هل يفرحكم تصدر نواب غير ملتزمين ؟
منذ أن حل سمو أمير البلاد مجلس الأمة فُتحت أبواق خامدة وأقلام حاقدة ونفوس دنيئة لتشويه صورة الملتزمين والتلبيس على الدهماء، فبيوتهم زجاجية لو فُتحت لسقطت مع أول جولة، ولكن ما هكذا يتم التعامل في تنظيم أدب الخلاف ولا ننزل إلى هذا المستوى، فمنذ متى أصبحت الصحف التي تنشر الكذب في أبريل وغيرها تكون هي المرجعية؟ ومتى أصبح الثعلب يلبس ثياب الناصحين وسراق المال العام باتوا واعظين؟! فالمسلم مفتاح للهدى ومصباح للدجى ودعامة أساسية للاستقرار ونزّاع لفتيل الأزمات، ولا يكون أزمة بنفسه، ومتى أصبح نشر الأخطاء والاتهام منهجاً للإصلاح؟
إن الاستمرار على هذا الأسلوب يجرّئ السفهاء وسفلة القوم على الإسلام وأهله وليس على فرد أو جماعة أو نائب أو وزير بعينه، ولاسيما في وقت أصبح الملتزمون هدفاً بعد أن نالوا الثقة.
والاستمرار على أسلوب التجريح مثل الرصاص الطائش الذي إن لم يصب «يدوش»، وقد يفقد الثقة بالمصلحين، ونشر جزء من الحقيقة أو كتمانها أو التدليس أو المشاركة في نشر الإشاعات هو كمن يأكل لحم أخيه ميتاً، ولقد شدد الإسلام على آفات اللسان؛ قال الإمام ابن عساكر: «اعلم رحمك الله أن لحوم العلماء مسمومة، وسنة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، ومن أطلق لسانه في العلماء بالثلب، بلاه الله قبل موته بموت القلب»؛ ولذلك فلا يجوز أبداً الطعن في العلماء ولا يحل ذلك بحال.
والاستمرار على هذا النهج يشيع العداوة والبغضاء في المجتمع، ويشتت الجهود ويعرض الجميع للامتهان والنيل من العرض، ويصبح الناس في يأس وقنوط ويصابون بهزيمة نفسية نكراء.
والاستمرار على هذا الخط يشغل الجميع بالردود وتتبع الزلات والأخطاء ونشر الغسيل، ويوقف حركة التقدم والازدهار وتطبيق الشريعة والحسبة وتقديم المقترحات النافعة؛ ليفرح بعد ذلك الخصوم، ويصبح الأمر مادة خصبة للطرف والنكت والهرج.
وإشاعة الاتهامات دون دليل أو ذبّ صاحبها عنها، يدخل في قوله تعالى: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم}، فهل تتحملون ذلك يوم القيامة وتكونون من المفلسين؟!
وهذا يدفع الناس للإعراض عن هذا الدين ويستخفون به ويسخرون منه والابتعاد عن تعاليم الشريعة بكاملها، وفي هذا إفساد لا يعلم مداه إلا الله تبارك وتعالى.
يقول عبدالله بن مسعود: «ما يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم، فإذا أخذوه عن أصاغرهم وشرارهم هلكوا، ولا يؤخذ عن مبتدع، ولا كذاب ولا سفيه».
وقال الإمام مالك: «لا يؤخذ العلم عن أربعة: سفيه يعلن السفه وإن كان أروى الناس، وصاحب بدعة يدعو إلى هواه، ومن يكذب في حديث الناس، وان كنت لا أتهمه في الحديث، وصالح عابد فاضل إذا كان لا يحفظ ما يحدث به».
إن الواجب علينا جميعاً كف الألسن والأقلام وإرجاعها إلى غمدها، والتحاكم إلى العلماء الأفذاذ وإحسان الظن، ومبدأ التماس المعاذير، والنصح لكل مسلم والاستماع منه، والدعاء له، وكتمان العيب إذا ابتلي بنفسه، وإثارة مشاعر الاحترام والتقدير، ومعرفة الآثار الخطيرة المترتبة على هذا القدح وإيصال من هو غير كفء وعزوف المرشحين عن انتخاب الأصلح والأفضل.
فما أجمل أن يتصل الإخوة بإخوانهم وأن يلتقوا بهم؛ حتى يبينوا لهم ما يرونه ويرفعوا عنهم الشبهات أو يؤدوا إليهم النصيحة؛ لأن الإثارة إذا قُصد بها النصيحة والإخلاص فليس هذا طريقها، وإذا قُصد بها التشهير والفضيحة فهذا محرم ومخالف وليس من خلق المسلم، فأي الطريقين أحق بأن يُسلك؟!
قال عبدالله بن المبارك: «من استخف بالعلماء ذهبت آخرته، ومن استخف بالأمراء ذهبت دنياه، ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته».
وحذر العلماء من مسألة الوقيعة في الناس فقال أبو سنان الأسدي: «إذا كان طالب العلم قبل أن يتعلم مسألة الدين، يتعلم مسألة الوقيعة في الناس، متى يفلح؟!
بل عدّه بعضهم من كبائر الذنوب فقال أحمد بن الأذرعي: «الوقيعة في أهل العلم ولا سيما أكابرهم من كبائر الذنوب».. وجاء في الحديث: «شرار عباد الله المشّاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الباغون للبرآء العنت».
وقال الإمام أحمد بن حنبل: «الوقيعة بين الناس من عمل الشيطان وباب ضلالة»، واستدل بقوله تعالى: {ويسخرون من الذين آمنوا}، ثم بين سبحانه حال الفريقين يوم الدين فقال: {والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة}.
لاتوجد تعليقات