رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 18 نوفمبر، 2014 0 تعليق

هل نحن على أبواب انتفاضة ثالثة في القدس وفلسطين؟!

كثير من الأحداث الجسام على أرض فلسطين كانت شعلتها الأولى القدس والمسجد الأقصى، فمنذ أحداث البراق في عام 1929م وإلى الآن، كانت وما زالت القدس عنوان الصراع مع اليهود الغاصبين، الذين جعلوا من تهويد القدس وبناء الهيكل المزعوم أسمى أماني قادة اليهود وجماعاتهم، وأعلى مقاصدهم لتحقيق المهانة لأمة الإسلام قاطبة.

لذا يواصل جيش الاحتلال الصهيوني مسلسل الاعتداءات على المسجد الأقصى المبارك، وتوفير الحماية والرعاية للجماعات اليهودية المتطرفة التي تعمل جاهدة افرض واقع جديد يكون فيه الحق لأي يهودي من دخول المسجد الأقصى وبحراسة جنود الاحتلال، وممارسة ما يحلو له من ممارسات وطقوس، شارك بها مسؤولون في الكيان الصهيوني الغاصب، ليؤكدوا أننا نعيش في مرحلة جديدة، لا بد أن يخضع لها الفلسطينيون وأن يقبلوا بها، وإن كانت في النهاية ستسلبهم حق الصلاة في المسجد الأقصى !!

     ومع تنامي الاستفزازات والاعتقالات في حق الفلسطينيين في القدس والمسجد الأقصى، والاشتباكات مع المصلين وأهالي القدس، وإغلاق المسجد الأقصى عقب حادث الدهس الذي قام به فلسطيني مقدسي لم يحتمل مشاهد الاعتداء على المسجد الأقصى الذي لم يسبق منذ أن احتل اليهود شرقي القدس عام 1967م .   ظهر جيل جديد مقاوم- لعل منهم من ولد أبان الانتفاضة الثانية - تشارك مع الجيل  الذي عايش أحداث القدس منذ عام 1967م وإلى الآن.

     لا شك أنه إصرار من أهل القدس بأجيالهم للدفاع عن المسجد الأقصى وعن وجودهم في القدس، منبعه القناعة أن هذا الكيان بممارساته وتهويده واعتداءاته لا يحترم قانوناً ولا معاهدة ولا غيرها، فهو لا يفهم إلا لغة القوة !! ولسان حالهم يقول ماذا جنينا من اتفاقيات السلام وبالأخص اتفاقية (أوسلو) التي تمخض عنها السلطة الفلسطينية، والتنسيق الأمني!!

     ونحن على يقين بأن قادة اليهود ومراكز بحوثهم يدرسون الأحداث التي تجري في القدس، وما قد ينتج من ردود أفعال من الفلسطينيين لتلك الاعتداءات والممارسات التي تنقلها شاشات التلفزة على الأمة، وهم على يقين أن الأمة بلا حراك، فقد أصابها من ضعف وهوان لا تستطيع معه حتى الشجب والاستنكار!!

     ولعل الوقت قد حان عند قادة اليهود وشركائهم من الجماعات اليهودية العاملة من أجل بناء الهيكل المزعوم، الذين وظفوا الفتاوى الحاخامية لتخدم الساسة والإعلاميين، لتهويد كل حجر في القدس ، والادعاء بأنهم لا يعملون إلا لإرجاع الأرض والمقدسات كما كانت – بزعمهم – يهودية المنشأ والتاريخ والعقيدة !!  

قبل سنة تقريباً صرح رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بأن القيادة الفلسطينية لن توافق ولن تسمح بأي حال على اندلاع انتفاضة ثالثة، ولعل الأحداث الدائرة الآن أكبر ذلك التصريح ، فالمسببات للانتفاضة الثالثة متوافرة، مع ضعف الإمكانات والقدرات التي يمتلكها من سيكون وقوداً لتلك الانتفاضة .

     وترادف مع تصريح عباس تصريحات عدة من مسؤولين في السلطة الفلسطينية تناقلتها وسائل الإعلام المحلية والعالمية تطمئن الكيان الغاصب بأن السلطة تقوم بوظيفة الأمن على أكمل وجه، وجاءت تلك التصريحات إثر تهديد سلطات الاحتلال الصهيوني سلطة رام الله باقتحام مناطقها وتوسيع حملات الاعتقال فيها إذا لم تسيطر على المظاهرات الاحتجاجية التي يقوم بها الفلسطينيون احتجاجًا على السياسات الاستيطانية والتهويدية التي يمارسها الاحتلال بحق الشعب والمقدسات الفلسطينية .

ومع ذلك يحمّل بنيامين نتنياهو – رئيس وزراء الكيان الغاصب لفلسطين - المسؤولية لمحمود عباس شخصيا مسؤولية  كونه يحرض على تأجيج  انتفاضة ثالثة – بزعمه - !!

     ما يشهده المسجد الأقصى هذه الأيام هو الأخطر والأكبر منذ أن احتلت القدس فقد أبدى بعض المسؤولين اليهود خشيتهم أن تكون أحداث القدس التي نعيشها اليوم فاتحة لانتفاضة ثالثة، وتأخذ الطابع الديني بعد أن حاولوا أن يغطوها بالطابع القومي وغيره، فقد أبدت وزيرة العدل (تسيبي ليفني) انزعاجها من تفاقم الأحداث، وحذرت من أن «يتحوّل النزاع القومي مع الفلسطينيين إلى نزاع ديني مع العالم الإسلامي بأسره».

وردود الأفعال من الفلسطينيين جاءت عفوية وفردية، وإن كان بعض قد نسب أفرادها إلى تنظيمات إسلامية مقاوِمة، فقد استعملت فيها السيارات لدهس الجنود الاسرائيليين في الشوارع والساحات العامة، كما استعمل بعضهم السكاكين وقضبان الحديد.

ففي الانتفاضة الأولى كانت الحجارة هي السلاح المستخدم ، وفي الانتفاضة الثانية استخدمت الحجارة وأحيانا الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وأطلق عليها انتفاضة الأقصى، وما يجري اليوم يبدو وكأنها انتفاضة ثالثة تعم مناطق الضفة والمناطق التي احتلت في عام 1948م .

يسعى اليهود بكل أطيافهم إلى الهيمنة الكاملة على المسجد الأقصى وإفراغ القدس من سكانها المسلمين تحت شعار (عرب أقل ويهود أكثر)، ليَحل قادة اليهود المشكلة الديمغرافية في القدس، ليكون فيها العرب والمسلمون أقلية مهمشة.

     فالجماعات اليهودية المتطرفة ما هم إلا الذراع الطولي لحكومة الاحتلال لتمارس من خلالهم التهويد والتغيير في المسجد الأقصى ومحيطه؛ فهم يقومون بما لا تستطيع الحكومة عمله علانية. وما تقوم به قوات الاحتلال في شرقي القدس ما هو إلا نموذج لما يقوم به الاحتلال وعصاباته من المغتصبين في كل أراضي فلسطين .

     فأجهزة الاحتلال الرسمية كبلدية القدس ووزارة الداخلية ونظام المحاكم والشرطة وغيرهم، جميعها تعمل يداً بيد مع هيئات غير رسمية مثل جمعيات المغتصبين التي تقوم بمهام لا تستطيع الدولة القيام بها، إما لأسباب قانونية؛ أو لأنها غير لائقة، وتشكل جمعيات المغتصبين اليد الطولى للحكومة، وبالمقابل فهي تمولهم وتزودهم بدعم ورعاية من الحكومة، وبالتعاون مع كل سلطة تابعة للحكومة، ابتداء من البلدية وحتى الشرطة.

لم يُعد تقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً كلاماً يُقال بل تصريحات جلية، وممارسات فعلية، لتتحدد مساحات لكل من المسلمين واليهود، وهذا تمهيد لجعل المسجد هيكلا ومعبدا خالصا لليهود.

ويهدف هذا التقسيم إلى التعجيل في نزع الهوية والسيادة الإسلامية على المسجد الأقصى وشرقي القدس، بل ونزع كامل صلاحيات دائرة الأوقاف الإسلامية في كامل مساحة المسجد الأقصى وتبديلها بمفوض خاص من قبل سلطات الاحتلال، ليصبح المسجد الأقصى بموجبها تابعا لوزارة الأديان الصهيونية.

     فساسة اليهود وجماعتهم المتطرفة يعملون ويشرعون  تقاسم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود ، بل خطوا المقترحات التي ستكون أمراً واقعاً وتنص على أن الجامع القبلي المسقوف هو فقط المسجد الأقصى وفيه فقط تؤدى صلوات المسلمين، أما كامل مساحة صحن قبة الصخرة والجهة الشرقية منه فهو مقدس يهودي خالص!!

وهذا يعطي الحق لليهود بدخول المسجد الأقصى من جميع الأبواب وفي كل الأوقات وفي أماكن واسعة من المسجد الأقصى الذي هو كل ما دار عليه السور، وليس فقط قبة الصخرة والمسجد القبلي ( المصلى الجامع) – كما يشيع اليهود. 

     وهذه الاعتداءات والممارسات لم تأت من فراغ أو ردود أفعال من اليهود للتعجيل في لإقامة الهيكل المزعوم؛ فهي نتاج جهد لسنوات عديدة نسج خلاله حاخامات اليهود وباحثوهم وسياسيوهم وأعوانهم من المستشرقين الكثير من الأساطير حول الهيكل المزعوم الذي سطروا حوله الكثير من الأكاذيب، واتخذوا منها المسوّغات للكثير من الإجراءات والممارسات الممهدة لهدم المسجد الأقصى؛ ليعيدوا أمجادهم المزعومة في بناء ما أسموه: «هيكل سليمان».

واليهود كعادتهم يجيدون استغلال الفرص، بل أن هذه التصريحات وتلك الممارسات ما هي إلا جس نبض الأمة، لمعرفة حقيقتها بعد هذه الفوضى التي تعيشها في ظل ما أسموه الربيع العربي!!

إذا كان أمر التهديدات قد بدا في السنوات الماضية أنه مجرد بالونات اختبار، فإنه من الواضح الجلي أن بالونات الاختبار أضحت مشاريع تناقش في المؤسسات اليهودية الرسمية وبتناغم وتوافق مع الحركات المتطرفة، والمشروع سيطبق ... ما دام الصمت مستمراً.

لا شك أن اليهود انتهزوا فرصة الانشغال فيما سمي بالربيع العربي والفوضى والدماء في العديد من الدول العربية، ليسارعوا الخطى في التهويد وتغيير ما أرادوا أن يغيروا بعد أن أضحت القدس وفلسطين ليست في سلم القضايا الأمة الثكلى.   

 ففي السابق كنا نهزأ من ردود الأفعال العربية والمقتصرة على بيانات الشجب والاستنكار بعد كل اعتداء على المسجد الأقصى، أما الآن فعدنا نقول: أين بيانات الشجب؟ أين الاستنكار لممارسات اليهود في المسجد الأقصى؟!

فهل حقاً ستشتعل انتفاضة ثالثة في ظل انقسام فلسطيني، وضعف للسلطة، وفوضى عربية، وحروب القاتل والمقتول فيها العربي المسلم تحت مسميات وأطراف أوجدوها وسهلوا لها الانتشار، لتحارب ويحارب معها كل ما يتعلق بحقوق المسلمين وثوابتهم !!

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك