هل الحركات الجهادية تؤثر على الأمن القومي للقارة الإفريقية؟
استكمالا لما بدأناه في المقال السابق من أن القارة الإفريقية تعد أرضًا خصبة وبيئة حاضنة لنشاط الجماعات المتشددة، وتتميز بعوامل تجعل من نمو هذه الجماعات أمرًا سهلًا، وبعد أن تكلمنا عن حركة بوكو حرام النيجيرية، وحركة التوحيد والجهاد (جماعة مالي)، نتكلم اليوم عن حركة الشباب المجاهدين الصومالية فنقول:
يرجع تاريخ تأسيس حركة الشباب المجاهدين إلى ما بعد عودة شباب الاتحاد الإسلامي إلى الصومال في أوائل التسعينيات، وعلى الرغم من أنه لا يوجد تاريخ دقيق لتأسيس هذه الحركة إلا أنه يشار إلى أن التأسيس كان في عام 2004، كما أن هناك خلافًا لدى المحللين بخصوص المؤسس الحقيقي للحركة، لكن القول الراجح لدى المراقبين أن مؤسس الحركة هو أحمد عبد (غودني) المعروف بـ(مختار أبو الزبير) ولكن ظهور نجمها كان في عام 2006 إثر سقوط المحاكم الإسلامية، وانتشر اسمها في ذلك الوقت بعد أن تداولته وكالات الأنباء والصحف الدولية، واحتلت مكان الصدارة في الأخبار التي تتناول تطورات الأحداث في الصومال، فعرفها الجميع على أنها حركة (مقاومة) انشقت عن اتحاد المحاكم الإسلامية لتكافح الاحتلال الإثيوبي الذي غزا الصومال في نهاية عام 2006. انشقت حركة شباب المجاهدين عن اتحاد المحاكم الإسلامية في عام 2007، بعد رفضها الانضمام إلى تحالف إعادة تحرير الصومال، كَوْن هذا التحالف انحرف عن المنهج الإسلامي الصحيح، وضمَّ بين صفوفه علمانيين. كما أن هذا التحالف لا يتفق مع مبادئ حركة الشباب التي تؤكد عدم التفاوض مع المحتل الإثيوبي، فضلاً عن رفضها التعامل مع الحكومة الانتقالية ووصفها لها بالعمالة والانضواء تحت الأهداف والرغبات الغربية والإقليمية حسب أدبياتها.
وضمت الحركة مع بداية تأسيسها أعضاء حاليين وسابقين من تنظيم القاعدة في شرق إفريقيا، وحظي المحاربون القدامى من أفغانستان بامتيازات داخل الحركة بناء على علاقاتهم القديمة بتنظيم القاعدة، لتكون هذه هي بداية العلاقة بين الحركة والتنظيم.
وتتميّز الحركة بقساوة الفكرة، وشذوذ المعتقدات وشدة الحكم، وتكتيكاتها المدهشة التي أذهلت العقول؛ مما جعل الأحزاب التي كانت ضدها تتصدع أمام هجماتها الشرسة مثل الحزب الإسلامي الذي انهار أمامها نتيجة صراع سياسي أدى إلى معركة فاصلة.
وإلى جانب ذلك تتمتع الحركة بقوة تنظيمية بين أفرادها، وبالحفاظ أيضًا على التسلسل الهرمي للإدارة، رغم الصفعة الشديدة التي تلقتها مؤخرًا بمقتل زعيمها في الأول من سبتمبر/أيلول عام 2014.
وتستهدف عملياتها أساسًا قوات (أميصوم) وفريق الأمم المتحدة وتسهيلاته، بما في ذلك مؤسسات الأمم المتحدة، وأعضاء القطاع الأمني في المؤسسات الحكومية كالقضاة والسياسيين والشخصيات الفعالة في المجتمع.
الأهداف والمعتقدات
1. تطبيق الشريعة الإسلامية على وجه الكرة الأرضية.
2. كفر الأنظمة والحكومات.
3. الجهاد ماض إلى يوم القيامة.
4. محو الكفر العالمي من الأرض.
5. عدم الاعتراف بالمؤسسات والهيئات الدولية جميعها.
6. عدم اعتقاد الحدود المرسومة بين الدول.
وهذه الجماعات يمثل ارتباطها بعصابات الجريمة المنظمة المحلية منها والعابرة للحدود، وتشابك علاقاتها معها بداية الطريق للتدمير، والرفض العنيف لكل شيء ابتداء من أنظمة الحكم. ويزداد القلق على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي من تفشي الجماعات الإرهابية حتى أصبح نشاطها الهدام بمثابة وصفة جديدة للفوضى.
ورغم الجهود الجبارة التي تبذلها الولايات المتحدة والاتحاد الإفريقي لمكافحة الإرهاب الدولي في المنطقة إلا أن هناك شبه إجماع لدى المراقبين الغربيين والإفريقيين بأن الوضع ازداد سوءًا وتعقيدًا، وظلت الجماعات المتشددة تنفذ عملياتها بهدوء في أرقى التجمعات التجارية وأمنعها، وما حدث في مجمع (ويست غيت) في العاصمة نيروبي ظهر يوم السبت 21 من سبتمبر/أيلول عام 2013 يكفي دليلًا؛ ما يعني أن الجهود المبذولة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الإفريقي لكبح جماح العمليات الإرهابية في القارة لم تصبح حسب المتوقع أو لم تحقق شيئًا يُذكر، بغضِّ النظر عن بعض الغارات الجوية -على مواقع هذه الجماعات- التي تم تنفيذها في المنطقة مؤخرًا.
ويكون قطاع السياحة الأكثر تضررًا في الدول بالنظر إلى أن أغلب العمليات الإرهابية تستهدف السياح الأجانب والمناطق السياحية، كما تؤدي العمليات الإرهابية إلى توجيه مخصصات أكبر لأغراض الأمن والدفاع بما يمثل استقطاعًا من الموارد التي يمكن توجيهها نحو أغراض تنموية أخرى.
على الرغم من احتواء المنطقة على ثروات ضخمة إلا أنه في ظل هشاشة الحدود انتشر الفقر والمجاعة والبطالة والأمية بين قطاعات كبيرة من المواطنين في القارة، كما انتشرت أنواع مختلفة من الأسلحة وأنواع من الجريمة المنظمة مثل تجارة المخدرات؛ مما يعزز احتمالات لجوء المواطنين ولاسيما من الشباب إلى العنف لمواجهة الفساد واستخدام تفسيرات دينية خاطئة لتسويغ استخدام العنف ضد الحكومات والدول.
وتعد الحركة تحديًا أمنيًّا للحكومة الصومالية، ومحاولات بناء الدولة فيها عن طريق استهداف مسؤوليها، وزرع عبوات ناسفة لها، وشنِّ هجمات على المرافق الحكومية، كما تعد الحركة خطرًا على كينيا المجاورة للصومال.
أما بالنسبة لمستقبلها فالحركة الآن تقف الآن أمام منعطف خطير إثر مقتل زعيمها؛ مما ينبئ بأن شمس زمانها في غياب، وهناك شبه اتفاق لدى المحللين المختصين على أنه لا مجال لبقاء الحركة في أدغال الصومال لأسباب؛ أهمها: عدم دراية الأمير الجديد بضبط الأمور، وعدم وجود حاضنة شعبية في داخل المنظومة الصومالية، وأيضًا ضعف الولاء التنظيمي له، وعدم وجود قادة تنظيميين في هذه المرحلة. وبناء على هذا، يمكن القول: إن نسبة كبيرة من عناصرها ستستسلم إلى الحكومة عاجلًا أو آجلًا، والقسم الآخر من المنطقي القول: إنهم سيذهبون إلى منازلهم وأسرهم، والاحتمال الأخير هو الذي سيكثُر لكونه أقل خطرًا وأسلم من الأول.
الآفاق المستقبلية لهذه التنظيمات وانعكاساتها على أمن القارة
لا يشك المراقب لنشاط هذه الجماعات وتحركاتها في أنها سوف تُكوِّن تحديًا أمنيًّا كبيرًا على المنطقة، وينعكس ذلك على الحالة الأمنية للقارة. ومن الملاحظ أن بقاء هذه التنظيمات يستند على ثلاث ركائز:
أولًا: العدد الكبير من الأتباع والمجندين من الأطفال، ولاسيما من الدول المجاورة في المنطقة، التي تعاني كثيرًا من الاضطراب الداخلي، مثل: الصومال، وتشاد، والنيجر، الذين يعبرون بسهولة الحدود النيجرية.
ثانيًا: الدعم المالي الكبير الذي تتلقاه هذه الجماعات من السياسيين وبعض الأغنياء، ولاسيما الذي يؤمنون بشدة باستمرار عمليات جماعة ما من هذه الجماعات، والتعويضات التي يقدمونها لمن يصابون أثناء تنفيذ عملياتها وكذلك لأقارب الانتحاريين من الجماعة.
ثالثًا: التأثير الكبير لمنظِّري الحركة الذين يقومون بالتأطير الفكري لأعضاء الحركة ويستغلون علاقاتهم مع التنظيمات الخارجية، الموصوفة من طرف بعض الجهات بالإرهابية، كحركة الشباب وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من أجل كسب مجندين جدد.
وبناء على هذا يتكهن خبراء مهتمون بشؤون إفريقيا بأن تشهد القارة السمراء خلال السنوات العشر القادمة قدرة تنظيم القاعدة على تحقيق تواجد قوي فيها، ولاسيما في منطقة الوسط؛ ما يؤثر سلبًا على الحالة الأمنية في المنطقة. ويعتقد الخبراء أيضًا بناء على معلومات رصدتها الجهات المعنية بمتابعة القاعدة في المنطقة، أن التنظيم يرغب في أن يكون له احتياطيات استراتيجية في بعض الدول الإفريقية، حتى تستطيع كوادره أن تجد ملاجئ آمنة في دول تعاني من بعض الاضطرابات السياسية؛ مما يمكِّن القاعدة من إخفاء قيادييها وكوادرها بأوراق مزورة، أو باصطناع هويات رسمية؛ فمستقبل نماذج القاعدة في إفريقيا قابل للانتشار والزيادة، ما دام هناك الفقر، والبطالة، والفساد، وعدم وجود عدالة في التوزيع، وعدم قيام رجال الدين الإسلامي بمهامهم على الوجه الأكمل، فضلا عن الانتهاكات الصارخة التي تقوم بها حكومات بعض الدول الإفريقية تجاه مواطنيها ومعارضيها.
مسار الأزمة ومصيرها على ضوء ما صدر عن القمة
لاحظ البيان الذي صدر من هذه القمة أنه نظرًا لخطورة التهديد الذي يطرحه الإرهاب بالنسبة للقارة فقد شدَّد المؤتمر على الضرورة العاجلة لبذل جهود متجددة على درب التنفيذ الفعلي لإطار الاتحاد الإفريقي حول مكافحة الإرهاب.
وبعد القلق والمخاوف التي عبَّر عنها الرؤساء الذين حضروا القمة تجاه المنطقة المتوترة، اتفق رؤساء وحكومات الاتحاد الإفريقي على أن القارة السمراء ما زالت تواجه العديد من التحديات، والارهاب الذي يعد تحديًا كبيرًا فيها.
وكان من أهم نقاط البيان الذي صدر من القمة الآتي:
(1) التعاون والتنسيق مع الشركاء الدوليين، وتبادل المعلومات حول نشاطات الجماعات الإرهابية وتحركاتها، وذلك من خلال المشاركة والمساهمة من كل أعضاء الدول وأجهزة الاستخبارات في مراقبة تحركات التنظيمات الجهادية، وإفشال العمليات الإرهابية التي ترمي إليها هذه الجماعات.
(2) ضرورة إيجاد عمل دولي محدد من أجل حرمان الجماعات الإرهابية والمتطرفة من كل دعم مالي أو آخر مباشر أو غير مباشر، وهي تتمثل في أخذ خطوات جديدة تستهدف تجفيف منابع اقتصاد هذه الجماعات.
(3) إنشاء المركز الإفريقي للدراسات والبحث حول الإرهاب.
(4) ينبغي على دول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي كافة تعزيز الأمن عموما.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: إلى أي مدى يمكن للقادة الأفارقة الذين شاركوا في هذه القمة تغيير الوضع الأمني المتردي للقارة؟ وكيف يمكن لهم توقيف أو تقليل الهجمات الإرهابية في القارة؟ وما انعكاساتها على أمن القارة؟
وللإجابة عن هذه الأسئلة، نشير إلى نقاط عدة يكون القيام بها إنقاذًا للقارة من كل التوترات والإرهاب الذي تعانيه، وربما يمكن للقادة الإفريقيين تبديل الوضع إذا ما قاموا بالنقاط الآتية:
(1) منع الجماعات الإرهابية من الحصول على أي نوع من أنواع الدعم المالي، وتجفيف منابعه.
(2) عدم توفير الملاذ الآمن لهم، وتبادل المعلومات مع الحكومات الأخرى عن أية جماعة تمارس أعمالًا إرهابية أو تخطط لها.
(3) التعاون مع الحكومات الأخرى في التحقيق في تلك الأعمال الإرهابية، واكتشافها، واعتقال المشتركين فيها وتسليمهم وتقديمهم للعدالة.
(4) فرض السيطرة بيد من حديد على الوضع الأمني للقارة ومداخله، حتى لا يسهل وقوع أية عملية إرهابية.
(5) الحذر من الفساد المنظَّم المستشري في القارة حتى لا يؤثر على الأمن.
ولئن كان الصراع والتوتر في إفريقيا أصبح السمة البارزة للقارة، فإنه ترك تدهورًا وفراغًا أمنيًّا على الوضع، وعلى الرغم من صعوبة التنبؤ أو الجزم بشأن المصير الذي قد تتجه نحوه القارة، فإن استقراء أحداث المنطقة يشير إلى أن السيناريو الأقرب هو تفاقم الحالة الأمنية للمنطقة التي تشهد يومًا بعد يوم مزيدًا من الاضطراب؛ ما يغيِّر المعادلات السياسية في المنطقة تمامًا، ولاسيما أن منظمة الشرطة الدولية (الإنتربول) حذرت من تهديدات أمنية جديدة سوف تواجه القارة، إذا لم يدرك القادة الأفارقة خطورة الموقف، ويتخذوا أسباب الوقاية منها.
هذا إلى جانب التكاتف الدولي والجهود الجبارة التي يبذلها الاتحاد الإفريقي بشأن توقيف العمليات الإرهابية في المنطقة، إلا أن قمة الاتحاد الإفريقي هذه بشأن تقليل الأخطار الناجمة عن هذه الجماعات أو التعهد بمكافحة الإرهاب، التي تحظى بموافقة الدول كافة أعضاء الاتحاد ستكون مُحكًّا رئيسيًّا في الكشف عن مسار المشكلة في المرحلة القادمة.
ووسط هذه الأجواء الضبابية يتكهن المحللون بأنه سوف يزداد العنف في إفريقيا ليسود في الواجهة إلى حين، إذا لم تتسلح بالمقومات الأساسية والأدوية الناجعة التي توفر الأمن والرخاء وتعيد الهدوء للقارة السمراء.
وعليه، فإنه ما لم ينهض الأفارقة ويحملوا على عاتقهم عبء التطور والتنمية في مجتمعاتهم، لن تُجدي مثل هذه القمم والمؤتمرات نفعًا، وإنما ستشهد مزيدًا من العنف والتوتر، وهذا هو التحدي لأكبر
لاتوجد تعليقات