رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 26 مارس، 2012 0 تعليق

واقع الدعوةالإسلامية في مصر بعد عام من الثورة…عقبات وآمال

 

لا شك أن من أهم الصفات المشتركة بين الأنظمة البائدة في الدول التي قامت فيها الثورات العربية هو محاربة دين الله عز وجل والصد عن سبيله، وتعطيل جهود العلماء الصادقين الربانيين في الإصلاح والإرشاد، لذلك فالدعوة الإسلامية كانت من أهم القطاعات التي عانت معاناة شديدة في ظل هذه الأنظمة، وتعطلت مسيرتها أكثر من خمسة عقود متتالية، كان يمكن للأمة أن تخطو من خلاها خطوات تسهم في نهضتها وتعمل على تصحيح مسارها.

والآن وبعد زوال هذه الأنظمة الفاسدة؛ هل استفادت الدعوة فعلا بزوالها؟ وهل يمكن للعلماء والدعاة إلى الله عز وجل أن يمارسوا دورهم الحقيقي والفاعل في دعوة الناس إلى الخير وهدايتهم إلى سبيل الرشاد؟ وكيف يمكن للدعاة أن يستفيدوا من مساحة الحرية المتاحة للانطلاق إلى آفاق جديدة من العمل الدعوي، هذه الأسئلة وغيرها التي قد تصف لنا واقع الدعوة، وتبين لنا مسارها في المرحلة المقبلة  طرحتها على ضيوف الفرقان الدكتور عبد الله شاكر رئيس جمعية أنصار السنة المحمدية، والدكتور جمال المراكبي عضو مجلس شورى العلماء المنبثق عن جمعية أنصار السنة، وبدأت بالدكتور عبد الله شاكر -حفظه الله- وسألته عن واقع الدعوة بعد الثورة ولاسيما فيما يخص جمعية أنصار السنة المحمدية؟

      فقال فضيلته: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلمفإن جماعة أنصار السنة المحمدية لم تنقطع عن العمل الدعوي منذ أن أسست، وكانت في كل الفترات تقوم على قدر ما يتاح لها من عمل، وتنهض في سبيل الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، ولا شك كما هو معلوم أنه كانت هناك ألوان مختلفة من التضييق تمارس على الدعوة في النظام السابق، وبعد أن انتهى وسقط هذا النظام بدأنا نعيد صياغة العمل الدعوي مرة أخرى، وكان من أهم القطاعات التي ركزنا عليها قطاع المعاهد الشرعية؛ حيث قمنا بالتوسع في إنشاء المعاهد العلمية الدعوية التي تُخَرِّج الدعاة المتخصصين، وكانت هذه المعاهد موجودة من قبل ولكن بصورة ضعيفة وقليلة، والسبب في ذلك أن الجهات الأمنية لم تكن تسمح بإنشائها في كثير من الأماكن، وبعد زوال هذا النظام بدأنا بفضل الله في التوسع في إنشاء هذه المعاهد.

      من هذه المعاهد من يستمر سنتان، ومنها من يستمر أربع سنوات؛ حيث يتخرج الطالب أو الطالبة وعنده إلمام بالعلوم الشرعية فيما يتعلق باللغة العربية وأصولها، والفقه، وأصول الفقه، والعقيدة، والحديث، ومصطلح الحديث، وغير ذلك من العلوم الشرعية التي يدرسها الطالب في المعهد.

- بدأنا أيضًا في مشروع قوافل الدعوة ولاسيما إلى قرى الصعيد وشمال وجنوب سيناء، وأصبح لنا فروع في هذه الأماكن.

- أيضًا توسعنا في دور تحفيظ حلقات القرآن الكريم، ولاسيما أن التجمعات الشبابية كانت ممنوعة في ظل النظام السابق تحدث قلقًا لهم،  فالحمد لله الآن زالت هذه الضغوط وأصبحت هذه التجمعات تتم بصورة واضحة وصحيحة ونافعة بفضل الله تبارك وتعالى.

- كذلك أصبح لدينا مشروع آخر رائد؛ حيث لم يقتصر دور الجمعية على تقديم المساعدات المالية للمحتاجين إليها فقط، وإنما بدأنا في جمع هؤلاء الأشخاص في مناسبات مختلفة، وعمل دورات شرعية علمية مكثفة للأيتام، وإعطائهم الدروس الشرعية في الأخلاق الإسلامية وغيرها من العلوم في الفقه وغيره، كما نحرص على أن الأمهات ينلن نوعاً من الفائدة من هذا العمل.

