رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. جمال عبد الرحمن يس 9 فبراير، 2018 0 تعليق

واقع المسلمين في الكونغو (1)

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» ومن هنا جاء الاهتمام بالمسلمين في أنحاء العالم، و تُعَدّ (الكونغو) عملاق منطقة إفريقيا الوسطى من ناحية المساحة والإمكانيات الطبيعية، وتتميز بموقعها الاستراتيجي في قلب القارة، وتعد محوراً للانطلاق لبقية دول المنطقة؛ لذلك سعت الدول الغربية لفرض سيطرتها على الأوضاع فيها، وعدها قاعدة للانطلاق نحو المناطق الأخرى، وكذلك للحدّ من انتشار الإسلام واللغة العربية فيها، وقطع التواصل مع العالم الإسلامي والدول العربية، وللسيطرة كذلك على مواردها.

     وقد اهتمّت أوروبا والكنيسة بمنطقة (الكونغو) قديماً، وذلك لموقعها المميز في قلب القارة الإفريقية ومواردها الضخمة، وصل إليها البرتغاليون عام 1482م، وهم أول مَن نزلوا على مصبّ نهر الكونغو، وأقاموا علاقات دبلوماسية مع (مملكة الكونغو)، وتمّت زيارات منها إلى البرتغال والفاتيكان مقرّ رئاسة الكنيسة الكاثوليكية؛ ولذلك اتخذت مملكة الكونغو (الكاثوليكية) ديانة رسمية لها، ونصّبت عدداً كبيراً من مواطنيها كهنة كاثوليك.

     وكذلك أرسل ملك بلجيكا (ليوبولد) الثاني منذ العام 1875م بعثات لاكتشاف مناطق حوض الكونغو، وأنشأت بلجيكا محطات علمية وتجارية وتبشيرية، لفرض سيطرتها على تلك المناطق وما حولها لأهميتها الاقتصادية، وقد عمل الاستعمار البلجيكي على تنصير الرجل الإفريقي، وتحويله شيئاً فشيئاً إلى رجل بلجيكي في تفكيره وسلوكه الاجتماعي ومعتقداته.

     ونالت (الكونغو) استقلالها في 30 يونيو 1960م، وكانت تُسمّى (زائير) بين عامي 1971م و 1997م، ثم أصبحت تُعرف باسم (الكونغو)، وتُدعى أحياناً باسم (الكونغو كينشاسا) نسبةً إلى عاصمتها, لتمييزها عن (جمهورية الكونغو) التي تُسمّى أحياناً (الكونغو برازافيل).

     ولا تزال (الكونغو) حتى اليوم هدفاً لعملية التنصير وجهود الكنيسة من خلال أساليب ووسائل متعددة، وهذا ما يستهدف الباحث كشفه وبيان خطره، لعلّ ذلك يدعو إلى مؤازرة المسلمين لإخوانهم في ذلك البلد.

الاستعمار رائد التنصير في الكونغو

     ترسّخ الإسلام في (الكونغو) قديماً، ومنذ عام 1830م أخذ في الانتشار بفضل التجار العرب الذين قدموا إلى (الكونغو) بغرض التجارة؛ فدخلها من الكاميرون، والجابون، وبلاد السودان، وأسلمت أعداد كبيرة من الناس، ولاسيما في المناطق التي تقع شرق الكونغو (جوما - مانيماما)، وتمّ إنشاء المساجد، وترسَّخ النظام الإسلامي في حياة السكان حتى مجال القضاء؛ فأصبحت هناك محاكم للمسلمين وأخرى لغير المسلمين.

     وحتى الربع الأخير من القرن التاسع عشر أصبح جزء كبير من (الكونغو) يدين بالإسلام، ويُدار وفق نظام الخلافة الإسلامية، وكان الخليفة في ذلك الوقت هو الشيخ عبد الرحمن الشهير باسم (تيبوتيبو)، ويشهد لذلك أنه عندما وفد ممثل بلجيكيا (ليفنجستون) ووجد المسلمين حينها أكثر نظاماً، طلب التفاوض معهم حتى يدخل (الكونغو) من خلال الجزء الأكثر نظاماً واستقراراً وأمناً.

     عمل الاحتلال على محاربة الإسلام والتمكين للمسيحية، التي تأتي في المرتبة الثانية من حيث الدخول للكونغو بعد الإسلام، ولكنها سرعان ما انتشرت بفضل دعمها بالإمكانيات من قِبَل الكنيسة والدول الغربية، ولاسيما بلجيكيا و (الفاتيكان)، التي تمّ توظيفها في بناء الكنائس والمدارس والمستشفيات والمراكز الثقافية والأندية والجامعات، وغيرها من المؤسسات التي تمّ طبعها بالطابع النصراني.

     استفادت الكنيسة من سياسات الاحتلال البلجيكي والقوانين والإجراءات التي وضعها لمحاربة الإسلام والمسلمين، وخدمة الكنيسة، والمواطنين الغربيين الأجانب الذين يعملون في المشروعات التنموية في (الكونغو) ولاسيما إنتاج المعادن، كما أنّ الحرب الطويلة التي مرّت بها البلاد والفقر والأمراض وضعف الوعي لدى المسلمين الكونغوليين، ساهم في تقوية شوكة الوجود الكنسي بالكونغو، وكانت البعثات التبشيرية التنصيرية التي وصلت للبلاد جزءاً من قوى الاستعمار إلى حدٍّ كبير، مثلها في ذلك مثل المكتشفين والتجار والجنود الغربيين.

     وقد استطاع الاستعمار البلجيكي الذي كان أهمّ أهدافه نشر المسيحية في القارة الإفريقية أن يغرس روح الكراهية المفرطة نحو الإسلام والمسلمين في (الكونغو)، ولاسيما في منطقة (كاسونجو)؛ حيث تعرّض المسلمون للاضطهاد، والتعذيب، والسجن، والنفي، والقتل، وأكبر شاهد على ذلك إبادة الاستعمار في 2/4/1893م لما يقارب خمسة وأربعين ألف مسلم.

خريطة المشروع التنصيري

     يعدّ الكرسي البابوي (الكونغو) رأس الحربة للتنصير في القارة الإفريقية؛ لذلك اهتمّ بها من خلال الزيارات والمؤتمرات التي عُقدت بشأن تنصيرها، وما يؤكد ذلك زيارة البابا يوحنا الثاني في العام 1980م لها، وافتتاحه لبعض المشروعات التنصيرية، والملاحظ أنّ الوفود البابوية لم تنقطع عن زيارة (الكونغو الديمقراطية)، كما عُقدت العديد من المؤتمرات وورش العمل الداخلية والخارجية، التي بحثت جميعها سبل تطوير العمل التنصيري، والحدّ من المدّ الإسلامي الذي يعد حجر عثرة أمامه، وذلك بمساعدة عناصر من مبعوثي الفاتيكان، ومجلس الكنائس العالمي، وغيرهما من الواجهات الكنسية العالمية.     

     يمثّل المسلمون في (الكونغو) ما بين 10 - 15% من عدد السكان، أي حوالي 9 ملايين مسلم، ويلاحظ أنّ معتنقي الإسلام أكثر من عدد الذين ولدوا مسلمين، ومع ذلك تشير معظم الإحصائيات إلى أنّ عدد المسلمين في (الكونغو) تناقص إلى أقلّ من النصف؛ فبعد أن كان عددهم 20 مليون نسمة عقب الاستقلال في مطلع الستينيات من القرن الماضي تناقص الآن إلى قرابة 9,6 ملايين مسلم، وذلك يعود إلى الآتي:

1 - السياسات الاستعمارية التي ربطت التعليم الأكاديمي بالتنصّر؛ فقد حرم ملك بلجيكيا المسلمين وأبناءهم من التعليم إلا إذا تنصّر الأبوان، ولا تزال آثار هذا الحرمان باقية حتى اليوم؛ فانتشار الجهل في أوساط المسلمين الكونغوليين (80% أميون) أثّر سلباً في أوضاعهم الاجتماعية، ومشاركتهم في القطاع الحكومي، ومعاناتهم كسب لقمة عيش كريمة؛ حيث إنّ (90% عاطلون).

2 - فرض الحرب والقتال: ولاسيما في المناطق التي يتمركز فيها المسلمون، وكان نتيجة ذلك أن مات الكثيرون وتشردوا، وتفكّك كثير من أسر المسلمين، كما استغلت الكنيسة ظروف الحرب لإجبار المسلمين على ترك الإسلام.

كما قامت حركة التنصير في (الكونغو) بالهيمنة على كلّ البنى التحتية والأنشطة في البلاد (السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والتربوية)، وذلك من خلال الآتي:

1 – سياسياً، السيطرة على اتخاذ القرارات ورسم السياسات وتوظيفها لمحاربة المسلمين: حيث لم يتمّ الاعتراف بالإسلام بوصفه ديانة في (الكونغو) إلا بعد زمن طويل، وذلك بعد الاستقلال عام 1972م، بواسطة المرسوم الدستوري رقم 194/ 72 من قِبَل الرئيس (موبوتو سيسي سيكو).

2 – تربوياً، بربط التعليم بالكنيسة: وتوظيف مناهجه لفرض عقيدتهم وأفكارهم، وحرمان المسلمين منه، والتضييق على تعليمهم الخاص.

3 – إعلامياً، الهيمنة على الإعلام ووسائله؛ فهناك أكثر من 150 قناة تلفزيونية، وإذاعية للحركات التنصيرية، وليس للمسلمين أية وسيلة إسلامية لنشر دعوتهم.

4 - فتح الباب للمنظمات الطوعية التنصيرية، ولاسيما منظمات الإغاثة الغربية المنتشرة وسط المجموعات المسلمة، وذلك للمساهمة في تنصير المسلمين، ونشر المفهومات المخالفة للإسلام بينهم.

5 - الحدّ من نشاط التجار المسلمين؛ فركزت الكنيسة في الدخول في النشاطات التجارية والزراعية، وأنشأت لها مشروعات حول محطات الإرساليات لتدريب المنصِّرين، والاستفادة من الجدد منهم في الوقوف ضد التجار المسلمين، ويؤكد ذلك تصريح منظمة (كاريتاس) الكنسية في (الكونغو)؛ بأنها تمد المزارعين المستهدفين بالتنصير بالبذور والأسمدة للتغلب على البطالة، وتساعد المنصِّرين على فتح مشروعات، مثل المخابز وورش العمل وغيرها.

     أدّت هذه الجهود التنصيرية إلى اعتناق قرابة 75% من الكونغوليين النصرانية، واستفاد المشروع التنصيري من معاناة المسلمين الفقر الشديد، والجهل والمرض، والتهميش السياسي والاقتصادي، وذلك بمساعدة الحكومات الكونغولية المتعاقبة، وأسهم ذلك في ارتداد ملايين المسلمين للحصول على التعليم والدعم المالي الذي تقدّمه الآلاف من المنظمات التنصيرية المنتشرة في (الكونغو). وللحديث بقية إن شاء الله.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك