رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: مركز سلف للبحوث والدراسات 20 يونيو، 2019 0 تعليق

هل يلزم من القول بصحة صحيح البخاري مساواته بالقرآن الكريم؟


يَستخدم مروِّجو وهمِ الأبراج وقراءةِ الكفّ وسيلةً خادعةً لجَذب النَّاس، وهي: إطلاقُ كلماتٍ عامَّة فَضفاضة هُلاميّة تَصدُق على أناسٍ كثيرين؛ فتجدُهم يقولون: أنت في هذا اليوم ستكونُ مبتهجًا؛ فتجدُ الإنسانَ الذي يُصدِّق هذا يربِط أيَّ فرح يمرُّ به في اليوم بهذا الكلام، وهو فرَحٌ طبيعي يمرُّ بأيِّ إنسان في أيّ يوم!

     وهذه الوسيلةُ تُستخدم كثيرًا في الترويج للباطل، وقد استخدمه المبتدعة قديمًا للترويج لبدَعهم وضلالاتهم؛ فجاؤوا بألفاظٍ مُجملةٍ تحتَمل معاني صحيحةً وأخرى باطلة، ولا يُمكن معرفةُ الصحيح والباطل فيها بمجرَّدها، وإنما لابد من التفصيل فيها؛ كلفظ الجسم والحركة والجوهر والعرَض وحلول الحوادث وغيرها.

تزويرٌ للحقيقة

     وتعمُّد إطلاق مثل هذهِ الألفاظ في توصيف حقائق معيَّنة هو تزويرٌ للحقيقة، وتضليلٌ للسامعين، بل هو أصل ضلال بني آدم كما يقول ابن القيم -رحمه الله-: فأصل ضلال بني آدم منَ الألفاظ المجملة والمَعاني المُشتبهة، ولاسيما إذا صادفت أذهانًا مخبطة؛ فكيف إذا انضاف إلى ذلك هوى وتعصب؟!

كلمات مجملة

وهذه الكلمات المُجملة لها أثرها على النُّفوس؛ فإن الشُّبه خطَّافة، والكلمات المجملة تزيدها بهاءً لاحتوائها على بعض أوجُه الحق، ومثل هذا يفعله اليومَ بعض الطَّاعنين في صحيح البخاري -رحمه الله- كهذهِ الشُّبهة التي نناقشها في مقالنا هذا.

شبهة مساواة صحيح البخاري بالقرآن الكريم

إن الطَّعنَ في البخاري -رحمه الله- وصحيحه ليس وليدَ اليوم؛ فقد دأب كثيرٌ من الذين كرهوا ما أنزل الله من أعداء الإسلام ومنَ المتأثّرين بهم على الطعن فيه بمتشابهٍ من القول، أو بباطلٍ واهٍ يتهاوى أمام أدنى تأصيل علميٍّ.

ومن تلك الشبهات التي تُثار اليوم قول أحدِهم: إذا كان كتابُ البخاريّ صحيحًا فهو مثل القرآن، لكنَّه ليس مثل القرآن، فهو غير صحيح!

 مغالطةً واضحة

     والنَّاظر في هذه الشبهة يجدها مغالطةً واضحة، يُلبَّس بها على الناس بألفاظ مجمَلة دون تبيين؛ فما معنى أنَّ صحيح البخاري مثل القرآن؟ أمِن جهة فضله؟ أم من جِهةِ تواتره؟ أم من جهة حجّيَّته؟ أم من جهة العملِ به؟ وكل هذه الجهات لها أحكامها الخاصَّة، واختزالُها في نصف سطرٍ للتشكيك في البخاري يتنافى مع أصولِ البحث العلمي.

 تفنيد هذه الشبهة

     وإذا نظرنا في هذا الاستدلال وجدنا أن المقدِّمتين غير صحيحتين؛ فقوله في المقدمة الأولى: «إن كان البخاري صحيحًا فهو مثل القرآن» فإنَّه صحيح، لكنه ليس مثله من كل وجه، بل هما متفاضلان في وجه الصحة، وأمَّا المقدمة الثانية وهي: «لكن البخاري ليس مثل القرآن؛ فهو ليس بصحيح»؛ فهي أيضًا غير صحيحة؛ لما قلناه من عموم هذا اللفظ وعدم دقَّته؛ فلا يقال بإطلاق: هو مثله أو ليس بمثله، وبالضَّرورة؛ فإنَّ النتيجةَ التي خرج بها من المقدمتين غير صحيحة.

     وهذا الاحتجاج مثل أن تقول:  إن كان المصباح مضيئًا؛ فهو مثل الشمس، لكنَّه ليس مثل الشمس؛ فهو ليس بمضيء! وواضحٌ أن المصباح لا يشبِه الشمس من الوجوه كلها، لكنَّه يبقى مضيئًا؛ فكانت النتيجة غير صحيحة؛ لأنَّ المقدمات غير صحيحة؛ فالاشتراك في بعض الأوجه لا يعني التَّماثل من كلّ الوجوه؛ فكما أنَّ المصباح مضيءٌ والشمس مضيئة ولم يلزم من هذا التَّماثلُ بينهما؛ فكذلك القرآن صحيحٌ ثابت ويجب العمل به، والبخاري صحيحٌ ثابتٌ ويجب العمل به، ولا يلزم من هذا أنَّ البخاري مثل القرآن من كل وجه؛ فالتفصيل والبيان هو الواجب في مثل هذا المقام، والإجمالُ مجرَّد تلبيس وإضلال، وتشبيه صحيح البخاريّ بالقرآن له حيثيّات عديدةٌ نبينها في الآتي:

شبَههُ بالقرآن؛ من حيث الفضل

     فإن البخاري ليس مثلَ القرآن؛ من حيث الفضل، ولم يقل أحدٌ بذلك؛ فلاشكَّ أن فضل القرآن أعظم من فضل السنة عمومًا، وفضله يظهر في الأجر العظيم المترتّب على تعلُّمه كما في الحديث الصحيح: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»، ويظهر في التعبّد بتلاوته كما في الحديث: «اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، اقرؤوا الزَّهراوين: البقرة وسورة آل عمران؛ فإنّهما تأتيان يومَ القيامة كأنهما غمامتان -أو: كأنهما غيايتان، أو: كأنهما فِرقان من طير صواف-، تحاجان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البَطَلة».

من حيث ألفاظه

فإنَّ صحيح البُخاري ليسَ مثل القرآن من هذه الحيثية؛ فالقُرآن ألفاظُه ومعانيه مِنَ الله -سُبحانه وتعالى-، والأحاديث ليست كذلك، إلَّا الأحاديث القُدسيَّة؛ ففِيها خلافٌ معروف.

من حيث الإعجاز

 فإنَّ صحيح البُخاري ليس مثل القرآن في الإعجاز؛ فالقرآن معجز، ومُتحدًّى به، والأحاديث ليست كذلك.

من حيث الثبوت

 وهنا أيضًا صحيح البخاري في درجة ثبوت أحاديثه أقلُّ درجة من القرآن؛ فإن القرآن كلّه منقول إلينا نقلًا متواترًا، أمَّا أحاديث صحيح البخاري فليست كلها متواترة، وإن أفاد معظمها العلم.

من حيثُ إنه وحي

      فالبخاري والقرآن يتشابهان من هذه الحيثيَّة؛ فكلاهما وحيٌ من عند الله -سبحانه وتعالى-، ومن أصرح الآيات التي تدلّ على أن السنة وحي من الله -سبحانه وتعالى- قوله -تعالى-: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (النجم: 4)؛ فإنَّ الضمير راجعٌ إلى المنطوق؛ فكل ما ينطق به النبي صلى الله عليه وسلم وحي، وكلُّ الآيات التي تتحدَّث عن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه تصب في هذا الجانب، ومن ذلك قوله -تعالى-: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (آل عمران: 132)، وقوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (النساء: 59)، وقوله -تعالى-: {مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} (النساء: 80).

من حيث حجيته ووجوب العمل به

     فإن صحيح البخاري مثل القرآن من هذه الحيثية أيضًا؛ فما ثبتَ من الحديث وكان صحيحًا، وجب الاحتجاج والعمل به؛ وذلك لأنهما -أي: القرآن وصحيح البخاري- مشتركان في الوصف الذي يجعلهما حجة؛ فالقرآن نقول بحجيَّته؛ لأنَّه وحي، وكذلك الحديث إن ثبت أنه وحي -كما هو الشأن في صحيح البخاري-؛ فهو محتجٌّ به؛ فالعبرة بالوصف الجامع بينهما المقتضي لهذا الحكم وهو وجوب العمل به؛ فالقرآن والسنة يشتركان في هذا الوصف؛ فوجب أن يشتركا في مقتضاه.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك