رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة: د. أحمد عبدالحميد 25 أغسطس، 2015 0 تعليق

هل مصر في حاجة إلى قانون الإرهاب الجديد؟

صادق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على قانون مكافحة الإرهاب الجديد، الذي يثير الكثير من الجدل في المجتمع المصري ولا سيما الصحافيين ورجال الإعلام؛ حيث ينص على فرض عقوبات ثقيلة قد تصل إلى حد الإيقاف عن العمل، ودفع غرامات ثقيلة على الذين يوردون معلومات تناقض البيانات الرسمية بشأن الاعتداءات الإرهابية والوضع الأمني، هذا وكان الرئيس المصري قد دعا في وقت سابق إلى إجراء تعديلات قانونية بهدف تحقيق ما وصفها بـ(العدالة الناجزة)، وذلك على خلفية اغتيال النائب العام في مصر هشام بركات.

بين قانون الطوارئ وقانون الإرهاب

     لا شك أن الأحداث التي دعت لفرض قانون الطوارئ في مصر قديماً تكررت بحذافيرها في سيناء مؤخرًا، وهو ما أدى لعودة فرض الحالة جزئياً في محافظتي شمال سيناء وجنوبها، وقد أدى ذلك إلى تعالي الأصوات الداعية لفرض حالات استثنائية تتيح للسلطة التنفيذية حرية أكبر في التعامل مع منظمات العنف والجريمة المنظمة الأمر الذي جعل السلطة ممثلة في بعض اللجان التشريعية تسرع في تقديم قانون مكافحة الإرهاب الذي دعا إليه الرئيس السيسي.

أسباب التسريع بالقانون

     ولا شك أن حوادث العنف المتتالية التي أعقبت فض اعتصام رابعة العدوية في الرابع عشر من أغسطس لعام 2013 سرعت بخروج هذا القانون رغم غياب المجلس التشريعي المنوط بإصدار مثل هذه القوانين، وكان الرئيس السيسي قد أعلن بعد 30 يونيو للعام نفسه إعلان حالة الطوارئ بصفته قائداً للمجلس العسكري وقتها، وقد طلب إعلامياً من الشعب المصري ما أسماه تفويضاً لمواجهة العنف والإرهاب المحتمل، ومنذ فض اعتصام رابعة توالت أحداث العنف المنظم وتوالت التفجيرات وعمليات الاغتيال المنظمة لتأتي إحداها لتصيب الشارع المصري بصدمة كبيرة باغتيال النائب العام السابق هشام بركات في أواخر يونيو من هذا العام، لتثير هذه الحادثة حالة من الغضب العارم في أوساط الشعب المصري خصوصاً، وفي أروقة السلطة ممثلة في رئيس الجمهورية لما لهذه الحادثة من دلالة رمزية بالغة الخطورة، وأمام وسائل الإعلام طالب الرئيس السيسي القضاة واللجنة التشريعية العليا بسرعة تعديل قانون الإجراءات الجنائية ولاسيما فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب ليخرج القانون إلى حيز التنفيذ بعد شهرين تقريباً من هذه المطالبة الملحة.

انتقادات حادة للقانون

     كانت هذه هي ملابسات عودة قانون الطوارئ في ثوب أكثر إقناعاً هذه المرة، وبرغم ذلك فإن هذا القانون الأخير لم يسلم من انتقاد العديدين ولاسيما الصحفيين الذين رأوا فًي القانون تهديداً لعملهم المهني، كما تعرض القانون لانتقادات من قبل حقوقيين وسياسيين قالوا: إنه يكرس لحالة طوارئ دائمة، ويحد من الحريات، ويفتح الباب لمزيد من القبضة الأمنية، وينتهك حقوق المواطنين التي ضمِنها الدستور.

     وعارض مشروع القانون: نقابة الصحفيين، ومجلس القضاء الأعلى، والمجلس القومي لحقوق الإنسان، وعدد من المنظمات الحقوقية، ويقول منتقدوه: إنه يمكن استخدامه ضد أي شخص يعارض السلطة، ولاسيما في المواقع الإعلامية.

     من جهتها، نقلت وكالة رويترز عن المحامي والحقوقي جمال عيد رئيس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، قوله: إن القانون الجديد فيه «الكثير من مواد القانون غير دستورية».

أهم مواد القانون

     من أهم مواد القانون أنه ينص على تخصيص دوائر في محاكم الجنايات لنظر قضايا اﻹرهاب، ويعاقب باﻹعدام 12 جريمة إرهابية يترتب عليها قتل أشخاص واﻹضرار بالوطن، فضلا عن عقوبات أخرى غير السجن مثل اﻹبعاد عن مصر للأجنبي وتحديد اﻹقامة والمنع من استخدام وسائل اتصال معينة، ويعاقب بالغرامة والعقوبات التأديبية من ينشر معلومات أو بيانات عن العمليات اﻹرهابية بالمخالفة للبيانات الرسمية.

     وينظم الباب الثاني من المشروع الأحكام الإجرائية لضبط الجرائم الإرهابية، فينص على أنه «لمأمور الضبط القضائي (الشرطة) لدى قيام خطر من أخطار جريمة الإرهاب الحق في جمع الاستدلالات عنها والبحث عن مرتكبيها والتحفظ عليهم لمدة لا تجاوز 24 ساعة، ويحرر مأمور الضبط القضائي محضراً بالإجراءات، ويعرض المتحفظ عليه على النيابة العامة أو سلطة التحقيق المختصة بحسب الأحوال، ولكل منهما قبل انقضاء مدة الأربع والعشرين ساعة أن تأمر باستمرار التحفظ لمرة واحدة مدة لا تجاوز 7 أيام، ويصدر الأمر مسبباً من درجة محام عام على الأقل أو ما يعادلها، وتحتسب مدة التحفظ ضمن مدة الحبس الاحتياطي، ويجب إيداع المتهم في أحد الأماكن المخصصة قانونا».

     وينص على أن «يبلغ مأمور الضبط القضائي كل من يتحفظ عليه بأسباب ذلك، ويكون له حق الاتصال بمن يرى إبلاغه من ذويه بما وقع، والاستعانة بمحام، وذلك دون الإخلال بمصلحة الاستدلال»، بينما تنص المادة 40 على إلزام مأمور الضبط القضائي خلال مدة التحفظ المنصوص عليها (24 ساعة) وقبل انقضائها بـ«تحرير محضر بالإجراءات وسماع أقوال المتحفظ عليه وعرضه صحبة المحضر على النيابة العامة أو سلطة التحقيق المختصة لاستجوابه خلال 48 ساعة من عرضه عليها، والأمر بحبسه احتياطياً أو الإفراج عنه».

صلاحيات رئيس الجمهورية

     وتجيز المادة 54 «لرئيس الجمهورية متى قام خطر من أخطار الجرائم الإرهابية أو ترتب عليه كوارث بيئية، أن يصدر قراراً باتخاذ التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام، بما في ذلك إخلاء بعض المناطق أو عزلها أو حظر التجول فيها، على أن يتضمن القرار تحديد المنطقة المطبق عليها لمدة لا تجاوز 6 أشهر».

     وتلزم المادة بـ«عرض هذا القرار على مجلس النواب خلال الأيام السبعة التالية ليقرر ما يراه بشأنه، فإذا كان المجلس في غير دور الانعقاد العادي وجبت دعوته للانعقاد فورا، فإذا كان المجلس غير قائم وجب أخذ موافقة مجلس الوزراء، على أن يعرض على مجلس النواب الجديد في أول اجتماع له، ويصدر القرار بموافقة أغلبية عدد أعضاء المجلس، فإذا لم يعرض القرار في الميعاد المشار إليه، أو عرض ولم يقره المجلس اعتبر القرار كأن لم يكن ما لم ير المجلس خلاف ذلك».

     وتجيز المادة لرئيس الجمهورية مد مدة (التدابير المناسبة) بعد موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب «ويشترط في الحالات العاجلة التي تتخذ فيها التدابير المشار إليها بمقتضى أوامر شفوية، أن تعزز كتابة خلال 8 أيام».

القانون بين المؤيدين والمعارضين

     الدكتور شوقي السيد خاطر الفقيه الدستوري كان ممن أيد القانون قائلاً: إنه جاء في التوقيت المناسب ولكن المهم أن تقوم الدولة بتطبيقه بكل جدية وحزم وصرامة دون تراخٍ؛ فقانون العقوبات يتحدث عن أمن البلاد والمجتمع ومليء بالعقوبات ومفصل ولكن المهم التطبيق.

     كذلك قال شادي طلعت مدير منظمة اتحاد المحامين للدراسات القانونية والديمقراطية: هذه القوانين يجب أن يكون منصوصا عليها في الدستور الجديد أو القانون المصري بصفة عامة ولا سيما أن رد الفعل الدولي على عقوبة الإعدام لم تجد معارضة؛ لأنها تحفظ الأمن القومي للدولة.

     وأضاف شادي أن هذا القانون سيكون ناجحاً بكل المقاييس ولا سيما أننا لم نخصص من قبل قانونا خاصا لعقوبة الإرهاب أو التحريض عليه إن لم يكن وجود بعض المواد في قانون العقوبات، مضيفًا أن هذه العقوبة ستجعل القانون له أثر إيجابي داخل مصر خاصة بعد وقوع أكثر من حادث إرهابي عقب إزاحة جماعة الإخوان عن السلطة.

مصر ليست في حاجة لهذا القانون

     أما الدكتور رأفت فودة، الفقيه الدستوري، فيرى أن مصر ليست في حاجة لقانون إرهاب، بل نحتاج إلى قوانين لإنعاش الاقتصاد المترنح وعودة الاستثمار والسلم الاجتماعي، مصر في حاجة لمد يد العون من كل طرف للآخر وطهارة القلوب.

     وأضاف فودة، أن السادات حاول مرات عدة تطبيق هذا القانون بمسميات مختلفة وعدل في المادة 179 من الدستور إلا أنه فشل في ذلك.

     وأضاف: «إن الإرهاب له مسميات متعددة تستخدمه السلطة الحاكمة من حين لآخر كل حسب عدوه، ومصر لديها ترسانة من القوانين واللوائح لمكافحة الإرهاب والجرائم تكفي لتطهير مصر والدول المجاورة من الإرهاب».

     وأخيرًا: فكثيرة هي القوانين المكتوبة، وكثيرة هي القوانين غير المكتوبة أيضاً، ففي ظل ترسانة من القوانين التي يصعب تطبيقها تظل حبراً على ورق، ويصبح التطبيق غالباً رهناً للتوجهات السياسية وبناء على تفاهمات السياسة ومعادلاتها، هذا ما ستسفر عنه قادم الأيام ولا سيما والبلاد تنتظر على صفيح ساخن تطبيق مجموعة كبيرة من الأحكام المشددة والإعدامات التي صدرت بحق كثير من المعارضين، فضلا عن إقبال البلاد على استحقاقات برلمانية ستكشف عن مدى صدق النوايا المعلنة من كون القانون الجديد موجها فقط ضد الإرهاب. ويبقى السؤال: هل مصر فعلا في حاجة لمثل هذا القانون؟

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك