هل هي منطقية..فكرة «إيموتو»حول إدراك الماء وتفاعله؟!
باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: فقد كنت قرأت قبل فترة بعض الكتابات حول ما أثاره شخص ياباني من ممارسي ما يُعرف بالطب الشعبي البديل يدعى مارسو إيموتو، فكنت أظن أن الانسياق وراء أفكاره كان على نطاق يسيرٍ محدودٍ غايةً، حتى فوجئت بترديد أحد الإخوة لها بل واستماتته الدفاع عن تلك الفكرة، ثم تبين لي أن بعض المشايخ وطلبة العلم الذين كُتب لهم القبول في أشرطتهم ومحاضراتهم رددوا تلك الفكرة في بعض المجالس والمحاضرات التي سُجل بعضها في أشرطة الكاسيت، فأحببت في هذه المقالة أن أسهم في تعريف القارئ الكريم بتلك الفكرة ونقدها ، فإلى المادة:
خلاصة فكرة ذلك الطبيب الشعبي (إيموتو) أن الماء له قدرات عجيبة من الرؤية والسمع والإدراك، فهو يُدرك ما حوله ويستمع لأحاديث الإنسان له ويشعر بمشاعره بل ويدرك الكتابات والصور التي تُلصق به ويتفاعل مع كل ذلك من خلال تشكيل البلورات على شكل متناسق ورائع إن كانت الرسائل الموجهة إليه – أي الماء - إيجابية، والعكس إن كانت الرسائل سلبية، وسيأتي في ثنايا المقالة مزيد من التعريف بالفكرة وبأقوال وتجارب صاحب الفكرة .
من المؤاخذات الشرعية المسَوِّغة لنقد هذه الفكرة
أ – أي الرسالتين هي الإيجابية عند الماء؟:
يقول الله تبارك وتعالى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}، ويقول سبحانه: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ}، ويقول سبحانه: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} ونحوها من الآيات الدالة على أنه حتى الجمادات موحدة لله مسبحة بحمده .
إلا أن إيموتو زعم أن الماء يُنتج بلورات على أشكال رائعة متناسقة إذا سمع ترانيم صلوات الهندوس! أو البوذيين! أو حتى ترانيم الصلوات الكَنَسية!
كما أن الماء – وفق قول صاحب الفكرة – يضع في زمرة الأنقياء الأتقياء راهبة نصرانية أُعِدَّت للتبشير بالديانة النصرانية في الهند، وهي تلك المرأة المعروفة بـ«الأم تيريزا»، حيث كَتَبَ في أوراقٍ اسمَ تلك المرأة ووضعها بجوار القوارير!
وفي المقابل يذكر الأستاذ رياض توفيق – وهو أحد الذين قابلوا وشاهدوا مباشرة ما عرضه ذلك الطبيب الشعبي (إيموتو) - أنه قام بلصق صور للكعبة المشرفة ، وأوراق مطبوعة عليها البسملة وأسماء الله الحسنى على بعض القوارير فتكونت البلورات الرائعة كذلك!
وعندما سمع بعض المسلمين المتأثرين بفكرة ذلك الطبيب الشعبي (إيموتو) أَسْمَعُوا الماءَ بعض التلاوات والأذكار الشرعية فكانت النتيجة هي تشكل بلورات على أشكال رائعة متناسقة!
فأي الرسالتين هي التي يُقيِّمها الماء على أنها هي الإيجابية: رسالة من {قالوا اتخذ الله ولداً}؟ أم رسالة: {لم يلد ولم يولد}؟
ب – طلبٌ لإحداث البركة في الماء على وجه غير مشروع:
ذكرتُ قبل قليل أن (إيموتو) في أحد عروضه قام بلصق أوراق كتُب عليها أذكار شرعية أو بعض أسماء الله الحسنى أو صورة الكعبة، وكان ذلك بمرأى ومسمع الحضور من المسلمين.
وبما أنَّ تَغَيُّرَ البلورات ليس غايةً في ذاته؛ فإن مثل هذا التصرف لا يصدر - غالباً - إلا على سبيل إحداث البركة في الماء، أو على سبيل التوسل بأسماء الله، وكِلا الأمرين – أعني التبرك والتوسل – إنما يُقتصر فيهما بحسب الكيفيات التي وردت شرعاً، فأسماء الله لا يُتوَسَّل سبحانه ويُدعى بها من خلال لصقها على القوارير.
وكذلك القرآن الكريم هو: {شفاء ورحمة للمؤمنين} ولكن الاستشفاء به - مثلاً – والتبرك ليس من خلال كتابة آياته على ورقة ولصقها على قارورة شرب المياه .
ج – ما ديانة (إيموتو)؟
إن ديانة (إيموتو) صاحب تلك الفكرة هي الديانة "الشنتاوية" كمعظم اليابانيين، كما ذكر ذلك الأستاذ رياض توفيق رئيس تحرير الأهرام ونَقَلَتْ كلامه مجلة الفيصل العلمية.
وأغلبُ العبادات الشنتاوية منحصرة في إبعاد الأرواح الشريرة، وفي الصلوات وتقديم القرابين للـ«كامي» الذي هو عبارة عن كل شيء لا ينتمي إلى مجال التأثير المباشر للإنسان؛ ولذلك فليس لعقيدة التوحيد مكان في الشنتاوية، فبسبب تعدد المظاهر التي يمكن أن تتجلى فيها القوى والمؤثرات، ربط الشنتاويون اليابانيون بين كل ظاهرة طبيعية وآلهة معينة، فيمكن لأي شخص أن يعين آلهته الخاصة .
لذلك فلا عجب أن نجد صاحب هذه الفكرة (إيموتو) يستخدم في بحثه مصطلحات مثل: «الطاقة الروحية، روح مايت..» ونحوهما من العبارات، كما أنه يستشهد بعبارات وجمل ومواقف بوذية، ويقرر أن الكلمة ذات تأثير روحي إلى درجة أنها تجسدت وأنشأت الوجود مستشهداً بنص ورد في إنجيل يوحنا.
أ – التعميم وعدم الدقة:
إن صاحب تلك الفكرة ومن وافقه من أنصار يقولون: إن بلورات الماء تتشكل بأشكال نقية ورائعة ومنسجمة عند سماع الرسائل الإيجابية .
إلا أن هذا القول – مع إحسان الظن بقائليه - فيه شيء من التعميم وعدم الدقة؛ فإن من المعلوم أن بلورات الماء طبيعتها التباين، وهذا التباين يتم بشكل يُسَهِّلُ لأي شخص أن يُشَكِّلَها على أي صورة يشتهي ، فيستطيع من لديه خبرة في هذا المجال أن يختار شكلاً ما من بلورات الماء ويجعله مرتبطاً بصوتٍ معينٍ بحسب ما يشتهيه .
ب – من أقوال المتخصصين:
توجهت بسؤال إلى الأخ الفاضل د. حمد المطر - بصفته عضواً في هيئة التدريس في قسم الكيمياء في كلية العلوم بجامعة الكويت - فأجابني بأن «بلورات الماء لم ولن يتغير شكلها لا من حيث الحجم بل ولا في غيره من الصفات الفيزيائية بمجرد عرضه على الأصوات والموسيقى المختلفة»، وقال عن فكرة (إيموتو): إنها «إنما تعبر عن قائلها الذي لم يتبع الطرق العلمية المنهجية للبحث».
وأشار الدكتور حمد إلى أنه يوافق في هذا تقريراً أعدَّه مركز طبي سعودي وَرَدَ فيه قولُ مديرة المركز د. عبير الجهني: «إننا خجلنا من أنفسنا كيف نُجري أساساً مثل هذه التجارب، ونتدنى إلى مثل ذلك المستوى الهابط، ونستنطق جمادا أصمَّ لا عقل له ولا إدراك ، فكان عذرنا وعزاؤنا.. أن ندع الحقيقة تتحدث عن نفسها لتفضح الأكاذيب».
هذا ما كان عندي، فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، والله أعلى وأعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين .
لاتوجد تعليقات