رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. عز الدين بن زغيبة 18 أغسطس، 2015 0 تعليق

هيئات الفتوى والرقابة الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية- أهميتها.. معوقات عملها.. وحلول مقترحة

إن مقصد الشريعة من الخلق ستة أشياء هي: حفظ دينهم ونفوسهم وعقولهم ونسلهم وأموالهم وحريتهم، وأناطت كل واحدة منها بجملة من الأحكام تحفظها من جانب الوجود، كما تحفظها من جانب العدم. وقد نال المال من تلك الأحكام قسطاً وافراً؛ فإليه ترجع أحكام المعاملات، وبعض أبواب العبادات، وطرف من المناكحات والحدود والعقوبات؛ لأن المال لما كان هو قوام الأديان والأبدان، وسببا لبقاء الأجسام، وحياة للبشر وسر رفاهيتهم، ووسيلة جلب مصالحهم، وآلة لطلب المعالي، وأدلة لنيل الأماني، وزينة للحياة الدنيا، وطريقا إلى النجاة في الأولى والآخرة؛ كانت له المكانة السامية في الاعتبار والاهتمام.

     ولما كان رواج الأموال وانتقالها بين أيدي الناس مقصداً شرعيا عظيما، دلت عليه الأوجه المختلفة للترغيب في المعاملة بالمال، جاءت المؤسسات المالية للعمل على تسييره، وتيسير سبل سيولته، وإحكام آليات دورانه، وتنظيم قوانين رواجه، فابتعدت به عن الحلال، وسلكت به سبل الحرام، فاحتاج الوضع إلى بديل يقوم مقامه، ويرد الشارد إلى أصوله، فجاءت المؤسسات المالية الإسلامية إنقاذا للأموال من مزالق الحرام وحفظا لشعور المسلمين من الانخرام بسبب حرج الإقدام والإحجام، فوضعت على نفسها رقيبا يأخذ بيدها إلى سبل الحلال، ويوجهها عند الاستشكال، ويرشدها عند مواقع الاختلال، ويردها إلى جادة الطريق إذا انحرفت إلى سبل الضلال، وهذا الرقيب هو هيئات الفتوى والرقابة الشرعية.

     وبناء عليه فقد نصت العديد من التشريعات المنظمة لعمل المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية في الدول التي تسمح بنظام الصيرفة الإسلامية على وجوب هيئة للرقابة الشرعية للمؤسسة المالية الإسلامية أو المؤسسات التقليدية التي ترغب في تقديم خدمات الصيرفة الإسلامية عبر النوافذ الإسلامية أو الفروع الإسلامية.

تعريف الرقابة

أولاً: الرقابة لغة:

قال ابن فارس: الراء والقاف والباء أصل واحد مطرد يدل على انتصاب لمراعاة شيء.

استعمل لفظ «رقب» في اللغة للدلالة على معان متعددة نذكر منها ما يأتي:

1- الانتظار:

يقال ترقبه، وارتقبه، أي انتظره، ومنها ترقبته، وارتقبته، أي انتظرته، وعلى هذا المعنى جاء في القرآن الكريم (خائفا يترقب) القصص 18، والترقب هنا بمعنى الانتظار كما بين ذلك أهل التفسير. وقوله تعالى (فارتقبهم واصطبر) القمر 27، قال القرطبي: فارتقبهم أي انتظر مايصنعون،

2- الحفظ:

     تقول: رقب الشيء يرقبه، وراقبه مراقبة ورقاباً، والرقيب هو الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء، وفي هذا المعنى جاء في القرآن الكريم {لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة} التوبة 8، وقوله تعالى {لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة} التوبة10، وأصل الرقوب النظر بطريق الحفظ والرعاية ومنه الرقيب ثم استعمل في مطلق الرعاية.

3- الأمانة:

الرقيب هو الأمين، كما ذكر ذلك المرتضى الزبيدي.

ثانياً - الرقابة اصطلاحاً:

لقد عُرِّف مصطلح الرقابة عند علماء الإدارة بتعريفات عديدة نذكر منها الآتي:

1- هي عملية التحقق من مدى إنجاز الأهداف المبتغاة، والكشف عن معوقات تحقيقها، والعمل على تذليلها في أقصر وقت ممكن.

2- هي عملية مستمرة تستهدف التأكد من قانونية نشاط الإدارة، ومدى مطابقته للغاية المرسومة في حدود الوقت المعين، والتكاليف المقررة والنتيجة المرجوة، وذلك ضمن مبررات وجود الإدارة، ألا وهي الصالح العام.

3- هي وسيلة يمكن بواسطتها التأكد من مدى تحقق الأهداف بكفاية وفاعلية في الوقت المحدد.

وقد ذهب صاحب كتاب (الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية) إلى ترجيح التعريف الأخير معللا ذلك بكونه مختصراً ومحدداً لماهية الرقابة، وهو ما نميل إليه هنا.

ثالثا - مفهوم الرقابة الشرعية:

إن مفهوم الرقابة الشرعية مصطلح حديث، فهو ينسل من رحم الاجتهاد الجماعي الذي ظهر مصطلحه في بداية النصف الأول من القرن العشرين، فلذلك نجد محاولات تعريفه وتحديد معناه كثيرة وعديدة، وسنكتفي في هذا البحث بإيراد بعضها، والإشارة إلى الآخر.

1- تعريف الدكتور أحمد العبادي:

الرقابة الشرعية هي: حفظ العمل المصرفي الشامل وتقويمه وفق الأسس الشرعية للمعاملات والخدمات والعلاقات المصرفية بين المصارف بعضها بعضا؛ مما يؤدي إلى تنميتها، وحسن استثمارها، وهذا تعريف للرقابة الشرعية بأهدافها.

2- تعريف الدكتور عبدالمجيد صالحين:

     إن الرقابة الشرعية على المصارف الإسلامية تعني مراجعة النشاطات المصرفية التي تقوم بها المؤسسات المالية الإسلامية للتأكد من مطابقتها لأحكام الشريعة الإسلامية، ومتابعة العمليات المصرفية وبيان المخالفات إن وجدت، واقتراح الحلول المناسبة لتصويبها، ومراجعة العقود التي تبرمها هذه المؤسسات مع عملائها، وصياغة العقود المناسبة التي تتفق وأحكام الشريعة الإسلامية.

3- تعريف الدكتور حسين شحاته:

     الرقابة الشرعية هي: متابعة كافة الأعمال والتصرفات والسلوكيات التي يقوم بها الأفراد والجماعات والمؤسسات والوحدات وغيرها وفحصها وتحليلها؛ للتأكد من أنها تتم وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية وقواعدها. وذلك باستخدام الوسائل والأساليب الملائمة المشروعة، وبيان المخالفات والأخطاء وتصويبها فوراً، وتقديم التقارير إلى الجهات المعنية، متضمنة الملاحظات والنصائح والإرشادات وسبل التطوير إلى الأفضل.

4- تعريف شركة الراجحي المصرفية للاستثمار:

الرقابة الشرعية هي: التأكد من مدى مطابقة أعمال المؤسسة المالية الإسلامية لأحكام الشريعة الإسلامية حسب الفتاوى الصادرة، والقرارات المعتمدة من جهة الفتوى.

كما قام بتعريفها عدد آخر من الباحثين، منهم الدكتور محمد عبدالحكيم زعير، والدكتور فارس أبو معمر، والأستاذ سعود الربيعة، والدكتور عبدالستار أبو غدة، والأستاذ بكر الريحان، والدكتور عوف الكفراوي وغيرهم.

     وذهب الدكتور عبدالحق حميش والأستاذ حمزة عبدالكريم محمد حماد، إلى تبني تعريف شركة الراجحي المصرفية، معللين ذلك بكونه، واضحا وشاملا ومختصرا، وزاد الأستاذ حمزة عبدالكريم محمد حماد بأن التعريف قد ميز بين هيئة التدقيق من جهة وهيئة الفتوى من جهة أخرى تمييزا واضحا.

ويرى الدكتور جمال الدين عطيوة أنه يجب عند صياغة مفهوم الرقابة الشرعية أن يستوعب الجهود التحضيرية للمصرف المتمثلة في الداعين للفكرة والممهدين لها سبل الظهور للواقع العملي من منظرين ومشخصين ومؤسسين؛ فلا يخفى ما لهم من تأثير في اختيار منحى السير ومراقبته.

ومن خلال تتبعنا للتعريفات السابقة نستخلص التعريف الآتي الذي نراه أكثر تماشيا مع المقصود فنقول:

الرقابة الشرعية هي: متابعة المؤسسات المالية الإسلامية في تنفيذ تصرفاتها، والتأكد من مطابقتها لأحكام الشريعة الإسلامية، حتى لا يعود سعيها في تحصيل مصالحها بإبطال ما أسس لها من قواعد، وأصدر لها من فتاوى، واعتمد لها من قرارات من جهة الاختصاص.

بعد تعريفنا لمعنى الرقابة في اللغة والاصطلاح لا بد من التعريج على المقصود بهيئة الفتوى والرقابة الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية، وفي هذا المقام نكتفي بما ذكره الدكتور عبدالحق حميش؛ حيث عرفها بما يأتي:

     هيئة الفتوى والرقابة الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية هي: جهاز مستقل من الفقهاء الشرعيين والاقتصاديين المتخصصين، يعهد إليهم توجيه نشاطات المؤسسات المالية الإسلامية، ومراقبتها والإشراف عليها بالتأكد من التزامها بأحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها وتكون فتاواها وقرارتها ملزمة للمؤسسة.

والملاحظ أن هذا التعريف قد أدخل فيه ما ليس منه وهو أن قرارات الهيئة ملزمة للمؤسسة، وهذا قيد ليس من قيود التعريف وإنما هو من قبيل الأمور الإدارية المتعلقة بعمل الهيئة.

     والجدير بالذكر هنا أن هذه الجماعة من العلماء والخبراء الذين يقومون بهذا العمل قد أطلقت عليها مسميات عديدة منها: الهيئة الشرعية، هيئة الإفتاء أو هيئة الفتوى، اللجنة الشرعية، لجنة الافتاء واللجنة الدينية، المجلس الشرعي، هيئة الرقابة الشرعية، ولجنة الرقابة الشرعية، وقد ذهب الدكتور الضرير والدكتور الزحيلي إلى تسميتها بالهيئة الشرعية دون إضافة قيد الفتوى والرقابة، وذهب الدكتور عبدالحق حميش إلى ترجيح ما اعتمده عدد من الباحثين وهو تسميتها بهيئة الفتوى والرقابة الشرعية، وهو الرأي الذي نميل إليه لوجاهته، وتلاؤمه مع أوصاف الأعمال المنوطة بالهيئة أو اللجنة حسب التسمية المعتمدة من قبل الجهة المعنية.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك