رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: رجب أبو بسيسة 2 أبريل، 2018 0 تعليق

همسات للمعلمين والمعلمات- القدوة الحسنة وأثرها في التغيير

القدوة الحسنة هي الركيزة الأساسية في المجتمع، وهي عامل التحوُّل السريع الفعَّال؛ فالقدوة عنصر مهم في كلِّ مجتمع، فمهما كان أفراده صالحين، فهم في أمَسِّ الحاجة للاقتداء بالنماذج الحيَّة، كيف لا؟ وقد أمرَ الله نبيَّه - صلى الله عليه وسلم- بالاقتداء، فقال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} (الأنعام: 90)، وتعد القدوة في العملية التعليمية على جانب كبير من الأهمية؛ لأنها الوسيلة الأكثر فاعلية؛ حيث تعمل القدوة على تقديم نموذج سلوكي حي يكون المتعلم حياله أكثر استجابة وتأثيراً، فيعمل على محاكاة ذلك النموذج، ويحاول أن يتشربه، حتى يصل إلى درجة من التوحد مع ذلك النموذج.

 

لا تتسرع في الحكم

     أيها المعلم، لا تتسرع في الحكم على الطالب من مظهره الخارجي، أو قصة شعره، أو كثرة حركته، والشغب الذي يصدر منه؛ فبداخله خير وفطرة سوية وطاقات كامنة تحتاج إلى من يكتشفها، وهذا هو دورك؛ ففتش عن الخير بداخلهم وابحث عنه برفق ولين تصل -بإذن الله سبحانه وتعالى- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه»، فإياك وسوء الظن بهم أو اعتقاد أنهم لن يصلح منهم أحد! ولكن تأمل ما فعله المربي الأول صلى الله عليه وسلم.

     يقول أبو محذورة: كنت مع أصحابي عاشر عشرة من مكة نلعب قرب مكة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عائدون من غزوة حنين؛ فلما اقترب منا طلب من أصحابه أن يستريحوا في هذا المكان، ثم طلب من المؤذن أن يؤذن في الناس إلى الصلاة، وانطلق صوت بلال مؤذن رسولصلى الله عليه وسلم يملأ جنبات الوادي، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يستعدون للصلاة، فرحت أسخر مع أصحابي من أذان المؤذن بترديد ما يقوله بلال، وارتفع صوتي عاليا وأنا أردد ما يقوله المؤذن مستهزئا؛ فسمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل في طلبنا؛ فلما وقفنا بين يديه خفنا منه؛ فكنت أكثر خوفا؛ فقال صلى الله عليه وسلم وقد ملأت الابتسامة وجهه: «أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع؟»، أشار أصحابي كلهم إليَّ؛ فنظر إليَّ وتبسم، ومرر يده الشريفة على رأسي وصدري، فزال ما بي من خوف، ثم طلب مني أن أؤذن في المسلمين بعد أن علمني الأذان.

الحوار والنقاش

- أيها المعلم: من الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها المعلم استعمال طريقة الحوار والنقاش، وهذا الأسلوب هو الذي يتماشى مع نفسية الطالب في هذه المراحل العمرية؛ إذ إن الطالب في هذه المرحلة يبحث عن ذاته، ويحب أن يرى لنفسه قيمة لدى من يحاوره ويتكلم معه.

     إذا استعمل المعلم الحوار والنقاش بهدوء ورفق مع الابتسامة التي هي بمثابة عربون المودة ومقدمة لبناء علاقة جيدة مع الطالب نجح في بناء مفاهيم وقيم عند الطالب، قد لا توجد إلا بهذه الطريقة. مع الأسف بعض المعلمين لا يعطي مساحة للطالب ليناقشه ويحاوره، ويعتمد طريقة التبكيت، والتثبيط، والتحبيط، والتعليقات، الساخرة حتى يكاد يصرخ الطالب ويقول: متى يسمعني هذا المعلم ويحاول أن يفهمني؟ كم من الطلبة عندهم هموم ومشكلات تواجههم، والبيت لا يسمع لهم، والمعلم لا يناقشهم ولا يحاورهم؛ فعندها لا يبوح الطالب بأسراره إلا لمن في سنه، مع ما ينقص هذا العمر من خبرات وتجارب؛ فالمعلم الذي يعتمد طريقة الحوار يبني الصواب ويساعد عليه.

وهناك بعض المعلمين يعتمد طريقة التعميم، وأحيانا يبالغ في ذلك؛ فتجده سرعان ما يعمم الحكم على هذا الجيل، أو على كل أفراد فصله الدراسي بالفشل وعدم الفهم والإدراك!

ولا شك أن التعميم خطأ والقاعدة التي يستخدمها بعضهم (السيئه تعم)، قاعدة خطأ وتتنافى مع مفاهيم التربية؛ لذلك فليحذر المعلم من الإطلاقات التي ربما تضيع كثيرا من الطاقات والإمكانات.

التشجيع والدعم المعنوي

- أيها المعلم: طلابك كما تنظر إليهم يكونون؛ فإن نظرت إليهم على أنهم قادة المستقبل، وأمل الأمة تحرك لديك الهم والحرص على الارتقاء بهم، وإذا كان العكس تعاملت معهم بفتور وإهمال وتراخ.

أيضا نقول: التشجيع والدعم المعنوي له مفعول السحر لدى الطالب؛ فكم من معلم كان تشجيعه سببا في صناعة أفراد صالحين وإيجابيين، وكم من معلم حطم معنويات وقتل طاقات؛ بسبب كلمة قالها لم ينتبه لها!

فاستخدام التشجبع في التربية من أفضل الوسائل التي تقوي العلاقة بين المعلم وطلابه.

تأمل هذا الموقف!

     كان خط أحد الطلبة رديئا جدا؛ فقال له معلمه: «خطك يشبه خط العلماء»؛ فكانت هذه الكلمة بمثابة الانطلاقة لتحصيل العلم والارتقاء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشجع ويحفز؛ فلما سأل أبي بن كعب رضي الله عنه : «أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟»، فقال أبي: «أية الكرسي»؛ فشجعه صلى الله عليه وسلم بقوله: «والله ليهنك العلم أبا المنذر»، وكان صلى الله عليه وسلم يقول لبعض أصحابه عندما ينهي عملا أو يقوم بمهمة «أفلح الوجه».

فكم يحتاج المعلم إلى اعتماد استراتيجية التشجيع والتحفيز للقيام بالمهام والارتقاء بالمستوى؛ فالدعم المعنوي بمثابة الروح إذا وجدت في الجسد، فإذا امتنع المعلم عنه يصبح الطالب جثة هامدة لا حراك فيها!

روح وعقل

أيها المعلم: الطالب الذي بين يديك كما أنه جسد؛ فهو روح وعقل؛ فخاطب روحه وعقله بالتشجع والتحفيز، ولا تبخل على نفسك بالأجر والحسنات الجارية، وخطابك لمشاعره وأحاسيسه من أقوى أسباب تقوية الثقة بينكما وتيسير قبول النصح والتوجيه منك.

همسات للمعلمة

كل ما ذكرناه للمعلم هو في الحقيقة يخاطبك أيتها المعلمة الفاضلة والأستاذة النبيلة، ولكن نخصك ببعض المعاني؛ لما لك من دور عظيم.

تحديات وفتن أكبر

     أيتها المعلمة الفاضلة، لا يخفى عليك ما تواجهه الفتاة من تحديات وفتن أكبر من خبرتها وتجربتها التي لم تنضج بعد، ويزداد الأمر خطورة حينما تقدم هذه الفتن في صورة مغلوطة، وفي ثوب براق وشعارات ساحرة، مثل: الحريات والانفتاح والمساواة بين الرجل والمرأة التي في الحقيقة مجرد كلام معسول وشعارت زائفة.

الفتاة المسلمة

     أيتها المعلمة الفاضلة: معلوم أن الغرب يوجه سهامه إلى الفتاة المسلمة؛ لأنه يدرك أن بفسادها يفسد المجتمع وينحرف؛ فهم يريدون أن يتسللوا إلى المرأة والفتاة المسلمة التي عرفت عبر التاريخ بحيائها وحشمتها وأمانتها على مجتمعها؛ لما تمتاز به من عفة وطهارة ونقاء، مع ريادتها وبدورها الرائد في إعداد الأجيال وصناعة القادة وتربية الأبطال عندما تكون في مصاف الأمهات، والزوجات، والمعلمات الصالحات الطاهرات.

الاعتزاز بالهوية

أيتها المعلمة الفاضلة، نأمل أن يتحقق على يديك غرس قيم الاعتزاز بالهوية والتمسك بالوحي المنزل، وغرس الوازع الديني، والأخلاق الحميدة في نفوس الفتيات؛ ليكونَّ غدا -بإذن الله- مصدر إشعاع للخير ولحمل الرسالة والاعتزاز بالهوية والتمسك بها.

نريد منك نشر الحياء، والطهر، والعفاف، والاستعفاف ليصبح واقعا عمليا في سلوك الفتاة اليوم، وكذلك عندما تكون زوجة.

     نريد منك أن تكوني قدوة لهن؛ فتلك من أهم الأمور -من وجهة نظري- وأخطرها على الإطلاق؛ قدوة لهن في أخلاقك وسلوكك وحيائك، مع إبراز القدوات الصالحات أمام الفتيات للاقتداء بهن ومحاكاتهن في شؤون الحياة جميعها، ولاسيما في هذا الواقع المسموم الذى يبرز القدوات من النساء في صورة ممثلة، أو عارضة أزياء، كأن المرأة سلعة تباع وتشترى! لكن الإسلام تعامل مع المرأة على أنها جوهرة ثمينة لها قدر وقيمة؛ فكان منهن عبر تاريخ الإسلام قدوات صالحات ونماذج يحتذى بها، كأسماء بنت أبى بكر، وخديجة، وعائشة، وآسيا زوجة فرعون -رضي الله عنهن جميعا.

مسؤولة أمام الله -عز وجل

أيتها المعلمة الفاضلة، أنت مسؤولة أمام الله -عز وجل- وسلوكك وعملك وحرصك على فتيات اليوم داخل مدرستك يشهد لك أو عليك، يقول -سبحانه وتعالى-: {وقفوهم إنهم مسؤولون}.

     وفي الختام: ندرك أن وقتك مشغول والإمكانات محدودة، والتحديات أمامك كثيرة وكبيرة، وهناك من يتعمد عدم إعطائك حقوقك التي لك سواء كانت معنوية أم مادية، لكنك بصبرك واحتسابك وصدق نيتك وإرادتك وإخلاصك وانتظارك الفرج وحسن توكلك تستطيعين أن تفعلي الكثير، وترضي ربك وتكوني من المحسنين؛ فالسعادة الحقيقية في العطاء والبذل، وهو المرجو منكن.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك