رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 10 أكتوبر، 2016 0 تعليق

هل من عودة لكتاتيب؟!

(تلميذ الكُتَّاب) في بعض البلدان كان من السعة بحيث يضم مئاتٍ وآلافاً من الطلاب حتى وصل في بعض الأحيان إلى ثلاثة آلاف

كان بعض المحسنين يرفد تلك الكتاتيب بجوائز ومكافآت مالية وعينيـة وذلك إكراماً لهم وتشجيعاً على التعلُّم والدرس

 

 

الكتاتيب جمع كُتاب، والذي يُعد نقطة الانطلاق للحضارة الإسلامية، حيث يبــدَأ بها في الحركـة التعليمية لإعداد الأجيال الناشئة لمواصلة الدراسة والبحث والتخصُّص العلمي الدقيق، بعد أن تُزوِّدهم بمبادئ التحصيل، وتصقل مواهبهم، وتُنمِّي ثقافاتهم وعلومهم وسلوكهم الاجتماعي، وتُعزِّز معارفهم وقاعدتهم الذهنية؛ ليصبحوا فيما بعد قادة الفكر والعلم والتربية.

     واستمرت تلك الكتاتيب تستمد الرعاية والعناية من الخلفاء والحكام والأثرياء المحسنين والعلماء العاملين، فأنبتت في كثير من الأحيان نباتاً صالحاً، أيْنعت ثمارُه في مشاهير الحكام والقادة والعلماء والحكماء والفقهاء الذين قادوا المجتمعات الإسلامية نحو المجد والسؤدد.

رعاية الخلفاء

     فقد قام كثير من الخلفاء والحكام والقضاة بالإنفاق على العديد من الكتاتيب التي انتشرت في طول البلاد الإسلامية وعرضها، وكثيراً ما وقف الأثرياء المحسنون من التجار وغيرهـم العقارات والمنقولات العينية وبعض أموالهم الأخرى لتكون سيولة وأرصدة مالية مستمرة، تُنفَق على الأساتذة والطلاب، وعلى ما يحتاجون إليه من وسائلَ وأدوات تعليمية ومرافـق أخرى، وكان كثير من هؤلاء المحسنين يقومون بتوفير الأثاث للمتعلمين، فضلاً عن المياه والحطب للدفء في الشتاء القارس، وهكذا حققوا في وقت مبكر ما تسعى إليه كثير من الدول اليوم مما يطلق عليه: (مجانية التعليم).

رعاية المحسنين

     بل كان بعض المحسنين يرفد تلك الكتاتيب بجوائز ومكافآت مالية وعينيـة، وربمـا اشترى للمتعلمين الفاكهة ليأكلوها، والطِّيِب (العُطُورات) ليدهنوا بـه رؤوسـهم، وذلك إكراماً لهم، وتشجيعاً على التعلُّم والدرس، ومن الطرائف المروية في هذا: أن هاشم ابن مسرور التميمي أحد فضلاء ومحسني القرن الثالث الهجري، التاسع الميلادي كان يطوف على الكتاتيب في القيروان، ومعه الجوائز العينية والنقدية والطيب والفاكهة وغيرها، فيوزعها على الصبيان المتعلِّمين عموماً، ويخُص الفقراء والأيتام منهم بأعطياتـه النفيسـة، وذلك تشجيعاً لهم على طلب العلم، ومواساة وإكراماً للفقراء والأيتام منهم.

     و(الكُتَّاب) في بعض البلدان كان من السعة بحيث يضم مئاتٍ وآلافاً من الطلاب، ومما يروى عن أبي القاسم البلخي أنه كان له كتَّاب يتعلم فيه ثلاثة آلاف تلميذ، وكان كتّابه فسيحاً جداً، ولذلك كان أبو القاسم يحتاج إلى أن يركب حماراً ليتردد بين طلابه وليشرف على شؤونهم، وكانت هذه الكتاتيب تمول بأموال الأوقاف.

العصر المملوكي

     وقد ورد في كثير من وثائق العصر المملوكي النص على أن يكون الأطفال المنزّلون بالمكاتب من الأيتام، الذين لم يبلغوا الحلم، المتميزون، الذين فيهم قابلية للتعليم، ومن ذلك جاء بوثيقة الغوري «ومن ذلك أربعة آلاف درهم تصرف لأربعين يتيماً من أيتام المسلمين الفقراء المحتاجين المميزين القابلين للتعليم والقاصرين عن سن البلوغ ينزلون بالمكتب» وكان هؤلاء الأكفال يتقيدون بالحضور إلى تلك المكاتب، وتصرف لهم الرواتب إلى سن البلوغ أو استكمال خمس عشرة سنة، وإذا انتهى الصبي من حفظ القرآن الكريم وختمه، يتم له احتفال كبير سمي (الإصرافة)، ويصرف له مبلغ من المال ليستعين به على معيشته بعد مغادرة المكتب. وكذلك يصرف مبلغ آخر لمؤدبه على سبيل المكافأة.

الأوقاف والكتاتيب

     ووفرت الأوقاف كذلك للمعلمين والمتعلمين بتلك المكاتب، الرواتب المادية والعينية فضلا عن الكساء، والتوسعة عليهم في المناسبات الدينية المختلفة، فقلما تخلو وثيقة وقف من وثائق ذلك العصر من ذكر ذلك والحض عليه، فضلا عن توفير الألواح والأقلام والمداد التي يحتاجونها في تعلمهم والحصر التي يجلسون عليها.

     وهكذا كانت الأوقاف هي أساس التعليم بمراحله المختلفة وأساس النهضة العلمية التي شهدتها مصر في العصر المملوكي. وكان المساس بهذه الأوقاف التي على مثل هذه المؤسسات، بمصادرة أو نهب أو تلاعب معناه توقف الحياة العلمية بهذه المؤسسات بعد أن يهجرها أربابها؛ مما يؤثر بالسلب على الحياة العلمية.

     وقامت تلك المكاتب التي اعتمدت على الأوقاف في استمرارها بدور كبير في انتشار التعليم بين طبقات الشعب المختلفة، ولعل كثرتها أثارت انتباه علماء الحملة الفرنسية فذكروا « أن من الأمور اللافتة أن المدارس العمومية (المكاتب) لا تدين بوجودها إلا لأعمال البر، وهذه المدارس كثيرة العدد في أي مدينة تحظى بدرجة ما من الأهمية، ويقوم الرجل الذي عادة ما يخصص جزءًا من الميراث الذي سيتركه لأولاده بإنشاء مدرسة عمومية والصرف عليها. ولولا حسنات هؤلاء الأغنياء لكانت مصر وتركيا معا محرومتين تماماً من معرفة المبادئ الأولية للتعليم، وفي معظم الأحيان يكون المبلغ المخصص للعناية بالمدارس وفيراً لحد يسمح بالصرف على طعام الأطفال الفقراء وكسائهم وتعليمهم مهما كان عددهم».

المناهج وطرائق التدريس

     أما المناهج وطرائق التدريس في تلك المكاتب فكانت تدور حول تعليم الأطفال بعض مبادئ الدين الحنيف فضلا عن تعلم القراءة والكتابة والخط وبعض مبادئ الحساب، بما يتناسب والمرحلة العمرية لهؤلاء الأطفال، فكان أول شيء يفعله المؤدب مع هؤلاء الأطفال تعليمهم قراءة القرآن والأدب، ثم ينتقل بهم إلى تعليمهم الصلاة ومقدماتها «ويأمرهم بها في أوقاتها»، بعد ذلك ينتقل بهم إلى تعلم حروف الهجاء والقراءة والخط العربي ثم» يمرنهم على الكتابة.

وظلت الكتاتيب مؤسسة مجتمعية أساسية تقوم بدورها في نشر المبادئ الأولية للتعليم ومحو أمية قطاعات كبيرة من النشيء في مختلف الأمصار.

ثم مضت تلك القرون المعطَاءَة، وحلَّ الوهن والشيخوخة في بقايا الكتاتيب، حـتى أُلغيت في كثير من الأقطار الإسلامية، أو تقلَّص دورها، لتنهض به المؤسسات التعليمية الحديثة.

علاج ضعف مخرجات

     ولعلاج ضعف مخرجات تلك المؤسسات أصدرت العديد من الجهات العلمية والتربوية والبحثية، منها المجلـس القومي للتعليم والبحث العلمي بمصر توصيات عدة، تطالب فيها بضرورة إعادة دور (الكتاتيب) وتفعيله بوصفه جهة مساندة للمؤسسات التعليمية الحديثة، في تحفيظ القرآن الكريم، وتعليم اللغة العربية، وتعميق القيم الدينية، وغرس الخُلُق والفضـيلة، ورعايـة الـنشء، وصياغتهم صياغة سليمة، ولاسيما قبل دخولهم إلى المؤسسات التعليمية الحديثة؛ وذلك لما يُشهد لهذه الكتاتيب ما قامت به من دور تاريخي ملموس وفعّال في صياغة الأجيال الإسلامية، وقد تأيدت هذه الرغبات والتوصيات بنتائج استفتاءات أجريت في العديد من المواقع الإلكترونية.

بعد أن ارتفعت نسبة الأمية في العالم العربي ما يقارب 35% ، فضلاً عن وجود 8 ملايين طالب في العالم العربي ممن لم يجدوا مقاعد دراسية في العام الدراسي 2014-2015م.

     ألا يدعونا ذلك للقول هل من عودة لنظام الكتاتيب؟ ولا يعني ذلك إلغاء المؤسسات التعليمية، بل تبقى ويعالج الخلل في مناهجها، وألا يتطلب ذلك وبعجالة دراسة أسباب ضعف قدرات طلبة الثانوية، بل والخريجين من الجامعات، الذين يتعثرون في قراءة فقرة من خمسة أسطر!!!.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك