رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 8 يوليو، 2018 0 تعليق

وثائق تاريخية من مجلة الفتح – حائط البراق وقف إسلامي بالشرع والقانون

المسجدُ الأقصى المبارك، هو محلُّ القلب وسويداء الفؤاد، وقطب الرّحى، وميزان القضيّة، بل وقضيّة القضايا، كان وما زال عنوان الصراع مع اليهود الغاصبين، ومع كلّ من امتدّت يدُه إليه بشرِّ مُذ نودي فيه بـ(حيّ على الصلاة، حي على الفلاح).

     فظروفه اليومية هي مقياس التهدئة والتصعيد، والشعلة والفتيل لتصاعد الأحداث، وكثير من الأحداث الجسام على أرض فلسطين، اشتعلت شرارتها من المسجد الأقصى المبارك، بدءًا بأحداث البراق في عام 1929م، عندما حاول اليهود السيطرة على حائط البراق، ثم حرق المسجد الأقصى عام 1969م، وأحداث النَّفَق أسفل منه عام 1996م، وحتى اقتحام رئيس وزراء الكيان الصهيوني الإرهابي أريئيل شارون ساحات المسجد الأقصى المبارك في عام 2000م، ثمّ انتقل الحال إلى سلسلة من الاقتحامات شبه اليومية لساحات المسجد الأقصى من المغتصبين اليهود بحماية شرطة الاحتلال.

أرشيف الفتح

     وخلال تصفحي لأرشيف مجلة الفتح، وجدت وثائق تاريخية في غاية الأهمية، من شهادات ومرافعات قدمها أهل العلم والاختصاص من المسلمين أمام اللجنة الدولية للبراق في عام 1930م، تثبت أحقيّة المسلمين بحائط البراق الذي هو وقف إسلامي، وجزء من الحائط الغربي للمسجد الأقصى المبارك.

وقد رأيت أن تُجمع هذه الشهادات والمرافعات في مصنف مستقل، باعتبارها مادة علمية تاريخية توثيقيّة، تبيّن زيف افتراءات اليهود بأن لهم حقا في الحائط الغربي للمسجد الأقصى، والتي لم ينفكوا عن تردادها منذ ذلك الوقت وقبله.

     وممّا زادني حرصًا وإصراراً على نشر هذه الوثائق، أنّ وقوفي عليها كان قبل فترة وجيزةٍ من إعادة الحديث في مسألة البراق، والادّعاء بأنّ السيادة على الحائط يجب أن تبقى لليهود، الأمر الذي يدلّك على مدى الاستخفاف بالحقائق، أو الجهل بها، وكلاهما شرّ، وأحلاهما مرّ.

     لذا أضع بين يديك أخي القارئ والباحث، بعض نُقولات من مجلة (الفتح)، وهي من أوسع الصّحف انتشارًا يومئذ في طول العالم الإسلاميّ وعرضه، نطّلع فيها معًا على متابعتها لقضيّة حائط البراق، وما نشرته من وثائق وشهادات أمام لجنة التحقيق الدوليّة التي نصّبتها عصبة الأمم لدراسة حقوق كلٍّ من المسلمين واليهود في حائط البراق، لتخرج هذه اللجنة في نهاية دراستها وتحقيقها، بأنّ حائط البراق وقف إسلامي، وحقٌّ للمسلمين وحدهم، كما ستراه في موضعه.

حائط البراق عنوان الصراع

     بعد تزايد الهجرة اليهودية إلى فلسطين، حتى فاق عددهم مائة ألف منذ الانتداب البريطاني وحتى بداية عام 1929م، فضلا عن آلاف أخرى منهم من المتسللين (غير الشرعيين)، بتسهيلات وافرة من حكومة الانتداب، علت في تلك الفترة صيحات اليهود، المطالبة بالحائط الغربي للمسجد الأقصى (حائط البراق)، الذي يطلق عليه اليهود اسم (حائط المبكى).

     فازداد عدد اليهود الذين يتجمعون في المكان باستمرار، وأصبحت ممارساتهم أكثر جرأة لإقامة طقوسهم الخرافية، ونفخوا في أبواقهم، وأحضروا المقاعد، والكراسي، والموائد، والمصابيح، وهكذا حوّلوا المكان إلى تجمّع دائم لهم؛ بحيث يحسبه الناظر كنيساً يهودياً!

     وخشي المسلمون أن يظل اليهود على هذه الحال؛ فيكون ما فعلوه مكتسباً لهم مع مرور الزمن؛ فغضب المسلمون، وعقدوا المؤتمرات، وشكلوا (لجنة الدفاع عن البراق الشريف)، وأعطيت قضية البراق بعداً إسلامياً، ولاسيما بعد أن انتشر خبر نوايا اليهود الحقيقية تجاه هذا الحائط وانفضح مخططهم.

تصعيداً خطيراً

     وفي تلك الفترة أخذ اليهود يعلنون بصراحة عن حقوق لهم في المسجد الأقصى وحائط البراق، وشهد الموقف تصعيداً خطيراً من جانب اليهود، ولاسيما أثناء المؤتمر الصهيوني العالمي في زيورخ بسويسرا (28 يوليو – 11 أغسطس 1929م)؛ حيث كانت قضية حائط البراق هي القضية الرئيسة في المؤتمر.

مظاهـرة ضخمة

     وفي يوم 14 أغسطس 1929م نظّـم اليهود مظاهـرة ضخمة في تل أبيب بمناسبة ذكرى تدمير ما أسموه (هيكل سليمان)، أتبعوها في اليوم التالي بمظاهرة كبيرة في شوارع القدس لم يسبق لها مثيل، شارك فيها الآلاف منهم، حتى وصلوا إلى حائط البراق، وهناك رفعوا العلم الصهيوني، وأنشدوا أناشيدهم الدينية، وأخذوا يهتفون (الحائط حائطنا والويل لمن يدنس أماكننا المقدسة)، وشتموا الرسول[ والإسلام والمسلمين، مما استفز مشاعر المسلمين وهيّج عواطفهم.

     وفي اليوم التالي (12 ربيع الأول 1348 هـ) الموافق (16 أغسطس 1929م)، خرج المصلون بعد صلاة الجمعة من المسجد الأقصى في مظاهرة ضمّت الآلاف من أهالي القدس والقرى المجاورة، واتجهوا نحو حائط البراق، وحطموا منضدة لليهود كانت موضوعة فوق الرصيف، وأخرجوا الاسترحامات التي وضعها اليهود في خروق الحائط وأحرقوها.

وفي 17 أغسطس حدث اشتباك بين مجموعة من المسلمين وأخرى من اليهود، أدى إلى جرح 11 شخصاً من الجانبين، ووفاة رجل واحد من اليهود؛ فسارعت سلطات الانتداب إلى اعتقال عدد كبير من المسلمين، مع زمرة قليلة من اليهود.

الصدام بين الطرفين

وفي يوم الجمعة 23 / 8 / 1929م تدفق أهالي القرى المجاورة إلى القدس بأعداد كبيرة، بعد أن تواترت الأخبار عن نية اليهود شن هجوم على حائط البراق واحتلاله لتثبيت حقهم في ملكيته.

     فخرجت جموع المصلين من المسجد الأقصى ليجدوا أمامهم تجمعاً يهودياً يتحداهم، ووقع الصدام بين الطرفين، وفتحت شرطة الانتداب النيران على العرب، وامتد الصدام إلى ضواحي المدينة، وسرى هذا الهياج إلى القرى المجاورة، وانتشرت أخبار الصدامات في كل فلسطين؛ فعمتها المظاهرات وتفجرت الثورة في أرجائها.

وفي اليوم التالي قتل في الحي اليهودي في الخليل أكثر من 60 يهودياً، وهاجم المتظاهرون في نابلس أحد مراكز الشرطة؛ فنشبت اضطرابات عنيفة بسبب إطلاق الشرطة النار على الجمهور، وامتدّت الاضطرابات إلى بيسان وحيفا ويافا.

    وفي يافا اقتحم اليهود وعلى رأسهم شرطي يهودي اسمه إبراهيم مزراحي يلقب بـ(خانكيز) بيت إمام مسجد سكنة أبوكبير، الشيخ الشهيد عبد الغني عون -رحمه الله-، فقتلوه وبقروا بطنه، وحطموا رؤوس أخيه إبراهيم وزوجته وابنه، كما هاجم اليهود مقبرة للمسلمين وعبثوا في القبور، ودمر المسلمون من جهتهم ست مستعمرات يهودية تدميراً تاماً.

     وفي صفد شاع الخبر بأن اليهود اعتدوا على المسجد الأقصى وهدموه وأحرقوه؛ فثار المسلمون، وهاجموا الحارة اليهودية في صفد، ووصل عدد القتلى اليهود إلى 20 وجرح حوالي 25، وأحرق ودمر حوالي مائة بيت، ولقيت أحداث البراق صدى خارج فلسطين؛ فقامت المظاهرات الاحتجاجية والتضامنية في الدول العربية المجاورة، وأخذوا يتهيئون للزحف نحو فلسطين والاشتراك في واجب الجهاد.

وقف المئات من الشباب العربي

وأوقفت سلطات الانتداب المئات من الشباب العربي المسلم واعتقلتهم إثر ثورة البراق، وأصدرت بحقهم أحكاماً قاسية؛ فصدر 25 حكماً بالإعدام، نفذ في ثلاثة من المحكومين، وهم: (فؤاد حجازي، عطا الزير، محمد جمجوم).

وبلغ عدد من حكم عليهم من العرب ما مجموعه 792 رجلاً، وحكم على قرى عربية كثيرة بدفع الغرامات، ووضع أكثر الوجهاء تحت الإقامة الجبرية.

أما الأحكام على اليهود؛ فقد تميزت باللين؛ فقد حكم على عدد قليل منهم أحكاماً مخففة، وحكم على يهودي واحد فقط بالإعدام، وهو الشرطي (خانكيز) قاتل إمام المسجد وعائلته، ثم خفف الحكم إلى المؤبد، ثم خفف إلى 15 عاماً! ثم أفرج عنه بعد 6 سنوات!

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك