هل يجوز للمسلم الاحتفال برأس السنة الميلادية؟
اعتاد بعض من أبناء المسلمين تقليدَ غير المسلمين في الاحتفال بيوم رأس السَّنة الميلادية، وكأنه عيد للمسلمين، بل يحتفلون به أكثر مما يحتفلون بعيدَي الإسلام (الفِطر والأضحى)، وهذا الاحتفال فيه مُشابهة لغير المسلمين، وقد نُهينا عن التشبُّه بهم فيما هو من خصائصهم، والأعياد من أخصِّ الشرائع.
وهذا الاحتفال فيه تشريع عيد لم يأذَن به الله؛ فالله شرَع لنا عيدين: الفِطر والأضحى، وأبْدَلنا بهما أعياد الجاهلية، فكيف نشرع عيدًا زائدًا من عند أنفسنا؟
ادعاءات باطلة
وبعض المسلمين يدَّعي أن الاحتفال برأس السنة احتفالٌ وليس عيدًا، وبعضهم يدَّعي أن الأعياد من قبيل العادات، والأصل في العادات الإباحة، وبعضهم يدَّعي أن الاحتفال برأس السنة -وإن كان غير المسلمين هم الذين سَنُّوه- فلم يعُد هذا العيد من خصائصهم، فلا بأس بالاحتِفال به، ولا شك أن ذلك كله مردود عليه من وجوه عدة كما يلي.
مفهوم العيد
العيد: كل يوم فيه جَمْع، واشتِقاقه من عاد يعود، كأنهم عادوا إليه، وقيل: اشتِقاقه من العادة؛ لأنهم اعتادوه، والجمع أعياد لزِم البَدَل، ولو لم يَلزَم لقيل: أعواد؛ كريح وأرواح؛ لأنه من عاد يعود، وعيَّد المسلمون: شهِدوا عيدهم؛ فجعل العيد من عاد يعود؛ قال: وتَحوَّلت الواو في العيد ياء لكسرة العين، وتصغير عيد عُيَيْد، ترَكوه على التغيير، كما أنهم جمَعوه أعيادًا، ولم يقولوا: أعوادًا، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «العيد اسم لِما يَعود من الاجتِماع العام على وجه مُعتاد، عائد: إما بعَوْد السنة، أو بعَود الأسبوع، أو الشهر، أو نحو ذلك».
توهم أن رأس السنة عيد والعبرة بالحقائق
بعض الناس يتوهَّم أن رأس السنة ما هو إلا مجرد احتفال كل عام بمناسبة انتهاء السنة الميلادية، وأن هذا مُباح، كالاحتفال بالعُرس وبالتخرُّج وبالنجاح وبقدوم الغائب، وهذا غير مُسلَّم به؛ إذ فرْق بين الاحتفال لحِدَث عارِض وبين تَكرُّر الاحتفال لِحَدَث متكرر؛ فتكرُّر الاحتفال بحدَثٍ داخلٌ في مسمَّى العيد؛ لأن تكرُّر الاحتفال بحَدث يتكرَّر كل سنة بفرح مجدَّد، ويعود كل سنة بفرح مجدَّد، فكيف لا يُسمَّى الاحتفال برأس السنة عيدًا؟
أعياد المسلمين عِيدان لا ثالث لهما
أعياد المسلمين عِيدان لا ثالث لهما، ألا وهما: عيد الفطر وعيد الأضحى، والدليل على ذلك عن أنس بن مالك قال: «كان لأهل الجاهلية يومانِ في كل سنة يلعبون فيهما، فلما قدِم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة قال: «كان لكم يومان تلعبون فيهما، قد أبدَلكم الله بهما خيرًا منهما، يوم الفطر ويوم الأضحى»، وهذا الحديث يدُلُّ على أن اللهَ أبدَلنا بأعياد الجاهلية عيدين لا ثالث لهما، عيدَي الفطر والأضحى، فكيف نجمع بين عيدَي الإسلام وأعياد الجاهلية؟ والإبدال من الشيء يقتضي ترْكَ المبدَل منه؛ إذ لا يُجمَع بين البدل والمُبدَل منه؛ ولهذا لا تُستعمَل هذه العبارة إلا فيما تُرِك اجتماعهما، ومن الأمثلة على عدم جواز اجتماع البدل والمُبدَل منه قوله - سبحانه -: {وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ} (النساء: 2)، فهل يجوز الجمع بين الخبيث والطيب؟!
الله هو الذي يشرع الاحتفال بالأعياد
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم: «وقد أبدَلَكم الله بهما خيرًا منهما»، تنبيهٌ أن الله هو الذي يشرع الاحتفال بالأعياد، فهو الذي يُبدِّل ويشرع ويُحرِّم ويُحِل، وليس أمر الأعياد متروكًا للناس يحتفِلون بأي عيد بحسَب رغبتهم، فالأعياد من جملة الشرائع فلا يُشرَع عيدٌ إلا بدليل: يتوهَّم البعض أن الأعياد من جُملة العادات، وتَخضع لأعراف الناس، وهذا خطأ؛ فالأعياد من جملة الشرائع، والعيد علامة على الدِّين، وشعيرة من شعائره، بل من أظهَر شعائره، ولكل دين أعياده، ولكل أمة أعيادُها؛ كما في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم: «وقد أبدَلَكم الله بهما خيرًا منهما»، فالله أبدَلَنا -نحن أهل الإسلام- بعِيدَيْنِ، والكلام موجَّه لنا لا لغيرنا؛ ليدل أن هذين العيدين خاصان بنا.
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تُغنِّيَان بما تَقاوَلت الأنصار يوم بُعاث، قالت: وليستا بمغنِّيتين، فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا أبا بكر، إنَّ لكل قوم عيدًا وهذا عيدنا»، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن لكل قوم عيدًا وهذا عيدنا»، يدلُّ على اختصاص كل قومٍ بعيدهم؛ فكل مِلة وكل قوم لهم أعياد يختصُّون بها عن سواهم، وإلا كانت الأيام مشترَكة والأعياد مشتركة، وهذا مِصداق لقوله - تعالى -: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (المائدة: 48).
شريعتنا غير شريعتهم
فشريعتنا غير شريعتهم، وقِبلتنا غير قِبلتهم، وعبادتنا غير عبادتهم، وصلاتنا غير صلاتهم، وصيامنا غير صيامهم، فكذلك عيدُنا غير عيدهم، فلا يُشارِكوننا فيه، ولا نحن نشارِكهم في أعيادهم. وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن لكل قوم عيدًا وهذا عيدنا»، يدل أن العيد قضية دينية عَقديَّة، وليس عادة مدنيَّة يشترك الناس فيها، بل من الخصوصيات الشعائرية الدينية التي تتمايَز فيها الأمم. وإضافة النبي - صلى الله عليه وسلم - العيدَ إلى ضمير المتكلمين تدل على التعيين والاختصاص؛ فعيدنا خاص بنا لا يُشاركوننا فيه، وعيدهم خاص بهم لا نُشارِكهم فيه، وإذا لم يَجُز لنا أن نشارِك غيرَنا في أعيادهم فلا يجوز لنا الاحتفال بعيدٍ ليس من أعيادنا.
رأس السنة من أعياد غير المسلمين
ويوم رأس السنة من أعياد غير المسلمين؛ فلا يجوز التشبُّه بهم في الاحتفال به، رُغم أن عيد رأس السنة ليس مما شرَع الله لنا من الأعياد، فلا يجوز الاحتفال به؛ فعيد رأس السنة أيضًا من أعياد غير المسلمين، فلا يجوز التشبُّه بهم في الاحتفال به؛ لورود النصوص الشرعية بذلك؛ فعن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «خالِفوا المشركين؛ وفِّروا اللِّحى، وأحْفُوا الشوارب»، ومخالَفة المشركين تَستلزِم عدم موافقتهم فيما هو من خصائصهم، وفيما هو من عاداتهم، وفيما هو من عباداتهم، وعيد رأس السنة الميلادية وسَنُّ أعياد لم يأذَن بها اللهُ من خصائص الكفار المشركين، وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «من تَشبَّه بقوم فهو منهم»، والشرع قد أمَر بمخالفة المشركين، ونهى عن التشبُّه بهم ومشابهتهم؛ ليَظهر التباين بين المؤمنين والكافرين في الظاهر، كما هو حاصل في الباطن؛ فإن الموافقة والتشبُّه في الظاهر ربما تَجرُّ إلى محبَّتهم وتعظيمهم والشعور بأنه لا فَرْق بينهم وبين المؤمنين، ويقود المُتشبِّه إلى أن يتخلَّق بأخلاق مَن تَشبَّه به، وأن يعمل مِثل أعماله، قال الذهبي: «فإذا كان للنصارى عيد، ولليهود عيد، مُختصين بذلك، فلا يُشارِكهم فيه مسلم، كما لا يُشارِكهم في شِرْعتهم ولا في قِبلتهم».
الأعياد من جملة الشرائع
ولو أردنا أن نجعل لنا عيدًا غيرَ عيدَي الإسلام، أو أي عيد نجعله لنا ولا نُشابِه فيه أحدًا من الكفار، لَمَا جاز لنا ذلك؛ لأن الأعياد من جملة الشرائع، بل من أعظم شعائر الشرائع، فلا يجوز إحداث عيدٍ بلا نصٍّ شرعي؛ لأن الأعياد من شعائر الدين، وشعائر الدين تُتلقَّى من الشرع لا من الناس، وإحداث عيدٍ لم يأذَن به الله فيه مُضاهاة للشريعة، وسوء أدب مع الشريعة، فلمْ يكتفِ المُحدِث لهذه الأعياد بما أَذنَت به الشريعة، بل زاد عليها، وفي هذا اتهام للشريعة بالنَّقص.
عليكم بسنَّتي وسنة الخلفاء الراشدين
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَن أحدَث في أمرنا ما ليس منه فهو ردٌّ»، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم : «عليكم بسنَّتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدِيِّين من بعدي، وإياكم ومُحدَثاتِ الأمور؛ فإن كل مُحدَثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار»، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يا أبا بكر، إن لكل قوم عيدًا، وهذا عيدنا»؛ تعليلُ الإباحة للجواري باللعب والغناء بأن ذلك في يوم عيدنا، فيه دلالة على أن الإذن باللعب والغناء المُباح؛ لأن هذا العيد خاص بنا؛ فدلَّ هذا على عدم جواز اللَّعِب في غير عيدنا من أعياد الكفار، وأعياد المسلمين التي سنُّوها لأنفسهم مما لم يَرِدْ به نصٌّ شرعي، فهي كأعياد الكافرين في الحكم، لا يجوز لنا الاحتفال بها؛ لأنها لم يشرعها دينُنا؛ فديننا شرَع لنا عيدين لا ثالث لهما، ولو أن الأعياد من العادات لأحدث الناس لكل حدَثٍ عيدًا، ولم يكن للأعياد الشرعية مَيزة وفضل، ولما كان لإبدال الله بأعياد غير المسلمين عيدَي الفطر والأضحى معنى.
لاتوجد تعليقات