هل رجع سليمان بن عبدالوهاب عن ضلالاته؟ (الحلقة الخامسة)
هل رجع سليمان بن عبدالوهاب عن ضلالاته وعداوته للتوحيد أم بقي مصراً على ذلك العداء؟ يروي الشيخ عبدالله بن بسام في كتابه «علماء نجد» عدم صحة رجوع الشيخ سليمان، وله في سياق ذلك أدلة كثيرة. ويقول الإمام عبدالرحمن بن حسن -رحمه الله: «وممن أورد هذه الشبه، على طروء الشرك في هذه الأمة، عليه- أي محمد بن عبدالوهاب -عبدالله المويس راعي حريملة، وابن إسماعيل في الوشم، وسليمان بن عبدالوهاب في العارض»(1).
ويقول -رحمه الله- عن عدم صحة توبة الشيخ سليمان: وقد اكتفيت بما ذكره شيخنا في رده على سليمان بن عبدالوهاب الذي صدره بحديث عمرو بن عبسة(2).
فالشيخ عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب -رحمهم الله- لم يرد منه أي دليل على توبة الشيخ سليمان، ولكن هناك إشارات بأن الشيخ سليمان بن عبدالوهاب رجع عن ضلالاته وتاب وعاد إلى الدعوة السلفية.
يقول عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن(3): «وقد رأيت لسليمان رسالة يعارض فيها الدعوة وتأملاتها، فإذا هي رسالة جاهل بالصناعة، مزجى التحصيل والبضاعة»(4).
ثم قال: «وقد وقفت على رسالة تدل على رجوعه أثناء تسويد الكتاب»(5).
وكتاب (مصباح الظلام) ألفه بعد كتاب (منهاج التأسيس)، وإن لم يتم المنهاج، وعلى ذلك فأمر رجوع الشيخ سليمان -آنذاك كان خفياً على المجدد الثاني الشيخ عبدالرحمن بن حسن، وكذا ابنه الشيخ عبداللطيف، ثم لم يعلم الشيخ عبداللطيف برجوع سليمان إلا أخيرا وهو ما يفهم من قول الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن: وقد منّ الله وقت تسويد هذا الكتاب بالوقوف على رسالة لسليمان، فيها البشارة برجوعه عن مذهبه الأول، وأنه قد استبان له التوحيد والإيمان، وندم على ما فرط من الضلال والطغيان، وهذا نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
من سليمان بن عبدالوهاب إلى الأخوين: حمد ابن محمد التويجري وأحمد ومحمد ابني عثمان ابن شبانة.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، (وبعد): فأحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وأذكركم بما منّ الله به علينا وعليكم من معرفة دينه، ومعرفة ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده، وبصرنا به من العمى، وأنقذنا من الضلالة، وأذكركم بعد أن في الدرعية من معرفتكم الحق على وجهه، وابتهاجكم به، وثنائكم على الله الذي أنقذكم، وهذا دأبكم في سائر المجالس عندنا، وكل من جاءنا بحمد الله يثني عليكم، والحمدلله على ذلك، وكتبت لكم بعد ذلك كتابين غير هذا أذكركم وأحضكم، ولكن يا إخواني معلومكم ما جرى منا من مخالفة الحق، واتباعنا سبل الشيطان، ومجاهدتنا في الصد عن اتباع سبل الهدى.
والآن -معلومكم- لم يبق من أعمارنا إلا اليسير والأيام معدودة، والأنفاس محسوبة، والمأمون أن نقول لله ونفعل مع الهدى أكثر مما فعلنا مع الضلال، وأن يكون ذلك لله وحده لا شريك له، لعل الله يمحو عنا سيئات ما مضى وسيئات ما بقي. ومعلومكم عظم الجهاد في سبيل الله، وما يكفر من ذنوب، وأن الجهاد باليد واللسان والقلب والمال، وتفهمون أجر من هدى الله به رجلا واحدا.
والمطلوب منكم أكثر مما تفعلون الآن، وأن تقوموا لله قيام صدق، وأن تبينوا للناس الحق على وجهه، وأن تصرحوا لهم تصريحا بيناً بما كنتم عليه أولاً من الغي والضلال.
فيا إخواني الله الله، فالأمر أعظم من ذلك فلو خرجنا نجأر إلى الله في الفلوات وعدّنا الناس من المجانين في ذلك لما كان ذلك بكثير منا.
وأنتم رؤساء الدين والدنيا في مكانكم أعز من الشيوخ، والعوام كلهم تبع لكم، فاحمدوا الله على ذلك، ولا تعتلوا بشيء من الموانع.
وتفهموا أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر لا بد أن يرى ما يكره، ولكن أرشدكم في ذلك إلى الصبر، كما حكي عن العبد الصالح لقمان في وصيته لابنه، فلا أحق من أن تحبوا لله، وتبغضوا لله، وتوالوا لله، وتعادوا لله.
ونراه يعرض في هذا أمورا شيطانية، وهي: «أن من الناس من ينتسب لهذا الدين وربما يلقي الشيطان لكم أن هذا ما هو بصادق، وأن له ملحظاً دنيوياً، وهذا أمر ما يطلع عليه إلا الله، فإذا أظهر أحد الخير فاقبلوه منه ووالوه، فإذا ظهر من أحد شر وإدبار عن الدين فعادوه واكرهوه، ولو أحب حبيب.
وجامع الأمر في هذا: أن الله خلقنا لعبادته وحده لا شريك له، ومن رحمته بعث لنا رسولا يأمرنا بما خلقنا له، وبين لنا طريقه، وأعظم ما نهانا عنه الشرك بالله وعداوة أهله، وأمرنا بتبيين الحق وتبيين الباطل فمن التزم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فهو أخوك ولو أبغض بغيض، ومن نكب عن الصراط المستقيم فهو عدوك ولو ولدك أو أخاك.
وهذا شيء أذكركموه مع أني بحمد لله أعلم أنكم تعلمون ما ذكرت لكم، ومع هذا فلا عذر لكم عن التبيين الكامل الذي لم يبق معه لبس، وأن تذكروا دائما في مجالسكم ما جرى منا ومنكم أولا، وأن تقوموا مع الحق أكثر من قيامكم مع الباطل، فلا أحق من ذلك ولا لكم عذر؛ لأن اليوم الدين والدنيا ولله الحمد مجتمعة في ذلك، فتذاكروا ما كنتم فيه أولا في أمور الدنيا من الخوف والأذى، واعتلاء الظلمة والفسقة عليكم، ثم رفع الله ذلك كله بالدين، وجعلكم السادة والقادة، وذلك من آثار دعوة شيخ الإسلام، وعلم الهداة والأعلام.
ثم -أيضا- ما منّ الله به عليكم من الدين، انظروا إلى مسألة واحدة مما نحن فيه من الجهالة قبل انتشار هذه الدعوة الإسلامية، كان البدو تجري عليهم أحكام الإسلام، مع معرفتنا أن الصحابة قاتلوا أهل الردة وأكثرهم متكلمون بالإسلام، ومنهم من أتى بأركانه، ومع معرفتنا أنه من كذب بحرف من القرآن كفر ولو كان عابدا، وأن من استهزأ بالدين أو بشيء منه فهو كافر، وأن من جحد حكماً مجمعاً عليه فهو كافر، إلى غير ذلك من الأحكام المكفّرات، وهذا كله مجتمع في البدو وأزيد، وتجري عليهم أحكام الإسلام اتباعا لتقليد من قبلنا بلا برهان.
فيا اخواني: تأملوا وتذاكروا في هذا الأصل يدلكم على ما هو أكثر من ذلك، وأنا أكثرت عليكم الكلام؛ لوثوقي بكم أنكم ما تشكون في شيء فيما تحاذرون إلى الله -تعالى- أن يعيذكم من شرور أنفسكم وسيئات أعمالكم، وأن يهديكم إلى الصراط المستقيم الذي عليه رسله وأنبياؤه، وعباده الصالحون، وأن يعيذكم من مضلات الفتن، فالحق واضح أبلج، وماذا بعد الحق إلا الضلال.
فالله الله، ترى الناس الذين في جهاتكم تبع لكم في الخير والشر، فإن فعلتم ما ذكرت لكم ما قدر أحد من الناس أن يرميكم بشر، وصرتم كالأعلام هداية للحيران، فإن الله -سبحانه وتعالى- هو المسؤول أن يهدينا وإياكم سبل السلام.
والشيخ وعياله وعيالنا طيبون ولله الحمد، ويسلمون عليكم، وسلموا لنا على من يعز عليكم، والسلام.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه، اللهم اغفر لكاتبها ولوالديه ولذريته، ولمن نظر فيها فدعا له بالمغفرة، والمسلمين والمسلمات أجمعين»(6).
فأجابوه وهم في أشد الفرح بتوبته ورجوعه إلى الحق، وهذا نص الرسالة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد سيد المرسلين.
من كاتبه الفقير حمد التويجري وأحمد بن عثمان وأخيه محمد، إلى من منّ الله علينا وعليه باتباع دينه، واقتفاء هدى محمد نبيه وأمينه صلى الله عليه وسلم ، الأخ: سليمان بن عبدالوهاب، زادنا الله وإياه من التقوى والإيمان، وأعاذنا وإياه من نزغات الشيطان -سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعد إبلاغ الشيخ وعياله، وعبدالله وإخوانه السلام، وبعد: فوصلت إلينا نصيحتك، جعلكم الله من الأئمة الذين يهدون بأمره، الداعين إليه وإلى دين نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، فنحمد الله الذي فتح علينا وهدانا لدينه، وعدلنا عن الشرك والضلال، وأنقذنا من الباطل والبدع المضلة، وبصرنا بالإسلام الصرف الخالي من شوائب الشرك، فلقد منّ الله علينا وعليكم، وله الفضل والمنة، بما نور قلوبنا من اتباع كتابه، وسنّة نبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وعدلنا عن سبيل من ضل وأضل بلا برهان، ونسأله أن يتوب علينا وعليكم ويزيدنا من الإيمان.
فلقد خضنا، فيما مضى بالعدول عن الحق ودحضناه، وارتكبنا الباطل ونصرناه جهلاً منا وتقليدا لمن قبلنا، فحق علينا أن نقوم مع الحق قيام صدق، أكثر مما قمنا مع الباطل على جهلنا وضلالنا.
فالمأمول والمبغي منا ومنكم ومن جميع إخواننا التبيين الكامل الواضح؛ لئلا يغتر بأفعالنا الماضية من يقتدي بجهلنا، وأن نتمسك بما اتضح وابلولج من نور الإسلام، وما بين الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- من شريعة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلقد حاربنا الله ورسوله واتبعنا سبيل الغي والضلال، ودعونا إلى سبيل الشيطان، وتنكبنا كتاب الله وراء ظهورنا، جهلا منا وعداوة، وجاهدنا في الصد عن دين الله ورسوله، واتبعنا كل شيطان تقليدا وجهلا بالله، فلا حول ولا قوة إلا بالله: {قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} (الأعراف:23)، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين.
فالواجب منا لما رزقنا الله معرفة الحق أن نقوم معه أكثر من قيامنا مع الباطل، ونصرح بالتبيين للناس بأننا كنا على باطل فيما فات، ونقوم له مثنى وفرادى، ونتوكل على الله عسى أن يتوب علينا ويعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأن يهدينا سبل السلام، وأن يجعلنا من الداعين إلى الهدى، لا الدعاة إلى النار.
فنحمد الله الذي لا إله إلاّ هو، حيث منّ علينا بهذا الشيخ في آخر هذا الزمان، ودعا إلى الله وإلى توحيده في السر والإعلان، وجعله الله بفضله وإذنه هاديا للتائه الحيران، نسأل الله العظيم أن يمتع المسلمين به، ويعيذه من شر كل حاسد وباغ، ويبارك في أيامه، وأن يجعل جنة الفردوس مأواه وإيانا، وأن ينفعنا بما بينه من الأدلة الساطعة والبراهين القاطعة، فلقد بين دين نبيه صلى الله عليه وسلم على رغم أنف كل جاحد، وصار علما للحق حين طمس، ومصباحا للهدى حين درست أعلامه ونكست، وأطفأ الله به الشرك بعد ظهوره حين عبدت الأوثات صرفاً بلا رمس، ولم يزل منّ الله عليه برضاه ينادي: أيها الناس، هلموا إلى دين نبيكم الذي بعث به إن كنتم تؤمنون بالله اليوم والآخر، ثم لم ينقم منه وعليه إلا أن يقول: أيها الناس اعبدوا ربكم وأعطوه حقه الذي خلقكم لأجله، وخلق لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه، إن الله -تعالى- يقول: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (الذاريات:56)، وقال: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} (النحل:36)، وقال تعالى: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحد} (الجن:18).
وقال تعالى: {فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن}.
وفسر إسلام الوجه بالقصد في العبادة، فإن دعا العبد غير الله أو قصد غير الله أو نذر لغير الله أو استغاث بغير الله أو توكل على غير الله أو التجأ إلى غير الله، فهذه عبادة لمن قُصد بذلك، وهذا والله الشرك الأكبر.
وإنا نشهد بذلك، وقمنا مع أهله ثلاثين سنة، وعادينا من أمر بتجريد التوحيد العداوة البينة التي ما بعدها عداوة. فالواجب علينا اليوم نصر الله و دينه، وكتابه ورسوله، والتبرؤ من الشرك وأهله، وعداوتهم وجهادهم باليد واللسان، لعل الله يتوب علينا ويرحمنا ويستر مخازينا.
وأكبر من هذا البدو الذين لا يدينون دين الحق، ولا يصلون، ولا يزكون ولا يورثون، ولا لهم نكاح صحيح، ولا حكم عن الله والرسول يدينون به صريح، ولا يحللون ما أحل الله، ولا يحرمون ما حرم الله، ونقول: هم إخواننا في الإسلام؟ سبحانك هذا بهتان عظيم، ومكابرة لما جاء به رسول رب العالمين.
ونقول أيضا: لا خلاف أن التوحيد لابد أن يكون بالقلب واللسان والعمل؛ فإن اختل من هذا شيء لم يكن الرجل مسلماً، فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند، كفرعون وإبليس وأمثالهما، وإن عمل بالتوحيد عملا ظاهرا وهو يفهمه ولا يعتقده بقلبه فهو منافق شر من الكافر، أعاذنا الله وإياكم من الخزي يوم تبلى السرائر.
فالواجب علينا وعلى من نصح نفسه أن يعمل العمل الذي يحصل به فكاك نفسه من النار، وأن يعبدالله ولا يعبد غيره.
فالعبادة حق الله على العبيد، ليس لأحد فيها شرك، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، فضلا عن السفلة والشياطين.
وحق علينا أن نجأر إليه بالليل والنهار، والسر والعلانية في الخلوات والفلوات، على أن يتوب علينا ويعفو عما فات، فالحق بحمد الله وضح وابلولج، وماذا بعد الحق إلا الضلال، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين»(7).
والجدير ذكره أن مسألة عودة الشيخ سليمان بن عبدالوهاب إلى التوحيد الخالص أو عدم عودته لا تضير الدعوة في شيء، ولنا في الأنبياء والصحابة المثل والقدوة؛ إذ إن نوح جاءه الكفر من قبل ابنه وزوجته، وكذلك لوط عليه السلام من قبل زوجته، وإبراهيم عليه السلام من قبل أبيه، وسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم من قبل عمه أبي لهب، ومع ذلك كان النصر حليفا لهؤلاء الأنبياء، عليه السلام.
الهوامش:
1- مجموعة الرسائل والمسائل النجدية ج3 ص53.
2- الدرر السنية ج9 ص201.
3- هو عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب ولد سنة 1225هـ في بلدة الدرعية موطن دعوة التوحيد ومهد علمائها، فحفظ القرآن في صغره ثم انتقل إلى مصر وبقي فيها مدة 31 سنة يتلقى العلم على أفاضل علمائها، وفي سنة 1264هـ رجع إلى نجد واستقر في الأحساء لمدة سنتين ينشر دعوة التوحيد فيها، وبعد ذلك انتقل إلى الرياض، وكان في معية الإمام فيصل بن تركي بن سعود في بعض غزواته وله جمع من طلاب العلم، وله ستة مصنفات في التوحيد ومختلف العلوم. توفي في الرابع عشر من شهر ذي القعدة سنة 1293هـ. انظر مشاهير علماء نجد/تأليف: عبدالرحمن بن عبداللطيف آل الشيخ ص 70-94.
4- مصباح الظلام.
5- نفس المصدر ص104-105.
6- مصباح الظلام في الرد على من كذب على الشيخ الإمام -عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن ص105.
7- مصباح الظلام في الرد على من كذب على الشيخ الإمام.
لاتوجد تعليقات