هَمٌ الداعية هداية الخلق
ينبغى أن يكون هُّم الداعية هداية الخلق, وله في الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام أسوة، وكذا الدعاة المخلصون، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: «لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ» (الشعراء :3). ولحرص الأنبياء الكرام على هداية الناس، صبروا على أذاهم, وتلطفوا معهم فى الخطاب, فهذا نوح عليه السلام كما جاء في القرآن الكريم: {قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ، قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ، أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (الأعراف:60-62).
وهذا هود عليه السلام: {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ، أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} (الأعراف:66-68).
وهذا شعيب عليه السلام قال الملأ الذين استكبروا من قومه: {لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ، قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} (الأعراف:88-89).
وهذا مؤمن آل ياسين لشدة حرصه على هداية قومه لما قتلوه وعاين كرامة الله عز وجل قال: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} (يس:26-27)، فنصح قومه فى حياته وبعد مماته.
وهذا الغلام فى قصة أصحاب الأخدود بذل نفسه من أجل هداية قومه وكان من ثمرة بذل نفسه قول الناس «آمنا برب الغلام».
فينبغى على الداعية أن يكون أكبر همه هداية الناس ويعينه على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أَجْرِ مَنِ اتَّبَعَهُ ، لَمْ يَنْتَقِصْ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا، خير لك من حمر النعم».
والهداية تنقسم الى نوعين: هداية البيان, وهي التي يقدر عليها الرسل وأتباعهم، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (الشورى:52).
والنوع الثانى من الهداية وهو الهداية الكاملة: بمعنى خلق الهدى في قلوب الناس, وشرح صدورهم للإسلام، قال تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}، وقال تعالى: {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ}، وهذا النوع من الهداية لا يقدر عليه أحد إلا الله تعالى.
ونحن نسأل الله تعالى أن يهدينا الصراط المستقيم في كل ركعة، والصراط المستقيم هو العلم النافع والعمل به، فنحن نسأل الله تعالى في كل ركعة مزيدا من الهداية، والله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ}.
فالله تعالى يكافئ على الهداية بالهداية كما يكافئ على الحسنة بالحسنة، فمن ثواب الحسنة الحسنة بعدها، ومن عقوبة السيئة السيئة بعدها.
فالداعية الصادق لا بد أن يكون همه هداية الناس، فهو لا يهدف إلى المزيد من الشهرة أو كثرة الأتباع، أو عرض زائل من أعراض الدنيا، ولكنه يهدف إلى هداية الناس، ونسأل الله تعالى أن يهدينا إلى صراطه المستقيم، قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: ما تصدق مؤمن بصدقة، أحب الى الله تعالى من موعظة يعظ بها قومه، فيفترقون وقد نفعهم الله تعالى بها، وقال سفيان الثوري: لا أعلم في العبادة شيئاً أفضل من أن يعلم الناس العلم.
لاتوجد تعليقات