- هل هذا التوسع يقابله العدد الكافي من الكفاءات العلمية والدعوية التي تستوعبه ؟

- الحمد لله الكوادر الدعوية كانت موجودة ولكن أيضًا حجم الإتاحة لها كان ضعيفًا فبعضهم كان يمنع من الدعوة وحتى من الخطابة، ولكن بعد سقوط النظام بدأنا في الاستفادة الحقيقية من هذه الكوادر بصورة كبيرة جدًا، وبفضل الله فلدينا كوادر قوية ومؤهلة للقيام بهذا الدور.

تحركات دعوية واسعة

- وعن حال الدعاة وواقع الدعوة ومدى انتشارها بعد الثورة، سألت الدكتور جمال المراكبي؟ فقال فضيلته:

- بفضل الله استفادت الدعوة استفادة حقيقية وكبيرة بلا شك بعد الثورة، فتحكمات جهاز أمن الدولة انتهت، وحركة الدعاة صارت أوسع،؛ حيث كنا لا نستطيع الوصول إلى أماكن كثيرة، وكانت هناك أماكن كثيرة محرومة من الدعوة، منها الصعيد على سبيل المثال، الذي كان محرومًا من وصول المشايخ إليه؛ الآن أصبحنا نتحرك في كل ربوع مصر.

      الحراك الثوري في مصر جعل الإسلاميين أكثر حراكًا ومبادرة في البحث عن حلول لمشكلات البلد، ووجد منهم من خاض غمار السياسة، وقد رأينا البرلمان أغلبيته الحالية من الإسلاميين سواء حزب النور أم حزب الحرية والعدالة، وقد تم تأسيس مجلس شورى العلماء الذي يضم تسعة أعضاء، وهو يمثل أنصار السنة المحمدية بوصفه كياناً رسمي، ولكنه أيضًا يضم مشايخ الدعوة السلفية، الشيخ محمد حسين يعقوب، والشيخ محمد حسان والشيخ أبي إسحق الحويني، وقد صدر عن المجلس خمسة عشر بيانًا للأمة على مدى قرابة عام كامل، فلا تمر مسألة نرى أنه يجب أن نوجه الناس فيها إلا ونوجههم، وقد صار الإعلام يتلقى هذا الكلام ويرحب به.

      وبفضل الله لم نسع إلى لقاء مسؤول، وإنما سعت الأجهزة الرسمية للدولة على مستوى عال للقائنا والتشاور معنا فيما يخص مصلحة البلد، لأنهم شعروا أنه لا مصلحة لنا إلا نفع هذا البلد والخروج به من أزمته.

      كذلك نحن بفضل الله أكبر فصيل يؤثر في الشارع، كما أن شيخ الأزهر الذي كنا نسعى جاهدين للقاءه من قبل، سعى هو مؤخرًا للقائنا بإلحاح، واجتمعنا به اجتماع سلفي أزهري خاص، واختلفنا في مسائل ولكننا خرجنا في النهاية بود.

      خلاصة الأمر أننا انتقلنا دعويًا نقلة كبيرة جدًا، والبلد أصبح لها قرار شعبي بعد أن كان القرار في يد الرئيس وكان الاستنكار من طوائف قليلة، الآن اختلف الأمر والشعب أصبح له تأثير شديد.

      وأبشرك أن مصر ستنتقل في كل المجالات ولاسيما بعد انتهاء هذه المرحلة الحرجة التي يزداد فيها ما يسمى بالحراك الثوري ويتم انتخاب الرئيس، ولا شك أن هذا الحراك يؤجج مشاعر الناس، ويؤثر على الإنتاج، نحن نريد أن نبدأ في البناء، وإن شاء الله أتوقع أنه في خلال الأشهر القليلة القادمة ستستقر البلد وهذا ما نصبو إليه.

- ما موقفكم من الانتخابات الرئاسية؟ وهل سيؤثر ذلك على مستقبل الدعوة في مصر؟

- بداية نحن من أول يوم بل قبل الثورة نحن نتكلم في المعايير إلا أن الوضع الآن أصبح ملحًا بعد الثورة، فنحن نتكلم من هم الأمناء وكيف نختارهم، وما الشروط الموجودة فيهم، ولكن الناس في مصر ما زالوا يتعاملون بالعواطف،؛ لأن الشعب المصري شعب عاطفي، شعب متدين، لكن الخوف من هذه العواطف حينما يأتي المنجز على غير المرجو أصحاب العاطفة هذه قد ينقلبون عليك، فنحن نحاول تهذيب هذه العاطفة بالعلم، أصحاب هذه العاطفة يتعجلون الأمور كما يحدث اليوم فيما يتعلق بمجلس الشعب، يقولون: ماذا فعل لنا؟ مع أنه ما زال في بدايته، هل تريد إسقاطه بعد شهر واحد؟

      وأنا اعتقادي أن الرئيس ليس الشخص المناسب فقط، وإنما الرئيس شخص مناسب في ظرف مناسب؛ لأن الشخص المناسب في الظرف غير المناسب لا ينتج، وأنا دائما أذكر إخواني بأمير المؤمنين علي رضي الله عنه، هو رابع أربعة سبقوا إلى الإسلام والخير والفضل، فهو رابع الخلفاء الراشدين، وتولى الخلافة قرابة الست سنوات، المنجز فيها لم يكن كبيرًا لأن الزمن كان زمن فتنة، قاتل الخوارج، ثم قاتل البغاة من إخوانه من المسلمين، قضى الست سنوات بين نهروان وصفين والجمل حتى قتل، فإذا قيمت هذا بوصفه منجزاً على الأرض لا تجد منجزات، هل يستطيع أحد أن يقول أمير المؤمنين سيء – حاشاه - لا يمكن.! لكن الظرف لم يكن مناسبًا ومواتيًا، لذلك فنحن لابد أن نُفَهِّم الناس أن تهيئة الظرف أهم من تهيئة الرجل، وتهيئة الظرف يحتاج تهيئة عموم الناس، الرئيس لن ينجح إلا إذا كان الشعب سندًا له بعد الله جل وعلا، يصبرون عليه ويساندونه.

      نحن سعينا في الفترة السابقة إلى جس نبض الشارع في مثل هذه المسائل، ونجحنا في مسائل أثارت علينا الفصيل العلماني، على سبيل المثال المشكلة التي بادر بها الشيخ محمد حسان إلى حلها وهي مشكلة كنيسة سول، لما هدمت كنيسة بسبب أزمة طائفية مفتعلة، وقد عجزت الأجهزة الرسمية كلها أن تحل هذه الأزمة بسبب التشنج، عندما شعر شباب المسلمين بالظلم والقهر خرجوا بانفعال شديد وصل إلى طرد النصارى من القرية وكانت مسألة شاقة وصعبه، ولما ذهب الشيخ وجد 2000 شاب من المسلمين يحملون أكفانهم ويقولون نريد الموت، ولما تكلم معهم الشيخ وذكرهم بالله عز وجل، وذكرهم بالحكم الشرعي، وأنه لا يجب علينا بوصفنا مسلمين أن نعتدي على غيرنا، ثم كلم المسؤولين في البلد وبين لهم كيفية التعامل مع هؤلاء الشباب، وأنه لا يجب أن نتركهم لمن يعبث بأفكارهم، وتم بفضل الله حل الأزمة، واقتنع الشباب بكلام الشيخ.

ولا شك أن هناك فصيل كبير في البلد لا يرضيه هذا، ويريدون أن تكون النار دائمًا مشتعلة، وإذا أطفئت لا تكون عن طريقنا نحن لأنه يعادينا في الفكر.

      كذلك ظهر هذا جليًا في مبادرة الشيخ حسان الأخيرة للاستغناء عن المعونة الأمريكية، ومع ذلك قوبل بتيار عدائي شديد أثر فيه شخصيًا، وكان الهدف من هذه المبادرة إنهاء الوقفات الاحتجاجية الفئوية، والحكومة تفهمت المبادرة جيدًا، والمجلس العسكري تفهمها أيضًا.

- هل يمكن أن يكون هذا التيار معوقاً لـمسيرة الإصلاح في مصر؟

- هذا التيار ليس له وجود على الأرض، لكن له زخم إعلامي كبير؛ حيث ينفق رجال الأعمال الملايين على القنوات الفضائية، ويجندون هذا التيار ضدنا، لكن ماذا حصد هذا التيار في الانتخابات؟ لا شيء؛ وقد اعترفوا بفشلهم الشديد، لكنه في النهاية تيار مشوش، ولكن لا يوقف عمل، ونحن نتعامل معهم باعتبارهم مدعوين، نحن ندعو الجميع لأنهم في النهاية مصريين سواء مسلمين أم نصارى.

- كيف ترون توجيه الناخبين إلى شخص بعينه، ولاسيما أنه بدأت خلافات تظهر في الوسط السلفي بهذا الخصوص؟

- بداية أنا لي رأي في هذه المسألة ربما يأخذ بها المجلس أو لا يأخذ، نحن لا نريد فلسفة القطيع، بمعنى أن يرى الناخب ماذا يريد التيار السلفي ويمشي وراءه، أنا أريد أن يرانا الناس كيف نفكر ويفكرون مثلنا حتى يختاروا على علم وبينة سواء وافقونا في هذا الاختيار أم خالفونا، لكن قضية قولوا لنا حتى نسير وراءكم فأنا لا أحبذها.

      وأحب أن أنبه على نقطة مهمة جدًا وهي أنه يجب أن نربي شبابنا على أن الاختلاف في هذه المسألة أو غيرها من المسائل الخلافية لا يخرج عن المنهج، والمسألة ليست في الاختلاف على شخص بعينه، هل هو الأصلح فنختاره، أو ليس هو الأصلح فنختار غيره.

       وأقول لهم إن الصحابة اختلفوا في هذه المسائل، الصحابة اختلفوا في علي رضي الله عنه وفي أمثاله، وهناك قصة رواها الإمام البخاري في الصحيح حينما خرج أمير المؤمنين علي إلى الكوفة، وخرج طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة للصلح والإصلاح بين الناس، فأرسل علي بن أبي طالب عمار بن ياسر والحسن بن علي للبصرة يدعوهم لنصرته، فصعد عمار المنبر وخطب الناس فقال: تعلمون أنها زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة والله ابتلاكم إياها تطيعونها أم إياه، ثم نزل، فجلس إليه أبي موسى الأشعري وأبي مسعود البدري، فقال له يا أبا اليقظان: والله ما نرى لك من فِهة - أي سقطة- منذ أسلمت إلا إسراعك في هذا الأمر، هم يرونها فتنة؛ فرد عليهما وقال: والله ما رأيت لكما من فهة منذ أسلمتما إلا إبطائكما في هذا الأمر وحدث خلاف، فقام أبي مسعود البدري وكان رجلاً تاجرًا فكسا كل واحد منهما حلة، انظر اختلفوا وثبت كل واحد على ما يرجحه ثم ظلوا متآخين، نريد أن نبث هذا الفقه العقدي في مسائل الخلاف التي ليست مسائل إجماع، هذه ليست مسائل إجماع، لكن هذا الشخص نقول هو الأليق والأنسب أم غيره، وقد يكون في الشخص نفسه معايير كثيرة تجعله هو الأنسب، ومعايير أخرى تسقطه من الحسابات.

       ومن السوءات التي رأيناها بعد الثورة أن كل شخص يريد أن يحمل الأمة على رأيه، ويرى أن الأمة إن لم تسر على رأيه فقد ضلت، وهذا في غاية الخطورة، والأصل أن هذه من مسائل الخلاف، والأصل أن نقول فيها قولة الشافعي رحمه الله: «قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب»، أصوب رأيي لأنني ارتأيته وارتضيته، لكن أيضًا لا أجزم بأنه الصواب، وأنَّ الحق معي يدور حيث درت، هذا ليس منهجاً عاقلاً يحترم نفسه وآدميته، ولهذا أنا أستشهد دائمًا بقصة تعبير الصديق لرؤية في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم  والحديث في البخاري، حينما رأى رجل رؤيا فقال أبو بكر دعني أعبرها يا رسول الله؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلماعبر: فلما عبرها قال يا رسول الله أصبت أم أخطأت؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم قولة عجيبة: أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا، فقال له أبو بكر رضي الله عنه: أخبرني فيما أخطأت؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلمولم يخبره، فقال أبو بكر والله لتخبرني، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقسم ولم يبر يمينه».

      انظر إلى هذا الفقه وهذا الفكر الذي يجعل الشباب يتقول علينا ما لم نقل، ويدعون أنهم يحبون فلاناً ولا يحبون فلاناً مع أن القضية ليست كذلك، أنا دائما أقول لإخواني إن المرشح الذي أعرفه معرفةً شخصية هو: حازم أبو إسماعيل، لكن القضية ليست كوني أعرفه وأحبه أنني أقوم باختياره، لابد أن أعطي نفسي الفرصة والفسحة، فمن أختار لا يجب أن يحمل الأمة على اختياره، ولا تقول إن من لم يقل بقولي سيشق الأمة، ويشق الصف، هذا فهم غير صحيح، حازم نفسه يقول هذا، كفانا عصبية، لا نريد أن يكون منهجنا في هذه الظروف منهج العصبية الجاهلية، لابد أن يكون منهجنا منهج العقلانية التي تنظر في النص الشرعي فتفقهه وتفهمه وتنزله منازله. 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك