رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عبد المنعم الشحات 29 نوفمبر، 2018 0 تعليق

هل حقا يزعجهم التستر خلف النقاب أم النقـاب نفسـه؟!

استكمالا لما بدأنا الحديث عنه في الحلقة الماضية عن سعي بعض النواب لفرض قانون يمنع النقاب، وذكرنا أن هؤلاء يسوقون مسوّغاتٍ مِن نوعية أنه ليس مِن الدين أو أنه مستورد مِن الخليج، أو أنه يعبِّر عن رؤيةٍ متشددةٍ، أو أنه يُشعِر غير المنتقِبة بالحرج وكأنها هي المقصِّرة! إلى آخر هذه القائمة الطويلة مِن الحجج، وتكلمنا عن شبهة أن للنقاب أضرارا تحتم التدخل التشريعي لحماية المجتمع من هذه الأضرار، واليوم نتكلم عن شبهة تَخفِّي بعض المجرمين وراء النقاب، وأن هذا من أسباب السعي لمنعه.

     ما زال الافتراض قائمًا مع مقدمي هذه الاقتراحات أن الغرض ليس إجبار المنتقبات فعليًّا على مسلك خلاف ما اخترنه، ولكن المقصود حماية المجتمع ممَن «يتسترون خلف النقاب»، ونحن لا ننكر أن المجرمين يتخفون في صورٍ كثيرةٍ، فربما تخفّى بعضهم في بعض الجرائم في زي شرطي، وربما تخفى في زي رجل دين، وربما تخفى الرجل في زي امرأة شديدة التبرج ليلفت إليه الانتباه بينما زميله يسرق، وربما تخفى في زي امرأة عجوز تطلب المساعدة، وربما... وربما... وربما تخفي في النقاب!

إذاً الصورة ليستْ أنك أمام مجرمين متى منعتَ النقاب سوف يعجزون عن إتمام إجرامهم أو حتى يقل معدل تمكنهم منها؛ لأن صور التخفي كثيرة جدًّا، كلها أكثر حبكًا للدور مِن النقاب، بل بعضها يعطي المجرم سلطة أوسع كالتخفي في زي رجل شرطة -مثلًا.

فرق كبير

ففرق بيْن إثبات أنه حدثتْ حالات تخفّى فيها المجرم في النقاب، وبيْن الزعم أننا إذا منعنا مَن تريد أن تنتقب فعلًا حتى يمحى مِن المجتمع النقاب، وبالتالي يمنع تستر المجرمين فيه أن هذا سوف يوقف الجريمة أو حتى يقللها!

     والآن كاميرات المراقبة تملأ كل المحلات، وتُراجَع عند وقوع حوادث السرقة أو الاختطاف، فيمكن أن يبحث أي أحدٍ على اليوتيوب ليرى كم هي نسبة الجرائم التي سجلتها الكاميرات، وتخفَّى فيها المجرم في النقاب بالنسبة إلى الجرائم التي قامتْ على عنصر المغافلة أو الإيحاء أو التنكر في هيئاتٍ أخرى غير النقاب.

هذا في الحوادث الجنائية، وأما الحوادث الإرهابية، فاستعمال النقاب فيها لا يكاد يوجد؛ لأن مَن يريد أن يفجِّر نفسه يريد أن يبدو شخصًا لا تميزه أي علامة حتى يصل إلى هدفه، ومَن يريد أن يشتبك يرتدي في الغالب ملابس عسكرية أو رياضية.

ويبقى السؤال قائمًا وملحًا: هل المطلوب منع المنتقبات مِن النقاب أم منع المتسترين خلف النقاب؟!

حراسة الفضيلة

3- منع النقاب مِن أجل حراسة الفضيلة: رسم أحد رسامي الكاريكاتير رسمًا لرجلٍ متخفٍّ في زي منتقبة مع امرأةٍ، وهما في حيرة مِن أمرهما: كيف سيلتقيان دون أن يشعر زوجها بعد حظر النقاب؟!

وهذا يعني أن أحد مسوّغات منع النقاب هو منع هذين المنحرفين مِن استغلال النقاب؛ سترًا لانحرافهما. حسنا، ولكن هل مَن يدعون إلى هذا القانون بالفعل يريدون تفعيل دور الدولة في حراسة الفضيلة؟!

حسنًا، إذا منعنا النقاب وفوتنا على هذا الفاسد فرصة التخفّي فيه كما يروِّج لذلك المروجون؛ ألا يمكنه طالما قد رضي لنفسه أن يرتدى زي النساء أن يتنكر في زي متبرجة؟!

     ثم هذا الرجل الذي تعلق بامرأةٍ متزوجةٍ كل هذا التعلق حتى رضي لنفسه أن يتأنث ليتمكن مِن لقائها؛ ترى ما الذي أوقعه في هذه الحال مِن التعلق؟! وهل يمكن أن يصدر تشريع طالما أن المطلوب حراسة الفضيلة يمنع أو -على الأقل- يضيِّق فرص هذا التعلق، ونكون قد عالجنا المسألة مِن جذرها أم أن هذا سيصطدم بالحرية الشخصية وسيُدعى حينها أن محاولة تضييق الخناق على المنحرفين هي رمي للجميع بالانحراف، وربما ادّعي أنه لا توجد هذه الانحرافات إلا في خيالات المتطرفين، وهكذا... ؟!

      كم كنا نتمنى لو حدث توافق مجتمعي حقيقي على عمل حملات إعلامية مكثفة لحماية الفضيلة، ولن أبالغ في خيالي فأتصور أن هناك مَن يريد إرادة حقيقية أن تسن قوانين غرضها حراسة الفضيلة؛ لا سيما أن صاحب هذا الرسم الكاريكاتيري تدور معظم رسوماته حول أمورٍ خادشة للحياء العام، ومنها هذا الكاريكاتير نفسه. نسأل الله لنا وله الهداية.

4- انتقائية التطبيق

     إذا لم تكن مقتنعًا أن هذه التحركات لإصدار تشريع يمنع النقاب هي تحركات غرضها العدوان على حرية المنتقبات في ارتدائه، وليس منعه حتى لا يتستر خلفه متستر؛ فاسمع لهذا الحوار؛ حيث راسل أحد مواطني دولة خليجية نائبًا ممَن ينشطون في هذا الموضوع متسائلًا عن مصير السائحين الخليجيين إذا صدر هذا القانون، وعندهم عادات تحتم على نسائهم ارتداء النقاب؟ فكان الجواب: إن مشروع القانون سينص على أنه خاص بالمصريات!

يعني النقاب المصري عيبه عندهم أنه قادم مِن الخليج، وبالتالي ينادون بمنعه، وأما النقاب الخليجي فيرحب به مِن أجل دخل السياحة (ماذا يسمَّى هذا؟!).

منع تستر الإرهابيين

     ثم ألم تدَّعوا أن الغرض منع تستر الإرهابيين في النقاب؟! فما الذي يضمن لكم بعد أن تقمعوا المنتقبات المصريات في بلادهن ثم ترحبوا بالأخوات الخليجيات والأوروبيات و... وكل شعب فيه مَن انزلق إلى دائرة الإرهاب كما نعلم، وداعش لها سوق رائج في بعض حديثي الإسلام في أوروبا، فما الذي يضمن لكم ألا تستعمل دائرة الإذن هذه وإن كانت ضيقة في التستر على أعمال إرهابية؟!

ماذا عن الآلية؟

ثم ماذا عن الآلية؟ هل ستُسأل المنتقبة عن جنسيتها؛ فإذا كانت مصرية ركبت (البوكسَ)، وإلا قيل لها: مرحبًا بك في مصر؟!

وطالما أن الأمر وصل إلى هذه الحال مِن الهزل؛ فدعنا نتساءل: ماذا لو ضبطت مصرية تسير بالنقاب مع ضيفة غير مصرية: هل سيغلب جانب الحظر أم جانب الإباحة؟!

كل هذه الأسئلة تجعلك تشعر بما شعر به أحد الإعلاميين في حواره مع إحدى النائبات المتبنيات للقانون فسألها عن الآليات متسائلًا: هل المطلوب هو مجرد إصدار القانون دون وجود حتى آلية لتطبيقه؟!

أتصور أن هذه هي الحال، هناك مَن يريد أن يقول للمنتقبات: (الدولة) لا تريدكن، وأنها بالتالي أصدرت قانونًا يتعقبكن! وهناك مَن يأخذ الرسالة ويطورها ويعيد إرسالها: (الدولة لا تريد النقاب؛ لأنه مِن الإسلام، وهي لا تريد الإسلام!).

- فالأولون: يريدون أن يفرضوا على المصريين -رغمًا عنهم!- ثقافة وافدة، وأعرافًا دخيلة، ويريدون الاحتماء بالدولة حتى وإن كان بعضهم قد وقف يلقي المولوتوف على مؤسساتها يومًا ما! أو على الأقل لا يهمه استقرار الدولة وتركيزها في التنمية بدلًا مِن استنزاف ميزانية جديدة لشرطة مكافحة (النقاب)!

- والآخرون يصوِّر لهم الشيطان: أن الحل الأمثل أن يهدموا الدولة ثم يعيدون بناءها على أسسٍ سليمةٍ -بزعمهم!-، بينما يحركهم في الواقع طلب الثأر وشهوة الانتقام!

ويبقى الأمل دائمًا معقودًا أن يحفظ الله مصر، وأن يهيئ لأهلها مِن أمرهم رشدًا، وأن يهديهم جميعًا إلى ما فيه صلاح دينهم ودنياهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك