رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 24 يناير، 2016 0 تعليق

{والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا} (الكهف: 46)

ابن سعدي: أن الذي يبقى للإنسان وينفعه ويسره الباقيات الصالحات، وهذا يشمل جميع الطاعات الواجبة والمستحبة من حقوق الله، وحقوق عباده

 

فطر الإنسان على حب الدنيا والتعلق بشهواتها كما قال تعالى: {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب}(آل عمران: 14)، والقرآن في مواضع كثيرة يحذر من الافتتان بالدنيا على حساب الآخرة؛ لأن نعيم الدنيا قصير زائل، ونعيم الآخرة دائم باق، ومن ذلك قوله تعالى: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا}(الكهف: 46).

     قال الشنقيطي: «والمراد من الآية الكريمة تنبيه الناس للعمل الصالح؛ لئلا يشتغلوا بزينة الحياة الدنيا من المال والبنين عما ينفعهم في الآخرة عند الله من الأعمال الباقيات الصالحات، وهذا المعنى الذي أشار له هنا جاء مبينا في آيات أخر كقولـه تعالى:  {يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون}(المنافقون: 9).

     وقولـه: {إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم}(التغابن: 15)، وقولـه: {وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا}(سبأ: 37).، وقولـه: {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم}(الشعراء: 88-89) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الإنسان لا ينبغي له الاشتغال بزينة الحياة الدنيا عما ينفعه في آخرته».

الأعمال الصالحة

     وقال ابن العربي: «ندب الله -تعالى- إلى الأعمال الصالحة، ونبه على أنها خير مما في الدنيا من أهل ومال، وعمل وحال في المآل، فقال: {والباقيات الصالحات} (الكهف: 46) من المال والبنين، {وخير أملا} فيما يستقبلون إرادته». ويبين القرطبي سبب تخصيص المال والبنين بالذكر فيقول: «وإنما كان المال والبنون زينة الحياة الدنيا لأن في المال جمالا ونفعا، وفي البنين قوة ودفعا، فصارا زينة الحياة الدنيا».

الباقيات الصالحات

     وأما معنى (الباقيات الصالحات) فيـبـيبنه ابن عاشور بقوله: «والباقيات الصالحات صفتان جرتا على موصوف محذوف، أي: الأعمال الصالحات الباقيات، أي: التي لا زوال لها، أي: لا زوال لخيرها، وهو ثوابها الخالد، فهي خير من زينة الحياة الدنيا التي هي غير باقية. وتقديم المال على البنين في الذكر؛ لأنه أسبق خطورا لأذهان الناس؛ حيث يرغب فيه الصغير والكبير والشاب والشيخ، ومن له من الأولاد ما قد كفاه. ومعنى {وخير أملا} أن أمل الآمل في المال والبنين إنما يأمل حصول أمر مشكوك في حصوله ومقصور على مدته، وأما الآمل لثواب الأعمال الصالحة فهو يأمل حصول أمر موعود به من صادق الوعد، ويأمل شيئا تحصل منه منفعة الدنيا ومنفعة الآخرة كما قال تعالى: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}(النحل: 97).

وقد اختلف العلماء في الباقيات الصالحات على أقوال:  فقيل: إن الباقيات الصالحات هي النيات والهمات؛ لأن بها تقبل الأعمال وترفع، نقله القرطبي عن الحسن.

المال والبنون

     وقال عبيد بن عمير: هن البنات؛ يدل عليه أوائل الآية قال الله -تعالى-: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا} ثم قال: {والباقيات الصالحات} يعني البنات الصالحات هن عند الله لآبائهن خير ثوابا، وخير أملا في الآخرة لمن أحسن إليهن كما جاء في حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: دخلت على امرأة ومعها ابنتان لها تسأل فلم تجد عندي شيئا غير تمرة واحدة فأعطيتها إياها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها ثم قامت فخرجت فدخل النبي صلى الله عليه وسلم  علينا فأخبرته فقال: «من ابتلى من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار» متفق عليه.

     وقال ابن عباس وغير واحد من السلف: «الباقيات الصالحات» الصلوات الخمس. قال ابن العربي: «وبه أقول، وإليه أميل، وليس في الباب حديث صحيح، أما أن فضل التسبيح والتكبير والتهليل والحوقلة مشهور في الصحيح كثير، ولا مثل للصلوات الخمس في ذلك بحساب ولا تقدير».

     وعن ابن عباس أن المراد بالباقيات الصالحات هو قول: «سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر وهو قول عثمان وابن عمر ومجاهد وابن جبير وابن المسيب والجمهور،يؤيده حديث أبي هريرة رضي الله عنه  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «خذوا جُنَّتكم» (أي: دروعكم) قلنا: يا رسول الله من عدو حضر؟ قال: «لا، بل جنتكم من النار، قولوا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ فإنهن يأتين يوم القيامة مقدمات، ومعقبات، ومجنبات وهن الباقيات الصالحات». رواه الحاكم والنسائي في عمل اليوم والليلة وصححه الألباني. وذهب بعض العلماء إلى أن الباقيات الصالحات هي الأعمال التي ترضي الله دون تعيين.

     فعن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله {والباقيات الصالحات} قال: هي ذكر الله، قول: لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، وتبارك الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأستغفر الله، وصلى الله على رسول الله، والصيام، والصلاة، والحج، والصدقة، والعتق، والجهاد، والصلة، وجميع أعمال الحسنات، وهن الباقيات الصالحات، التي تبقى لأهلها في الجنة، ما دامت السموات والأرض».

     وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هي الأعمال الصالحة كلها. واختاره ابن جرير». وقال القرطبي: «وهو الصحيح إن شاء الله؛ لأن كل ما بقي ثوابه جاز أن يقال له هذا». وقال علي رضي الله عنه : «الحرث حرثان فحرث الدنيا: المال والبنون؛ وحرث الآخرة الباقيات الصالحات، وقد يجمعهن الله - تعالى - لأقوام».  وقال الشنقيطي: التحقيق أن «الباقيات الصالحات لفظ عام، يشمل الصلوات الخمس، والكلمات الخمس المذكورة، وغير ذلك من الأعمال التي ترضي الله تعالى؛ لأنها باقية لصاحبها غير زائلة ولا فانية كزينة الحياة الدنيا؛ ولأنها أيضا صالحة لوقوعها على الوجه الذي يرضي الله تعالى».

     وقال الشيخ ابن سعدي: «ولهذا أخبر -تعالى- أن المال والبنين زينة الحياة الدنيا؛ أي: ليس وراء ذلك شيء، وأن الذي يبقى للإنسان وينفعه ويسره الباقيات الصالحات، وهذا يشمل جميع الطاعات الواجبة والمستحبة من حقوق الله، وحقوق عباده، من صلاة، وزكاة، وصدقة، وحج، وعمرة، وتسبيح، وتحميد، وتهليل، وتكبير، وقراءة، وطلب علم نافع، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر، وصلة رحم، وبر والدين، وقيام بحق الزوجات، والمماليك، والبهائم، وجميع وجوه الإحسان إلى الخلق، كل هذا من الباقيات الصالحات؛ فهذه خير عند الله ثوابا وخير أملا، فثوابها يبقى، ويتضاعف على الآباد، ويؤمل أجرها وبرها ونفعها عند الحاجة؛ فهذه التي ينبغي أن يتنافس فيها المتنافسون، ويستبق إليها العاملون، ويُجِدُّ في تحصيلها المجتهدون.

وتأمل كيف لما ضرب الله مثل الدنيا وحالها واضمحلالها ذكر أن الذي فيها نوعان: نوع من زينتها، يُتمتع به قليلا ثم يزول بلا فائدة تعود لصاحبه، بل ربما لحقته مضرته وهو المال والبنون، ونوع يبقى وينفع صاحبه على الدوام، وهو الباقيات الصالحات».

 

 

 

معنى الباقيات الصالحات

1- التي لا زوال لخيرها

2- النيات والهمات

3- البنات الصالحات

4- الصلوات الخمس

5- الذكر (سبحان الله والحمدلله...)

6- الأعمال التي ترضي الله

7- الأعمال الصالحة كلها

8- جميع الطاعات الواجبة والمستحبة

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك