوبِنَا إِلَى كُلِّ افْتِرَاءٍ وَزَيْفٍ ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (الإسراء:36).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك