رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: غريب أبو الحسن 25 يوليو، 2019 0 تعليق

هل تعرفهم؟ نصيحتي أن تعرفهم – أنا أعرفهم وأحبهم

نعم أعرفهم! فهم كنَفَسِ الصباح نقاوة، إذا مروا إلى جوارك أنعشوك، هم بسمة المحتاج إذا عبس في وجوههم الجميع، هم سكينة الملهوف حين تجتاله الخطوب، هم أولئك الذين لم يطوفوا بمرٍ إلا حلوه، ولا بضيق إلا وسعوه، ولا بألم إلا خففوه، لعلك اشتقت إلى معرفتهم ! ولعلك إذا عرفتهم أحببتهم مثل حبي لهم، وكيف لا تحبهم؟! وهم بالنسبة لواقعهم شربة ماء بارد في صحراء قاحلة بعد أن امتدت (أخلاق الزحام) في مجتمعنا وأصبحت الأثرة والأنانية والمحسوبية، وضياع الحقوق، و التكالب على الدنيا، وأكل أموال الناس بالباطل سمة عامة -مع الأسف.

 

      هم من كسروا تلك القاعدة؛ فسبحوا عكس التيار، يصلحون ما أفسد الناس، ويجبرون ما كسر الناس، ويضمدون ما جرح الناس، تجد الواحد منهم قد دنا من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم في الدنيا فلازمها؛ فحسنت أخلاقه؛ فكان جزاؤه في الآخرة أن كان من أقرب الناس مجلساً من النبي صلى الله عليه وسلم .

هو من يوزع بسماته على الجميع، عرفهم أم لم يعرفهم، نعم هو ذلك الشخص الذي يستقبلك بحفاوة وهو يقابلك لأول مرة، هو ذلك الصديق الذي يبادر بالإمساك بيدك عند عبورك الطريق حتى يطمئن عليك دون طلب منك.

هو من يقوم للمتعب والكبير في المواصلات العامة رحمة وشفقة، هو الذي بين أشقائه؛ يسأل عنهم ويلم شملهم، وهو موطن سرهم وصاحب مشورتهم حتى لو لم يكن أكبرهم.

هو الذي يبادر لتقبيل يد أمه كلما رآها رحمة وذلا، وإذا فتح الله عليه من الدنيا شيئاً، كان نصيبها قبل نصيب أولاده، وإذا مرضت كان تحت قدميها، هل تذكر ذلك الصديق الذي يجمع الطعام بعد أن يأكل الجميع ويقوم على خدمة إخوانه والسعادة تملأ وجهه؟!

بابه أول باب يطرقه الجيران عند الملمات؛ فيواسي في الأحزان، ويخفف الآلام؛ فيسعى في الحاجة ويزور المريض، هو الذي يلقي السلام على الصبيان وهم يلعبون توددا وتلطفا، ويعطيهم بعض الحلوى ثم يدعوهم للصلاة.

     هو الذي يتصل بك ليخبرك أن فلانا قد أجرى عملية جراحية ويدعوك لزيارته ومواساته، هو الذي يحزن عندما تضرب الشحناء خيامها بين إخوانه، ولا يقر له بال حتى يقتلع خيامها، ويشتت أمرها؛ فيسعى في الصلح، وينقل بينهم جميل الثناء حتى تعود مياه المحبة جارية بين خلانه.

     يصاحب الرفق في كل شأنه؛ فهو دائم التزين به، رسوله لسان عذب المورد حلو المخرج، هو ذلك الإلف المألوف، ملامح وجهه ليست غريبة عليك حتى ولو أنك تراه لأول مرة، تشعر وكأنك تعرفه منذ زمن. هو (الموطأ كنفا)، لين الجانب الذي يأمن الجميع غائلته، ويصل الجميع له دون حاجب، ويأمنه الجميع على أنفسهم وأموالهم، هو السريع في قبول العذر وإقالة العثرة، عندما تغضبه تصالحه بكلمة.

     هو الذي «لا يبتغي للبرءاء العنت»؛ فلا يتهم بريئا بما ليس فيه، بل يتمنى أن يكون المخطئ بريئا؛ فيستر المخطئ وينصحه سراً، ويأخذ بيده، ولا يعين الشيطان على إخوانه، هم أعمدة في بناء الخير، ثابتون على فعل الخير ودائمون كذلك عليه، يتناوب أهل الخير على مساعدتهم في أعمال الخير والصلاح، أما هم فلا يعتذرون عن فعل خير وعدوا بتحمل مسؤوليته، ولو غلبتهم الظروف تولوا وأعينهم تفيض من الدمع.

     هو الذي تجده عند المغرم في أول الصفوف مشمر الساعد، ينفق من وقته ويبذل الندى، وتلتمسه عند المغنم فلا تجده، لم يستسلموا لضغط الحياة، ولا شدة الحاجة، ولا لانتشار الفساد وسيء الأخلاق، بل أبوا إلا أن يكونوا بجميل فعالهم، هديراً في وجه صخب الفساد والأثرة والأنانية.

     وهم مع كل ذلك حين يتألمون لا يشعر بهم أحد؛ يتألمون في صمت، ونادرا ما يطلبون مساعدة أحد، يعدُّون أنفسهم مسؤولين عن الجميع، ولا أحد مسؤول عن رعايتهم، وإذا ساعدهم أحد يحملون جميله فوق رؤوسهم ما أقلتهم الأرض؛ فإذا صادفتهم فأكرمهم؛ فإنهم غرباء؛ ولذلك أحبهم، فهل يلومني في حبهم أحد؟! 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك