رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمود طراد 25 يوليو، 2019 0 تعليق

هل هناك ليبرالية إسلامية؟


جاءت الشريعة الإسلامية وفيها من القواعد الحسان ما تصلح به الأزمان، ذلك أن خالق الزمان وهو الله -تعالى- هو الذي أوحى هذه الشريعة، وقد قال -سبحانه-: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}(البقرة: 255)، أي يعلم ما هم مقبلون عليه، ويعلم ما هم تاركوه خلفهم، وكما هو معلوم -لدى قارئنا الكريم- أن هناك تياراً يسمى بتيار الليبرالية؛ فإن هناك من يلبس الليبرالية ثوب الإسلام، ذلك من أجل تمرير الأفكار الليبرالية التي تصطدم مع تراثنا الإسلامي، بدعوى أن ذلك مما تصلح به المجتمعات المسلمة لتواكب التقدم والنهضة، وحتى نكون على بينة من الأمر لابد من بيان معالم الليبرالية وما يتناقض منها مع الثقافة الإسلامية.

- ما الليبرالية ؟

     على الرغم من الرواج الذي يحظى به مصطلح الليبرالية إلا أنه ليس هناك إجماع على فهم واحد له؛ ذلك بسبب خلافهم في هل الليبرالية فلسفة بما تتضمنه الكلمة من أبعاد، أم أن الليبرالية تتعلق فقط بحرية الفرد الاقتصادية؟ من هنا فإن مصطلح الليبرالية مصطلح مشكل، لكن يمكننا القول بأنه نزعة تدعو إلى التحرر الفكري والسياسي والاقتصادي؛ فهي – الليبرالية – تُبنى على أساسين: الأول الفردية، والثاني: الحرية، والحرية في الفكر الليبرالي تعني حرية الفرد في تصرفاته الشخصية؛ حيث يمكنه فعل ما يريد دون حدود أو قيود.

- علاقة الليبرالية بالفكر الغربي

     الليبرالية هي درة الفكر الغربي، بل يظن الغربيون أن الليبرالية أرقى مستوى فكري تم الوصول إليه؛ لأنها تتعلق بحرية الإنسان في كل حياته، والليبرالية في الفكر الغربي تقوم على خمسة أركان هي: (الفردية، والحرية، والتعددية، والرأسمالية، والعقلانية)، وهذه الأركان تشمل حياة الإنسان كاملة .

- الليبرالية الإسلامية

- عندما رفض المسلمون أن يكون هناك اعتداء على أصول دينهم، وحتى العوام منهم يرفضون أن يكون هناك ما يسمى بالإسلام الجديد؛ فإن المغرضين حاولوا إقناع المسلمين بأفكارهم من خلال مصطلح جديد يسمى (الليبرالية الإسلامية)؛ فقاموا بتطعيم تلك الليبرالية بعض القيم الإسلامية، كالتسامح، والأخوة وغيرها من أجل الوصول بالتدليس إلى نتائج ليبرالية لا تتوافق مع الإسلام، لكنها أصبحت وكأنها جزء لا يتجزأ من الإسلام؛ فتجد الليبرالي يدعو إلى قيم غربية، ويحاول أن يلوي رقبة النصوص ليستدل على معتقده بها.

- خطر الفكر الليبرالي

- في تقرير لمؤسسة راند الأمريكية عن المعتدلين من وجهة نظر التقرير، يقولون: إن الليبراليين هم (الشركاء المحتملون ضد الاتجاهات الإسلامية المتطرفة)، والمتطرفة حسب التقرير، هي كل من تمسك بالقرآن والسنة وكتب الأئمة؛ لأن ذلك عندهم يسمى رجعية، وهم  - الليبراليون – حسب التقرير من يؤمنون بالقيم العالمية التي تقوم عليها المجتمعات الليبرالية الحديثة؛ فأنت ترى بذلك أيها القاريء مدى اعتماد منظري الليبرالية من الغربيين على الليبرالين العرب في مواجهة كل فكرة إسلامية، وقد دعاهذا التقرير الغربي إلى ترجمة الكتب الليبرالية الإندونيسية والتركية إلى العربية؛ حيث إنها لا نظير لها في هذا الصدد في الشرق الأوسط .

- لماذا يدعم الغرب الفكر الليبرالي؟

- لأنهم يدعون إلى إعادة ضبط الإسلام من الداخل؛ حيث يدعو الليبراليون إلى إعادة قراءة النصوص، قراءة أخرى من أجل الوصول إلى معانٍ جديدة، تتوافق مع القيم الغربية التي يروجون لها، وهم كما يقول تقرير العالم المسلم بعد 11 سبتمبر – وهو تقرير أمريكي معلن صادر عن مؤسسة راند – يسعون إلى التوفيق بين الحداثة الغربية وبين الإسلام؛ لذا فهم يؤمنون بالمفاهيم الغربية الليبرالية والتعددية، وهم في نظر التقرير يستطيعون التوفيق بين القانون الإسلامي والقانون العلماني؛ فهم يسعون إلى إعادة قراءة التفاسير، وفي ذلك يقول تقرير آخر وهو (تقرير بناء شبكة مسلمة معتدلة) الصادر عام 2007 م عن ذات المؤسسة راند: الذي يجمع بين المسلمين الليبراليين هو الاعتقاد بأن القيم الإسلامية متسقة مع الديمقراطية والتعددية والحقوق الإنسانية والحريات الفردية.

- تحويل العالم إلى الليبرالية

- يسعى الليبراليون الغربيون إلى تحويل العالم إلى الليبرالية الديمقراطية المنتصرة على الفكر الشيوعي؛ فبعد أن تم إخضاع الاتحاد السوفيتي بالحرب الباردة من خلال المؤسسات التابعة للفكر الليبرالي تحت اسم (النظام العالمي الجديد) الذي اشتهر بعد ذلك باسم العولمة، التي تعرف بأنها: ظاهرة تتحرك باتجاه تعميم الأنموذج الليبرالي بأنواعه على العالم، وكلما رأى المنظرون رأياً، سعت كل التكتلات إلى نشره وتعميمه؛ فإن رأوا المشكلة في الدين دعوا إلى الثورة عليه، وإن لم يكن، دعوا إلى احترامه وتقديره. وكلٌ حسب المصلحة الراجحة.

- أهم معالم الليبرالية الإسلامية

- أولا: الدعوة إلى الحرية المطلقة، فكرياً وسلوكياً بلا قيود ولا عقوبات، طالما أن الشخص لا يضر غيره، ومصطلح الحرية مصطلح براق يظهر على أنه حق من حقوق الفرد التي دعا إليها الإسلام، لكنه ومع التدقيق نجد أنه بتلك الصورة مرادف للانحراف والانفلات، كالذي تبناه قوم سيدنا شعيب حينما قالوا له: {يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ}(هود: 87)، وكان قوم سيدنا لوط أيضاً يدعون إلى حرية من نوع آخر حتى جاءهم العذاب، قال الله -تعالى-: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ}(الحجر: 74).

- ثانياً: التسوية بين الإسلام وغيره؛ إذ تقف الليبرالية على مسافة واحدة من المعتقدات جميعها؛ فلا تحكم بحق أو باطل على شيء، وتسمي ذلك تسامحاً، والحقيقة أن التسامح يكون في التعامل مع الأشخاص بأداء حقوقهم وعدم ظلمهم، لكن المعتقدات لابد من الإيمان بأن أحدها هو الحق وما عداه باطل، وهذا ما نعتقده في الإسلام، وقد ظهرت هذه الدعوة الليبرالة قديماً حين قدم بعض كفار قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعرضون عليه أن يؤمن بإلههم سنة ويؤمنون بإلهه سنة؛ فنزل قول الله -تعالى-: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ}(الكافرون: 1 - 2).

- ثالثاً: موقفهم من العقل: تعرض النصوص على العقل فما لا يقبله لا يُقبل وإن كان النص صحيحاً؛ فترى العقل عندهم هو المصدر الموثوق لتلقي المعرفة؛ فيدعون إلى تحريره من كل سلطة ولو كانت سلطة الوحي، بينما العقل في الإسلام يهتدي بنور الوحي الشريف، وقد حدد له الإسلام مجال العمل الخاص به وهو المحسوسات، أما الغيبيات فلا طريق إلى العلم بها إلا بالوحي.

- رابعاً: تقديم القيم الغربية على القيم الإسلامية، حتى إن بعضهم يحرف تفسير قول الله -تعالى-: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}؛ فيقولون: إذا كان الله قد أعطاه حق الإيمان والكفر، أفلا تعطى له حرية الإبداع، والتعبير، وإن كان ما يعبر عنه، أو يبدع فيه كفر؟ وليس هناك أعجب من القول بأن الله يعطي حرية الأفعال الكفرية في المجتمعات المسلمة بهذا الشكل.

- خامساً: موقفهم من النصوص: تجدهم يدعون إلى تبني روح الشريعة وليس ظاهر النصوص، وفي هذا إسقاط للأحكام؛ فالله -تعالى- يقول: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن}(النور: 31)؛ فيقلون: طالما كانت العفة حاصلة ولو بغير حجاب؛ فإن المرأة غير مأمورة به؛ لأن روح النص تدعو إلى العفة وفقط! كما أنهم يرفضون الإجماع بوصفه مصدرا من مصادر التشريع، بل ويدعون إلى مراجعة اجتهادات الأئمة، بل يرون إمكانية استحداث أحكام شرعية جديدة تتوافق مع القيم الغربية التي كانت حراماً بالأمس،

- سادساً: تقديم المصلحة على النص؛ فإن وُجدت مصلحة لإنسان تتعارض مع نص ما قُدمت المصلحة ظناً أن هذا معنى قولهم: إذا وجدت المصلحة فثم شرع الله، والمقصود أن تلك النصوص الشرعية لا يكون معها إلا المصلحة، ليس المقصود أن يصير الحرام حلالاً لأجل المصلحة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك