رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 17 نوفمبر، 2018 0 تعليق

وثائق تاريخية من مجلة الفتح(4) البراق من الوجهة الإسلامية – شهادة الأستاذ العلامة الشيخ إسماعيل الحافظ

استكمالاً لنشر الوثائق التاريخية لأرشيف مجلة الفتح، من شهادات ومرافعات قدمها أهل العلم والاختصاص من المسلمين أمام اللجنة الدولية للبراق في عام 1930م، نذكر اليوم شهادة الأستاذ العلامة الشايخ إسماعيل الحافظ، وهو إسماعيل بن عبد الحميد بن إسماعيل بن أحمد الأحمدي، والأحمدي نسبة إلى بلدة (بني أحمد) في محافظة المنيا بمصر، اشتهر هو وجدُّه كلاهما باسم (إسماعيل الحافظ)، وقد أشار الزركلي إلى ترجمة له نشرتها مجلة (الجامعة العربية) في عددها الصادر بـ 29 شعبان 1359هـ. «الأعلام»(1/309). وردت بعض المعلومات عن الوظائف التي شغلها -رحمه الله- من خلال شهادته كما رأينا، التي يتّضح منها أنّ مولده كان في 1877م، في مدينة طرابلس الغرب غالبًا، وهي مُقام أسرته.

     وقد عقدت لجنة البراق الدولية جلستها الخامسة عشرة صباح الثلاثاء 19 صفر، لسماع شهادة الأستاذ العلامة الشيخ (إسماعيل الحافظ) عن مكانة البراق من الوجهة الشرعية الإسلامية، وقد تولى توجيه الأسئلة إليه معالي الأستاذ (محمد علي باشا) الوزير المصري السابق، وأحد المحامين عن البراق، وهذا نص الشهادة:

السيرة الذاتية

- ما اسم فضيلتكم؟ وما المناصب التي شغلتموها إلى الآن؟

- اسمي الشيخ إسماعيل الحافظ، وعمري 53 سنة، وأنا عضو محكمة الاستئناف الشرعية، وكنت رئيساً لكتاب المحكمة الشرعية، ثم عضواً في محكمة بداية طرابلس، ثم مدرّساً في دار الفنون في الأستانة، ثم عضواً في دائرة الترجمة والتأليف في وزارة المعارف في الأستانة، ثم عينت عضواً في المجلس الكبير، وبعد الحرب عدت إلى بلادي؛ حيث اشتغلت في المحاماة، ثم انتخبت رئيساً لنقابة المحامين، ثم جئت إلى القدس رئيساً للكلية الإسلامية، ثم مفتشاً للمحاكم الشرعية؛ فعضواً في محكمة الاستئناف الشرعية.

الوقف عند المسلمين

- هل يمكن لفضيلتكم أن تخبروني ما هو الوقف عند المسلمين؟

- هو حبس العين الموقوفة عن أن تملك لأحد، أو تتصل بإجاراته، أو تدخل تحت شيء من تصرفه، وأن يتصدق بثمرتها إلى جهة بر، يعني أن الواقف لعين من الأعيان يكون واقفه قد حبس حبساً مؤبداً للعين التي وقفها؛ بحيث لا يجوز له ولا لغيره بيعها ولا هبتها ولا التصرف فيها تصرفاً يخرجها عن حد الملك لله؛ فهي باقية على ملك الله وخارجة من ملك الواقف، ومخلدة مؤبدة على أن يتصدق بمنفعتها على الفقراء أو على المساجد، أو على سائر جهات الخير؛ فهي باقية بأصلها منتفع بثمرها فيما بعد.

الملكية في الوقف

- بناء على هذا التعريف لمن تكون الملكية في الوقف؟

- الملكية ليست للواقف قطعاً، والفقهاء بعضهم يقول: إنها خرجت من ملك الواقف، دخلت في ملك الله، وبعضهم يقول: إنها حينما خرجت من ملك الواقف، لم تدخل في ملك أحد؛ فهي على كل خرجت من ملك الواقف.

الانتفاع بالعين

- والانتفاع بالعين لجهة بر، هل يمكن أن يكون لجهة دائمة غير منقطعة أم لجهة تنتهي؟

- لابد أن تكون جهة البر التي يعود عليها الوقف جهة بر غير منقطعة، ليتحقق تأبيد الوقف، ولو جعل الواقف لجهة بر منقطعة يكون الوقف لغواً؛ ولذلك تجدون كل الأوقاف وكل الوثائق العائدة إليها متفقة على القول بأن هذا الوقف يعود للجهة الفلانية، كالفقراء مثلاً، أو المسجد الأقصى، من الأماكن التي لا يمكن أن يطرأ عليها التغيير والفناء.

وقف العين

- يمكنني أن أفهم أنه بمجرد وقف العين تخرج الملكية من التعامل بين الناس؟

- لا شك أنه بمجرد الوقف تخرج العين الموقوفة من ملك صاحبها، إما إلى لا مالك، وإما إلى ملك الله، وعلى كلا الوجهين لا يجوز للواقف ولا لغيره أن يتصرف بها تصرف ملك.

أنواع الانتفاع بالوقف

- هل يمكن أن تخبرنا عن أنواع الانتفاع بالوقف عادة؟

- هي كثيرة، ويمكن أن ترجع إلى أصلين، الأول: الانتفاع بعين العقار الموقوف،  والثاني: الانتفاع بثمرته وريعه.

- والقسم الأول: مراتب مختلفة متفاوتة، أعلاها مرتبة المساجد والمعابد التي هي أماكن وُقفت لأداء الصلاة، وثانيها الزوايا ومدارس العلم التي وُقفت لأجل الذكر وتلقي علوم الشريعة، وهناك مرتبة ثالثة، وهي الأماكن التي جعلت مستشفيات أو رباطا للمسافرين والمنقطعين، أو نحو ذلك من وجوه الانتفاعات الخيرية.

- وأما القسم الثاني: فهو ما وقف لا لأجل الانتفاع بعينه، بل للانتفاع بثمرته وريعه وغلته، كالدور والدكاكين والبساتين والأراضي الزراعية، لأجل أخذ ثمرتها وصرفه على جهة من جهات القسم الأول، على مسجد أو رباط.. إلخ.

وقف جزء شائع

- العادة في الوقف إذا أراد إنسان أن يقف عيناً في العالم، هل يجوز وقف جزء شائع من عقار، أي إذا أراد أن يعمله مسجداً؟

- وقف المسجد بطريق الشيوع لا يجوز قطعا؛ لأن المساجد لله، ولا يمكن أن تكون لله إلا أن تكون خالصة من ملك البشر.

سور المسجد

- هل يعد سور المسجد جزءاً من المسجد وحكمُه حكمَه أم لا؟

- بلا شك جدار المسجد وسوره كحكم المسجد في وجوب احترامه وصيانته، وجزء من المسجد، وجزء الشيء له حكمه عقلاً وشرعاً.

استعمال جزء من الوقف

- هل يجوز في الشريعة الإسلامية أن يُستعمل الوقف، أو جزء من الوقف في غير ما وضع له؟

- هناك قاعدة مقرّرة في الشريعة، ولاسيما في باب الأوقاف، وهو قولهم «شرط الواقف كنص الشارع»، ومعنى ذلك أنه يحافظ على شرط الواقف ويعتني بتنفيذه بغير زيادة ولا نقصان.

تمكين غير المسلم

- هل يجوز شرعاً تمكين غير المسلم من ممارسة عبادته في وقف إسلامي؟

- لا يجوز تمكين غير المسلم أن يمارس عباداته في الأماكن الإسلامية، لوجهين:

- الأول: أن هذا التمكين مخالف لشرط الواقف؛ لأن الوقف وَقْفٌ وقَفَه لعبادة المسلمين فقط.

- والسبب الثاني: أن يتمكن غير المسلم من أداء عبادته وترويجها، وهذا مخالف للقواعد الإسلامية وعقائدها، وحرام على المسلمين.

لهذين النصين لا يجوز للمسلم أن يمكّن غير المسلم من إجراء عباداته في الأماكن الموقوفة على المسلمين.

محل البراق الشريف

- هل يعتقد المسلمون أن محل البراق الشريف الموجود الآن هو المحل الصحيح ويقدسونه أم لا؟

- قلت إن الإسراء ذكر في القرآن الكريم، وهو قطعي، وأقول الآن: إنه ورد في الأحاديث الصحيحة المشهورة أن إسراء النبي[ كان على المركوب المسمى (البراق)، وأنه جاء به إلى بيت المقدس، وربطه هو أو جبريل في الحلقة التي تربط بها الأنبياء، وجاء في حديث آخر أن البراق ربط بالباب المسمى (باب محمد)؛ فمن هذه الروايات ومن الآية الكريمة، تواتر عند المسلمين خلفاً عن سلف، أن موضع البراق هو بالجانب الغربي من المسجد الأقصى؛ لأن الباب المسمى بباب محمد موجود هناك، وقد تواتر هذا الخبر تواتراً، جعل هذه القضية عقيدة ثابتة عند المسلمين، حتى أنهم تسابقوا لعمل الخيرات هناك، وإقامة المساجد، ووقف الأوقاف تقرباً لله -تعالى- في ذلك المكان المبارك، كما أنهم أقاموا من قبل مسجداً للمكان المسمى (البراق)، وهو لا يزال قائماً إلى الآن، ويزوره المسلمون دائماً، هذا فضلاً عما يحيط بالبراق من الآثار الخيرية التي جعلت للذكر وتلاوة القرآن وتدريس العلم الشرعي، فضلاً عن البيوت التي أقيمت خصيصاً لمسكن المغاربة الذين يجيئون لمجاورة المكان، والتبرك به.

خلاف في الرأي

- هل تعلم فضيلتكم أنه حصل أي خلاف في الرأي بين المسلمين في أي وقت من الأوقات على محل البراق الشريف؟

- قلت: إن محل البراق الشريف قد تعين عند المسلمين بالتواتر القطعي الموجب لعلم اليقين؛ وذلك التواتر مبني على ورود ذكر البراق وربطه في المكان الذي تربط به الأنبياء؛ وذلك الخبر صحيح ذكره البخاري، وبما أن التواتر -ولاسيما هذا التواتر- مفيد لليقين قطعاً؛ لذلك ليس عند المسلمين أقل تردد في أن مكان البراق هو المحل الكائن الآن.

نصوص خاصة

- هل توجد نصوص خاصة في احترام أسوار المساجد وعدم توسيخها بأي شيء يتنافى مع القدسية لها؟

- قلت: إن لجدران المسجد حكم المسجد في وجوب احترامها وصيانتها، وهذا الحكم منصوص عليه في عامة كتب المسلمين الفقهية، حتى أنه لا يجوز للمسلم أن يمسح حذاءه في جدار المسجد حينما يريد الدخول إليه، وكل كلامهم صريح في أن جدار المسجد داخلاً وخارجاً له حكم المسجد في وجوب صيانته واحترامه.

زيارة محل البراق

- السماح بالزيارة لمحل البراق خطأً كان أم صواباً، هل كان خاصاً باليهود أم على جميع الناس باختلاف أديانهم وأجناسهم؟

- أنا لا أعرف أنه أعطي إذن أو سماح بزيارة البراق لفرد خاص أو لطائفة خاصة، ولكن أعرف أن المسلمين في كل بلاد الإسلام يسمحون لأفراد الطوائف الأخرى أن يزوروا مساجدهم ومعابدهم ومؤسساتهم الخيرية، زيارة فنية أثرية، للاطلاع على الآثار الفنية، وإنما أسمع أن اليهود كانوا يزورون البراق كما يزوره سائر الأفراد من كافة الطوائف زيارة عادية، وأن أفراد  اليهود يمتازون عن بقية الطوائف في زياراتهم هذه بأن أعين بعضهم تفيض بالدمع أحياناً، ويرطنون بكلمات يقال إنها أناشيد تتضمن حزناً على مجدهم الغابر وملكهم القديم، هذا كل ما أسمعه من امتياز اليهود عن غيرهم في زيارة البراق، ولكني لم أعرف أنه كانت زيارتهم هذه مسموحاً بها لهم سماحاً خاصاً أم لا؟ لأني ما وُجدت في هذه البلدة إلا مؤخراً.

صلاة اليهود

- إذا كان اليهود يُصَلّون في هذا الرصيف؛ فهل تعتقد أن هذا يكون مخالفاً للشرع؟

- نعم، إذا أدى اليهود صلاتهم هناك يكون ممنوعاً شرعاً؛ لأن هذا المكان يكون قد شُغل في غير ما وضع له، ويكون فيه تقرير لعقائد الآخرين وعبادتهم، وهو غير جائز في الشريعة الإسلامية.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك