واجبنا في التصدي للفساد
الإفسادُ في الأرض شِيمَة المجرِمين، وطبيعة المخرِّبين، وعمل المفسِدين؛ ففيه ضَياعٌ للأملاك، وضِيقٌ في الأرزاق، وسُقُوطٌ للأخلاق، إنَّه إخفاقٌ فوق إخفاق، يُحوِّل المجتمع إلى غابَةٍ يأكُل القوي فيه الضعيف، وينقضُّ الكبير على الصغير، وينتَقِم الغني منَ الفقير، فيزداد الغنيُّ غنًى، ويزداد الفقير فقرًا، ويَقوَى القويُّ على قوَّته، ويضعُف الضعيف على ضعفه!. والفسادُ داءٌ مُمتدٌّ لا تحُدُّه حدودٌ، ولا تمنعُه فواصِلُ، يطَالُ المُجتمعات كلَّها مُتقدِّمها ومُتخلِّفها بدرجاتٍ مُتفاوِتة.
وشرائع السماء كلها نهت عن الفساد في الأرض، ودعت الناس إلى عدم الانقياد للمفسدين أو معاونتهم؛ فإن من أعانهم أو رضي بأفعالهم أو تستر عليهم فهو شريك لهم في الإثم، وقد نهى الله -تعالى- عن ذلك، قال -تعالى-: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} (الأعراف: 56).
والإفساد في الأرض أمر يجب التحذير منه والتنبه له؛ لأنه أمر مخالف لدعوة الأنبياء والرسل -عليهم السلام- الذين جاؤوا بالإصلاح في الأرض، وإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله عز وجل.
مِنْ طَبِيعَةِ الْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَنَّهُمْ يَتَشَاءَمُونَ بِالْمُصْلِحِينَ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ سَبَبُ بَلَاءِ الْبَشَرِ، وَانْتِكَاسِ حَالِهِمْ، وَتَرَدِّي أَوْضَاعِهِمْ، وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ الْأَقْدَمُونَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ، وَتَشَاءَمُوا مِنْ رُسُلِهِمْ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَادَّعَوْا أَنَّهُمْ سَبَبُ مَا يُصِيبُهُمْ مِنَ الْبَلَاءِ؛ فَقَبِيلَةُ ثَمُودَ تَطَيَّرُوا بِصَالِحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، {قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} (النَّمْلِ: 47).
فليحذَر المسلم أن يكونَ من أهلِ الإفساد من حيث لا يشعر، وليتدبَّر أمرَه، وليتَّق الله فيما يأتي ويذر، وليفكِّر في أيِّ أمرٍ يريده، وليعرِض ذلك على الكتاب والسنة، ليعلَم الخطأ مِن الصواب؛ فإنّ مَن كان الهوى يقودُه أضلَّه بغير هدى.
فكيف عميت أبصارهم؟ وكيف صمت آذانهم؟ وكيف قست قلوبهم؟ فأحلو الحرام، وحرموا الحلال، وأنكروا ما علم من الدين بالضرورة، فكذبوا على الله وكذبوا على رسوله، وقد قال -تعالى-: {وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (النحل: 116 - 117).
علينا أن نتعاون جميعاً على محاربة الفساد، وأن نجعله قضية اجتماعية؛ فلا نجاةَ للعباد إلا إذا حارَبوا الفساد، سواء كان اعتقاديّا أم فكريّا أم عمليّا، بأنواعه كلها فقد قال -تعالى-: {فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِى الأرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ} (هود116).
جعل الله العاقبة الحسنى لمن ابتعد عن الفساد، وكان أميناً مخلصاً في هذه الحياة الدنيا، يقول الله -سبحانه-: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (القصص:83)؛ فالذين ابتعدوا عن الفساد بأنواعه كلها هم الذين لهم الدرجات العلا في الجنة، نسأل الله ألا يحرمنا ذلك. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
لاتوجد تعليقات