رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. ياسر حسين محمود 16 يونيو، 2020 0 تعليق

واجبنا نحو ظهور الدين

 

 

قال الله -تعالى-: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ} (هود: 116)، أي: هلا كان مِن الأُمم مِن قبلكم أولو بقية استمروا على ما كان عليه الأنبياء, وبقوا على الحق الذي بُعث به الأنبياء ينهون عن الفساد في الأرض، وهو الشرك بالله والمعاصي، وترك الواجبات التي أَوجَبَها الله؟!

     فالفساد هو تضييع الفرائض، وفعل المحرمات، وأعظم الفساد تضييع التوحيد، وفعل الشرك والدعوة إليه، قال الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {إِلَّا قَلِيلًا}؛ أي: لم يكن ذلك إلا قليلًا ممَن أنجينا منهم؛ فالله -عَزَّ وَجَلَّ- جعل النجاة لمَن نهى عن الفساد في الأرض، وهذا مما يجعلنا نوقن أن الدعوة إلى الله بالنسبة لنا قضية حياة أو موت.

     إن الأُمَّة الإسلامية تتعرض في هذه الأوقات لمِحنةٍ عظيمةٍ شديدةٍ، وأعداؤها انتبهوا إلى أن مصدر قوتها وعزتها في الالتزام بكتاب الله وسُنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأنهم لا يستطيعون أن يواجهوا مَن يومنون بالله واليوم الآخر؛ فسَعَوا إلى اجتثاث حقيقة هذا الأمر مِن القلوب والأفكار والمجتمع؛ إذ عجزوا عن اجتثاث اسم الدين {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ} (المائدة: 3)، لكنهم لن ييأسوا مِن أن يَترك الناس حقيقة الدِّين، وأن يعتقد الناس الباطلَ على أنه الحق، وأن يعتقدوا الحق باطلًا؛ فتنشأ أجيالٌ لا تدري حقيقة الإسلام ولا أصوله الكبرى وقواعده العظمى.

فإن لم يكن هناك التزام صادق بكتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وإن لم توجد دعوة صادقة مستمرة مهما كانت العقبات ومهما كانت الظروف والتضحيات، ومهما كانت عواقب الأمور -فيما يبدو للناس-, إن لم توجد هذه الأمور فلا شك أن الخطر عظيم جسيم.

لذا نقول: إن لنا دورًا كبيرًا ومُهِمًّا وخطيرًا في تَعَلُّم هذا الدين وتعليمه، وأن نعمل به وندعو إليه مهما كانت التضحيات, ومها كانت العقبات، ونحن نقتدي في ذلك بمَن جعل الله -عَزَّ وَجَلَّ- لنا مِن السابقين أسوة صالحة وقدوة حَسَنَةً في الدعوة إليه والصبر على ما يصيب الداعي في سبيل الله.

     ومِن أعظم العُدَّة في ذلك صُحبة أهل الخير والصلاح، وإن لم نجد فيمَن حولَنا منهم فيكفينا أن نَصحَبَهم في سيرتهم الطيبة وثباتهم وصبرهم على الحق وتضحيتهم في سبيل الله, هذا الأمر يقتضي منا أن نتدبر كتاب ربنا وسُنَّة نبينا - صلى الله عليه وسلم - وسيرة الصالحين مِن قبلنا؛ لأن صحبتهم على صفحات هذا الكتاب المبارك وفي أنوار هذه الأخبار النبوية الموثقة تجعلك باحثًا عن الحق ثابتا عليه -بإذن الله-، وتجد صحبة صالحة على طاعة الله مِن الدعاة إلى الله، أو تَسعى إلى إيجادهم في مجتمعك الذي يحيط بك, ثم تجتمعون على ما أمر الله به من البر والتقوى، قال -تعالى-: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة: 2)؛ فيكون ذلك مِن أعظم أسباب الثبات على الدِّين، ومِن أعظم أسباب ظهور الدِّين الذي هو حاصلٌ بلا شك.

     والبشارة بذلك مِن واجبات المؤمنين على الدوام: قال -تعالى-: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (يونس: 87)؛ فتبشير المؤمنين بما وَعَد الله عبادَه مِن النصر والتمكين وظهور الدين وزوال سلطان الباطل وزهوقه مِن أهم الواجبات، وقد ذكر الله في كتابه هذه المبشرات ليزداد المؤمنون إيمانًا ويقينا بنهاية الصراع بين الحق والباطل لصالح أهل الحق, قال -تعالى-: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (التوبة: 33)، وقال -تعالى-: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ. إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ. وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} (الصافات: 171-173)، وقال -سبحانه-: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ. إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ. وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: 105 -107)، وإن كان الطريق طويلًا والعقبات كثيرة, إلا أن النهاية محسومة لصالح أهل الإيمان والإسلام.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك