هل يستفيد المجتمع من الدعاة إلى الله -تعالى؟
الدعوة إلى الله -تعالى- حياة الأديان؛ فلا حياة لدين إلا بالدعوة إليه، والإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله -تعالى- للناس، وجعله مرتبطاً بجوانب حياتهم كافة؛ حيث نظم لهم حياتهم الخاصة والاجتماعية، قال -تعالى-: {ورضيت لكم الإسلام ديناً} (المائدة: 3) وقال -تعالى-: {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه} (آل عمران: 85) وقال -تعالى-: {إن الدين عند الله الإسلام} (آل عمران 19). وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا». ولما كان الإسلام ديناً ينظم حياة الناس بما يصلحهم ويصلح لهم دنياهم وأخراهم، كانت الدعوة الإسلامية التي هي حياة هذا الدين وسيلة لخدمة المجتمع في شتى جوانب الحياة، وكان الداعية إلى الله -تعالى- من أنفع الناس للمجتمع، وهذا ما توضحه الفقرات الآتية:
التهيئة المجتمعية للدعاة
في عملية الدعوة الإسلامية يربى الداعية على أن يقدم في دعوته ما فيه مصلحة مجتمعة، فيتعلم أن الدين هو النصيحة، وأن دوره في المجتمع يتسع فيشمل معايشة البيئة التي يقوم فيها بدعوته؛ فلا ينفصل عنها حتى يقدم لها ما يصلحها، وقد وصف الله -تعالى- الدعاة بالمصلحين في القرآن الكريم؛ فقال -سبحانه-: {إنا لا نضيع أجر المصلحين}. (الأعراف: 170)، وقد مثل النبي - صلى الله عليه وسلم - دور الدعاة إلى -تعالى- في مثال السفينة بما يوضح علاقتهم بنجاة المجتمع وما فيه صلاحه، فال - صلى الله عليه وسلم -: «مَثَلُ القَائِمِ في حُدودِ اللَّه، والْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَومٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سفينةٍ، فصارَ بعضُهم أعلاهَا، وبعضُهم أسفلَها، وكانَ الذينَ في أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا في نَصيبِنا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا. فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرادُوا هَلكُوا جَمِيعًا، وإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِم نَجَوْا ونَجَوْا جَمِيعًا». رواه البخاري. وهذه النصيحة التي يقوم بها الدعاة لا ترتبط بفئة معينة من فئات المجتمع، بل هي لجميعهم، قال - صلى الله عليه وسلم -: «الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم».
الدعوة بالقدوة من وسائل خدمة للمجتمع
لم يحدد الإسلام للدعوة وسيلة واحدة، مثل الخطبة والمحاضرة فقط، بل جعل من وسائل الدعوة، القدوة، ذلك أن مما يجمع الناس على الداعية أن يكون معيناً لهم ومحسناً إليهم ساعياً في قضاء حوائجهم، فتكون الدعوة الإسلامية بذلك قد ظهر نفعها في المجتمع، حين توجب على الداعية أن تكون له علاقة فعلية مع الناس، ينشر بها كريم الأخلاق، وينفع بها المجتمع، قال -تعالى-: {لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} (النساء 114). وحينما ننظر في حياة أفضل الناس وهم الرسل، نجد وسائل دعوتهم لا تخلو من ذلك، فكانوا دعاة مصلحين، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كانت تأتيه الجارية، فتأخذ بيده، فلا يردها حتى يقضي حاجتها، وقد ترك من إرثه الدعوي قوله: «لأن أمشي في حاجة أخي حتى أقضيها له خير لي من أن أعتكف في مسجدي هذا كذا وكذا». فالدعوة بالقدوة نفع للمجتمع وإصلاح للناس.
خدمة الدعوة للمجتمع
إن شمولية الدعوة الإسلامية لم تجعلها قاصرة أبدا على العبادات، بل إنها تتعدى ذلك لتشمل الحقوق والواجبات الاجتماعية، فعندما يقوم الداعية بدوره في المجتمع فإنه يراقب ويراعي أخلاقيات المجتمع، ويعمل على تغييرها، فتجد الدعوة الإسلامية تؤكد دائماً وأبداً الأخلاق الحسنة، وأن الأعمال الصالحة تبقى بلا نفع ما لم يكن معها حسن خلق، وهذا مما لا شك فيه يعصم المجتمع من الانحراف والتفسخ.
تهتم الدعوة في هذا الجانب بالأمر برعاية الفقراء والمحتاجين، والإحسان إليهم، قال -تعالى-: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ} (البقرة 220)، وقال -تعالى-: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} (البلد 17)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل».إننا نجد الدعوة إلى العبادة متسقة تماما مع الدعوة إلى مراعاة حقوق الآخرين، وإلى التعاون معهم، وإلى المساواة بين الناس وعدم احتقارهم، بل وإلى إكرامهم والإحسان إليهم، وإلى الاتحاد والأخوة، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى». وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منه الآن» الحديث، وقال: «من أمسى كالاً من عمل يده أمسى مغفوراً له». بل يؤكد سيدنا عمر -رضي الله عنه- العلاقة بين هذا النفع العام وبين اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقول: «والله لئن جاءت الأعاجم بالأعمال وجئنا بغير عمل فهم أولى بمحمد منا يوم القيامة».
خدمة الدعوة للمجتمع اقتصادياً
كما ترتبط الدعوة ارتباطاً وثيقاً بما ينفع المجتمع اقتصادياً، وذلك ما جاء في قوله -تعالى-: {فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ} (الجمعة: 10)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه». كما يتبنى الداعية حث الناس على إخراج الزكاة التي هي من أظهر أنواع التكافل في المجتمع، فيوضح أنها من أركان الإسلام، وأن من لم يؤد زكاته استحق عقوبة ذلك، {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}. وهذه من أعظم الأعمال التي ينتفع بها المجتمع؛ إذ تقتل في المجتمع أخلاق الضغينة والحقد والكراهية والحسد والغيرة، فتكون الدعوة قد ساهمت بجزء كبير -إن لم يكن الأكبر- في استقرار المجتمع نفسياً.
الداعية يراقب القيم الإنسانية
وإلى ذلك نضيف أن مجموعة من القيم تركز عليها الدعوة الإسلامية؛ من أجل التنمية الاقتصادية للمجتمع، من ذلك: الأمر بإعمار الأرض استجابة لأمر الله -تعالى- {وَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} (هود: 61) والأمر بعدم الإسراف والاعتدال في النفقة {ولا تبذر تبذيرا} ا(لإسراء: 26) والأمر بالمشاركة في هذه التنمية والترغيب فيها «من أحيا أرضاً ميتة فهي له». وبذلك تربط الدعوة الإسلامية بين طاعة الله -تعالى- وبين تنمية ثروات المجتمع.
إصلاح العبادة وتبصير العباد
قام النبي - صلى الله عليه وسلم - بدوره كونه الداعي الذي بعثه الله -تعالى- للبشرية، ومن هذا الدور قيامه بالرد على أسئلة المستفتين، وهذا ما يقوم به العلماء والدعاة، تبصير العباد بما يجب عليهم تجاه دينهم مع إصلاح تلك الممارسات والعبادات بما ورثه العلماء من نصوص الدين التي توضح العبادة وكيف يؤديها الناس؟ وليس أنفع من أن يصلح الناس دينهم الذي هو عصمة أمرهم، وعليه سيحاسبون، وبه يحدد مصير كل منهم في الآخرة، فإذا كان هذا دور الدعاة، فأعظم به من نفع للمجتمع. مع تنبيه الإسلام للمفتي أنه على خطر عظيم إذا أفتى الناس بغير ما يجب، وأنه بذلك يكون كاذباً على الله وخادعاً للمجتمع.
حماية الأمن الفكري للمجتمع
الداعية إلى الله -تعالى- حرس على حدود الشريعة، لا يقوم بدراسة الإسلام وحده، بل الداعية الحقيقي من يقف على أفكار الآخرين، ويؤمن بأهمية تعزيز هذا الأمن الفكري للمجتمع. والقرآن الكريم الذي هو رسالة الداعية يحمل في بدايته التحذير من الأفكار المنحرفة، يقول -تعالى-: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} (آل عمران: 7 ). يقوم الدعاة إلى الله بتفنيد الشبهات والرد عليها، وتبصير المسلمين بها، وفضح من يحاول الطعن في الدين وتشكيك المسلمين في تراثهم وإقصائهم عن دينهم، وقد ضرب سلفنا الصالح أروع الأمثلة في ذلك، فنجد منهم من برع في الرد على الفرق المنحرفة التي تنتسب إلى الإسلام، ومنهم من برع في الرد على الأفكار الوافدة كالفلسفة اليونانية وغيرها، ذلك أنهم يعرفون أن الانحراف الفكري بداية كل فساد، وقد حذر الله المسلمين من الانحراف والتفرق إلى شيع وطوائف، تتضاد أفكارهم فلا يجتمعون على الحق، قال -تعالى-: {وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} (الروم: 31، 32) وقال -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} (الأنعام: 159).
يتضح من ذلك أن الداعية إلى الله -تعالى- صمام للمجتمع، ومصلح له ونافع، يستمد هذا النفع من الأمانة التي يحملها، والرسالة التي يبلغها. والله المستعان.
لاتوجد تعليقات