هل كل من يعارض المالكي إرهابي؟! مذكرة اعتقال الهاشمي.. انقلاب على الديمقراطية أم ابتلاع السنة سياسيّاً؟
بقرار توقيف نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي يكون المالكي قد بدأ الحلقة الأخيرة من مخطط الانقلاب على العملية السياسية وإقصاء السنة عن رسم مستقبل العراق في مرحلة تخفيض الاحتلال الأمريكي العسكري إلى احتلال خفيف العدد والعتاد أو ما يسمى (الانسحاب الأمريكي من العراق).
ويأتي توقيت قرار اعتقال الهاشمي –الرمز السياسي الأكبر للسنة- بعد 24 ساعة من الانسحاب الأمريكي، ليعبر عن الخطة الطائفية التي يتبناها المالكي وأعوانه الإقليميون لرسم خريطة العراق المستقبلية بعد الانسحاب الأمريكي الذي ترك ملايين الملفات والقنابل الموقوتة في البلد الذي احتله الأمريكان منذ 9 سنوات دون فائدة تذكر سوى تدميره سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، ففي ضوء التمدد الطائفي في مفاصل الحياة العراقية سيشهد العراق المزيد من الإشكالات التي تؤدي إلى تفجير كافة الصيغ التوافقية على الصعيد السياسي ومن ثم تصبح الكلمة في يد من يملك السيطرة على الأرض بقوة السلاح أو بقوة المال أو بأي قوة أخرى.
فرغم سياسات التهميش والإقصاء والقتل على المذهب التي انتهجها المالكي ومن قبله الأحزاب الطائفية التي تنفذ أجندة صفوية اخترقت كل مكونات العراق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.. رغم كل ذلك لم تكتف منظومة الطائفية بالتشارك مع مكون المجتمع العراقي الأكبر من السنة في مرحلة العراق الجديد الخالي من السيطرة والاحتلال الأمريكي السافر.
سيناريو الانقلاب
وجاء السيناريو متسارعا بتصعيد سياسات الاقصاء والتهميش والتسريح من الوظائف للمواطنين العراقيين من المناطق التي يتركز بها السنة، بجانب السيطرة الطائفية على ملفات الدفاع والداخلية من قبل المالكي الذي يدير وزارتي الدفاع والداخلية.
ومع تلك السياسات بات المواطن العراقي في المحافظات السنية يعاني الإهمال وفقدان أبسط مقومات الحياة من الأمن والطعام والعمل، فهددت بعض المحافظات السنية بإعلان استفتاء على الأقاليم في ضوء الكونفدرالية بوصفها مخرجا سياسيا من التهميش والإقصاء، وليس لدواعٍ طائفية أو عقدية؛ إذ يؤمن الجميع بوحدة العراق في إطار يحترم الحقوق ويقدر الفيدرالية التشاركية الحقيقية...حيث أعلن مجلس محافظة صلاح الدين في 21 أكتوبر الماضي المحافظة إقليما فيدراليا،؛ الأمر الذي نال تأييد القائمة العراقية، بل أعلن رئيس البرلمان أسامة النجيفي -من قادة القائمة العراقية- دعمه للفيدرالية في صلاح الدين، وتبعه صالح المطلك وطارق الهاشمي، ثم تلتها محافظة الأنبار هي الأخرى بإعلان نيتها التحول إلى الفيدرالية من خلال استفتاء جماهيري لهذا الغرض.
الأمر الذي استخدمته حكومة المالكي فزاعة أمام الأطراف المختلفة في الداخل والخارج للانقضاض على المشروع السياسي في توقيت بالغ الدقة مع بداية الانسحاب الأمريكي من القواعد العسكرية.. وجاءت كلمة السر لمشروع المالكي الطائفي للانقلاب على العملية السياسية والديمقراطية بالعراق بالإعلان عن مخطط بعثي لقلب نظام الحكم يتزامن مع بدء الانسحاب الأميركي من العراق نهاية العام الحالي، قال المالكي: إن محمود جبريل كشف عنه خلال زيارته القصيرة لبغداد مؤخرا، من خلال وثائق تم العثور عليها مع مقربين من الرئيس الليبي السابق، وعلى أثر ذلك بدأت حملة اعتقالات واسعة شملت بعثيين وضباطا سابقين في الجيش العراقي، بلغ عددهم 615 في المحافظات الغربية ذات الغالبية السنية، أعدتها القائمة العراقية التي يتزعمها إياد علاوي عملية استهداف للمكون السني؛ مما دفع المالكي لتدارك الأمر بمجموعة اعتقالات وتوقيف في المحافظات الوسطى والجنوبية لدفع تهمة الطائفية عنها.
وفي مقابل ذلك التصعيد سعى رئيس الجمهورية جلال طالباني ونائباه طارق الهاشمي وخضير الخزاعي بتقديم مبادرة ثلاثية لحل الأزمة، لكن جاء الرد التصعيدي مباشرة؛ حيث اتهم أعضاء بـ«دولة القانون» النجيفي بالتصرف كرئيس دولة وليس كرئيس برلمان.؛ مما دفع المطلك لاتهام المالكي بالديكتاتورية خلال لقاء تلفزيوني بـ(السي إن إن)، وفي فبركة إعلامية أعلن المالكي ومقربون منه عبر قناة «العراقية» عن وجود مخططات إرهابية تتورط فيها قيادات حكومية كبيرة (يقصد بها الهاشمي).
وردا على موجة الاعتقالات الممنهجة في محافظات السنة، أعلنت «العراقية» تعليق عضويتها في البرلمان وهددت بالاستقالة من الحكومة لثني المالكي عن سياسات التهميش والإقصاء والعمل وفق أجندة إيرانية، يرفضها غالبية العراقيون، إلا أن إصرار المالكي على الوصول بقطار التصعيد والإقصاء وصل مرحلة اللاعودة، بإعادته مذكرة مؤجلة لاعتقال الهاشمي بعد أن منعه من السفر مسبقا، ومنع مكتب المالكي صالح المطلك نائب المالكي من دخول مبنى مجلس الوزراء وسحب صلاحياته كاملة، وتقدم نواب من «دولة القانون» بطلب برلماني بسحب الثقة منه وإسقاطه برلمانيا بدعوى أنه لم يعد مؤهلا لمنصبه كنائب لرئيس الوزراء.. وذلك عقب بث اعترافات لعدد من حراس الهاشمي الشخصيين –بعد ضغوط وبمؤامرة أمنية مفبركة- بضلوع الهاشمي في عدد من العمليات الإرهابية والتفجيرات التي استهدفت مسؤولين حكوميين.
منحى خطير
وتكمن خطورة قرار توقيف الهاشمي الموجود حاليا بمقر إقامة الرئيس العراقي جلال الطالباني بكردستان، من الناحية القانونية في تسييس القضاء لصالح عصابة المالكي؛ حيث صدر القرار من هيئة تحقيق خماسية خاصة شكلها مجلس القضاء الأعلى العراقي، الذي يهيمن عليه فريق المالكي.. والذي يريد أن يسيطر على كافة مفاتيح السلطة في العراق، بعد أن نجح في تطويق الدستور لصالح الأقلية النيابية على حساب أغلبية القائمة العراقية الحائزة 91 مقعدا نيابيا، وذلك بالتوافق بين أمريكا وإيران أصحاب مشاريع الاحتلال والهيمنة الصليبية والصفوية في العراق.. وذلك وفق تصريحات ميسون الدملوجي المتحدثة باسم القائمة العراقية بزعامة رئيس الوزراء السابق إياد علاوي، التي ينتمي إليها الهاشمي؛ « إن المالكي يريد القبض على كافة مفاتيح السلطة في العراق»، واصفة خطوة المالكي بأنها «لعبة سياسية».
رفض شعبي
وفي سياق آخر، أثار القرار غضب الشارع العراقي والكثير من الأطراف الدولية والإقليمية التي رأت أن قرار توقيف الهاشمي بمثابة الانقضاض على العملية السياسية، تحت مزاعم «الإرهاب» التي يجيدها المالكي وحلفاؤه الذين اخترقوا التنظيمات المسلحة التي تنتشر في العراق وتعمل وفق أجندة طائفية، بدليل أن معظم القتلى من جنود الاحتلال لم يقعوا إلا في المناطق السنية التي تتركز فيها قوات كتائب حماس العراق وأنصار السنة وقوات جامع وثورة العشرين.
وفي الإطار نفسه أعلنت الأحزاب الكردستانية والكتلة البرلمانية الممثلة لها ضرورة التوقف عند هذا الحد ومنع الانهيار السياسي في أعقاب خروج الأمريكان واعتماد آلية الحوار، ودعا رئيس كردستان العراق مسعود البارزاني إلى عقد مؤتمر وطني عاجل لتجنيب العملية السياسية الانهيار وتعرض البلد إلى ما لا تحمد عقباه، داعيا للتعاون من أجل الحيلولة دون حدوث أي فراغ أمني بعد خروج القوات الأميركية.
ورأت الصحف العالمية أن الأحداث في الأربعة وعشرين ساعة الأولى بعد انسحاب القوات الأميركية تنذر بتوتر قد ينتج عنه انفراط عقد الائتلاف الشيعي السني الكردي الذي تم التوصل إليه بمساعدة أميركية العام الماضي، والذي يعاني أصلا تصدعات عديدة.
وحذر المراقبون من خطوة المالكي التي يمكن أن تضعه في مواجهة ليس مع السنة العرب فحسب، بل أيضا مع إقليم كردستان الذي لديه العديد من القضايا العالقة مع بغداد بشأن مناطق متنازع عليها وقضايا النفط والتنقيب.
تقدير مستقبلي
وعلى المدى القريب يكمن الحل الآمن للمشكلة في إلغاء قرار التوقيف وسحب القرارات الطائفية التي اتخذها المالكي، وإصدار مراسيم الإفراج عن المعتقلين والعفو العام عن السجناء وإطلاق الدرجات الوظيفية ومنح أو زياردة الرواتب المعيشية للعوائل الفقيرة والقضاء على البطالة ومحاربة الفساد والتهميش والإقصاء.
كما أن وقف تسييس القضايا الأمنية من قبل المالكي بات ضرورة على أهل السنة مواجهتها بفاعلية أكبر من خلال كشف العمليات الإرهابية والقتل الطائفي الذي أدمنته العصابات المسلحة التي تحتضنها إيران، وكذا التنظيمات المسلحة التي تم اختراقها من قبل طهران، كتنظيم القاعدة في العراق الذي بات اختراقه من قبل آيات قم معروفا للشارع العراقي، بحسب وصف د.عبد الله الحافظ المتحدث باسم «جامع».
وعلى المدى البعيد، لابد من إعادة النظر في الترويكا الحكومية وضبط العلاقات السياسية بين أطراف العمل السياسي، في ضوء استمرار العمل المقاوم مدنيا وعسكريا.. مع ضرورة موازنة الدور الإيراني بأدوار عربية حفاظا على وحدة العراق بعيدا عن الأجندات الوطنية.
لاتوجد تعليقات