رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: اللجنة العلمية في الفرقان 17 أكتوبر، 2022 0 تعليق

هل المرأة مظلومة؟

 

يدَّعي المشككون في الإسلام أنَّ المرأة مظلومة تحت مظلة الدين الإسلامي؛ بسبب قضية الميراث؛ لأنها ترث نصف ميراث الرجل، كما يدعون أنها مظلومة بسبب عدد من الأحكام الشرعية الأخرى، وسنرد على ذلك من طريقين: الطريق الأول: الرد المباشر على شبهة الميراث، الطريق الثاني: كشف تدليسهم في دعوى أن  (المرأة مظلومة في الإسلام) عموما.

فأما الطريق الأول، فالرد يكون من وجوه:

الوجه الأول

      أن الميراث له حالات متعددة، منها ما تُعطى فيه المرأة أكثر من نصيب الرجل، ومنها ما تعطى فيه مساوية للرجل، ومنها ما ترث فيه الأنثى ولا يرث الرجل، ومنها ما يكون نصيبها فيه أقل من نصيب الرجل، فلو ماتت امرأة وتركت زوجاً وبنتاً فإن البنت هنا ترث أكثر من الزوج، ولو مات ابن وخلَّف أبوين وأولاداً فإن نصيب الأب والأم يكون متساوياً لقول الله -سبحانه وتعالى-: {وَلأِبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} (النساء:11) مع العلم أن قول الله: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} (النساء:11) هو في الآية نفسها، غير أنهم يجهلون ذلك أو يتجاهلونه، كما أن من الحالات التي يتساوى فيها الذكر بالأنثى ما جاء في قول الله -تعالى-: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} (النساء:11) وهذا في حال الإخوة لأم.

الوجه الثاني

      أن الذكر -وإن أعطي في بعض الحالات مثل حظ الأنثيين- إلا أنه مأمورٌ شرعاً بأن يبذل للأنثى مهراً عند زواجه بها، ومأمورٌ كذلك أن ينفق عليها طول حياته حين تكون زوجة له ولو كانت غنيّة، أفيُستكثَر عليه بعد ذلك أن يكون له نصيبٌ من الميراث على الضِّعف من نصيبها؟

الوجه الثالث

      أن منشأ هذا الاستنكار هو مخالفة ما قرروه واستحسنوه من التساوي المطلق بين الذكر والأنثى في كل شيء، وهذا التساوي يخالف طبيعة تركيب كُلٍّ منهما، ومن ثم فهو مخالف للعدل، بينما يجعل الإسلام التساوي في التشريعات هو الأصل ما لم يكن مخالفاً لطبيعة المرأة أو لما يصلح لها، فنجده يمنحها حق التزين بالذهب لاحتياجها الأنثوي للتزين والتجمل بالحلي، بينما يمنع ذلك على الرجل، كما نجد في القرآن والسُّنَّة تشديداً ووعيداً في ترك الجهاد في سبيل الله إذا وجب، ولكن هذا في حق الرجال لا النساء، فقد أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: «استأذنت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - في الجهاد، فقال: «جهادُكنّ الحج» (صحيح البخاري: (2875). قال ابن بطال -رحمه الله تعالى-: «دل حديث عائشة على أن الجهاد غير واجب على النساء، ولكن ليس في قوله: «جهادكن الحج» أنه ليس لهن أن يتطوعن بالجهاد، وإنما لم يكن عليهن واجباً» انتهى.

     وأما أولئك المنادون بالمساواة المطلقة للمرأة مع الرجل، فإنك إن نظرت إلى واقعهم لا تجد أنه مصدق لدعواهم في كل الجوانب، فعلى كرسي رئاسة الدولة مثلاً لا تقارَن نسبة النساء بالرجال بل لا تكاد تذكر، فهل هذا لأنهم علموا أن جنس الرجل أقدر على هذا العمل من المرأة؟ أم لأن المبادئ تنهار أمام شهوة الحكم؟ أم لأن أساس دعوى المساواة عندهم زائفة؟

تفكير ناقد ونظرة شمولية

     وإذا تعاملنا مع كلام المدعين مظلوميةَ المرأة في الإسلام بتفكير ناقد ونظرة شمولية فاحصة، فسنجد أنهم يقومون بعملية تدليس كبيرة في هذا الباب، منها:

أولاً: الخلط بين بعض المنتسبين للإسلام وبين الشرع

     إنهم يخلطون بين عادات بعض المنتسبين للإسلام التي يظلمون بها المرأة، وبين الشرع الإسلامي، فمثلاً: حين يقوم وليُّ المرأة بإكراهها على الزواج ممن تكره، فإنّهم ينسبون هذا الإكراه والإجبار إلى الإسلام؛ لأن الذي قام بذلك شخص مسلم، والصواب: أن هذه العادة نهى عنها الإسلام، فقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا تُنكَح الأيّم حتى تُستأمَر، ولا تُنكَح البكر حتى تُستأذَن» قالوا: «يا رسول الله، وكيف إذنها؟» قال: «أن تسكت».

ثانياً: لا يذكرون جوانب الإكرام والتقدير التي قررها الإسلام للمرأة

     كما أنهم لا يذكرون جوانب الإكرام والتقدير التي قررها الإسلام للمرأة؛ مما قد لا تحظى به في أي مكان وزمان ونظام آخر، ويظهر ذلك جليّاً في حق الأم المعظَّم، حتى إن قارئ القرآن ليدرك أن للأم حقا في الإسلام ليس أعلى منه إلا حق الله وحق رسوله فقط، فتجد الأمر ببرها معطوفاً على الأمر بالتوحيد {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} (الإسراء:23)، وتجد الحث على شكرها مقروناً بالحث على شكر الله {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} (لقمان:14)، وأخرج الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟» قال: «أمك»، قال: «ثم من؟» قال: «أمك»، قال: «ثم من؟» قال: «أمك»، قال: «ثم من؟» قال: «ثم أبوك» (صحيح البخاري: (5971).

      كما أن جزاء الإحسان إلى البنات هو مرافقة النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة، كما في صحيح مسلم عن أنس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو هكذا، وضم أصابعه» (صحيح مسلم:(4950)، فهل يمكن أن يكون هذا الدين الذي اختص المرأة بهذا الفضل ظالماً لها؟

ثالثاً: لا يذكرون الأحكام الخاصة بالمرأة

     إنهم لا يذكرون الأحكام الخاصة بالمرأة التي جُعلت تخفيفاً عليها، في مقابل التشديد على الرجل فيها بما يناسب الفارق بينهما، فيجوز للمرأة لبس الذهب ويحرم ذلك على الرجل، ويجوز للمرأة لُبس الحرير ويحرم على الرجل، ويجب على الرجل بذل المال وجوباً للزوجة نفقة مستمرة ولو كانت غنيّة، ولا يجب على المرأة الإنفاق عليه، ويجب على الرجل حضور صلاة الجماعة في المسجد على الأقرب من أقوال الفقهاء ولا يجب ذلك على المرأة.

     وتؤخذ الجزية من الرجال غير المسلمين ولا تؤخذ من النساء، قال ابن القيّم -رحمه الله في كتابه أحكام أهل الذمّة-: «ولا جزية على صبي ولا امرأة ولا مجنون، هذا مذهب الأئمة الأربعة وأتباعهم».

رابعاً: يتجاهلون الآثار السيئة لانفلات المرأة من الشريعة

     إنهم يتجاهلون الآثار السيئة الكثيرة المُترتبة على الانفلات من تشريعات الله للمرأة. ومنها على سبيل المثال: إسقاط ملايين الأجنّة سنويا بعمليّات الإجهاض التي تسببت بها علاقات غير شرعية، أليس لها حق الحياة؟ فبأي ذنب قُتِلَت؟

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك