هل الحركات الجهادية تؤثرعلى الأمن القومي للقارة الإفريقية؟
يبدو أن القارة السمراء تشهد في الآونة الأخيرة مزيدًا من التهديدات الأمنية وعدم الاستقرار السياسي، فالصومال يعاني عاصفة أمنية متدهورة من قِبل حركة الشباب المجاهدين التي ما زالت تقاوم الحكومة الصومالية، وتستهدف مؤسساتها وأعضاءها بذريعة التدخل الأجنبي للبلاد، ولم يكتوِ بنيرانها الصومال فحسب بل تجاوز ذلك إلى دول الجوار، وفي مقدمتها كينيا التي تلقت ضربات عدة موجعة من حركة الشباب، منها الهجوم الدامي الذي شنَّته الحركة 21 سبتمبر عام 2013 الذي راح ضحيته زهاء 70 شخصًا على الأقل، وهناك نيجيريا التي تعيش هجمات عنيفة من جماعة (بوكو حرام) التي قامت مؤخرًا باختطاف أكثر من 200 طالبة في شمال البلاد، ولا تزال تخوض حربًا حامية الوطيس مع تلك الجماعة.
كان الهدف من هذه القمة التي تم انعقادها في الثاني من سبتمبر 2014 في العاصمة نيروبي، توقيف أو تقليل الهجمات الإرهابية التي تعانيها القارة في الآونة الأخيرة، التي حولت القارة إلى جزء من ساحة يسودها العراك الدائم، بقدر ما أفسدت الأمن والاقتصاد والبنية التحية لها. وشارك فيه جمع غفير من الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي؛ حيث كان رؤساء كل من تشاد والنيجر والصومال وتنزانيا من الحضور.
كما شارك أيضًا المجموعات الاقتصادية الإقليمية ولجنة أقسام المخابرات والأمن الإفريقية والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وممثلو المصرف الدولي ومنظمة التعاون الإسلامي، وهذا ما ستجادل به هذه الدراسة، ويمكن إجمال محدداتها في ثلاثة عناصر رئيسة، هي: التنظيمات الجهادية في القارة، والآفاق المستقبلية لهذه التنظيمات وانعكاساتها على أمن القارة، وأخيرًا مسار الأزمة ومصيرها على ضوء ما صدر من القمة، ومدى فاعليته على الأمن القومي للقارة.
التنظيمات الجهادية في القارة
لا شك في أن هذه المنطقة تعد أرضًا خصبة وبيئة حاضنة لنشاط الجماعات المتشددة، وتتميز بعوامل تجعل من نمو هذه الجماعات أمرًا سهلًا، ولعل الأفكار والأيديولوجية الإسلامية بدأت في الانتشار بين الأفارقة، من خلال الطلاب الذين يعودون عقب انتهاء دراستهم إلى بلد يمكن أن ترصده أجهزة الأمن الوطنية، كما يظهر عامل آخر يخص البلدان الإفريقية وطبيعة إسلامييها، وهي أن هناك طبيعة متطرفة في فهم الإسلام، ولاسيما من الأفراد الذين لا يعرفون اللغة العربية الأصلية بعد أن يتعرضوا إلى عمليات تجنيد منظمة، فضلا عن أن التوجهات الإسلامية الجديدة التي تتفاعل بين مواطني القارة ظهرت فيها أفكار متطرفة حول تغيير أنظمة البلدان بالقوة، وفرض الشريعة الإسلامية، وهو ما تكرر في نيجيريا والصومال على وجه التحديد.
1 - حركة بوكو حرام النيجيرية
لا يُعرف تاريخ دقيق لبداية ظهور جماعة (بوكو حرام)، وتعزو وسائل الإعلام المحلية والدولية بداية ظهورها لسنة 2002 مع ظهور محمد يوسف قائدًا للجماعة؛ لكن السلطات الأمنية النيجيرية تعزو بداية ظهور الجماعة لعام 1995، عندما أنشأ أبو بكر لوان جماعة أهل السنة والهجرة في جامعة مادوجيري في ولاية بورنو.
وبعد ذلك تأسست حركات عدة من بينها بوكو حرام التي يُطلق عليها اسم (طالبان نيجيريا) ويعني اسمها بلهجة قبائل الهوسا (التعليم الغربي حرام)، وقد تأسست في عام 2002 على يد محمد يوسف، وبالنسبة للملامح الفكرية لجماعة بوكو حرام، فإنها ترتكز على عدد من الأصول الفكرية، أهمها: العمل على تأسيس دولة إسلامية في نيجيريا بالقوة المسلحة، كما تسعى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، وتسعى أيضًا إلى منع التعليم الغربي والثقافة الغربية عمومًا، التي ترى أنها إفساد للمعتقدات الإسلامية، وإلى تطبيق الشريعة. وتتكون الحركة أساسًا من الطلبة الذين غادروا مقاعد الدراسة بسبب رفضهم المناهج التربوية الغربية فضلا عن بعض الناشطين من خارج البلاد على غرار بعض المنتسبين التشاديين.
ومن حيث العنف أصبح وجود هذه الجماعة موضع قلق محلي ودولي كبير في أعقاب الانتفاضة المعارضة للحكومة التي قادها محمد يوسف في يوليو/تموز 2009. وقد تم تعيين محمد يوسف، الخطيب الكاريزمي، قائدًا للجماعة من طرف لجنة من (الشيوخ) عام 2002. وقد أطاح محمد يوسف بالشيوخ الذين عيَّنوه بعد اتهامه إياهم بالفساد والفشل في الوعظ بـ(الإسلام الحقيقي). وأوضح أنه لا يعتقد فيما سُمي بالقوانين الوضعية، وكروية الأرض، ودوران الأرض.
وكثفت جماعة بوكو حرام هجماتها ولاسيما ما بين فترة يوليو/تموز 2009 ويناير/كانون الثاني 2012، على المناطق الشمالية من نيجيريا، وعبَّر مراقبون عن قلقهم من امتداد تلك الهجمات إلى الجنوب الذي تقطنه غالبية مسيحية في الوقت الذي تضيِّق فيه الأجهزة الأمنية الخناق على الحركة في الولايات الشمالية. وكانت عواقب تمرد جماعة (بوكو حرام) كبيرة جدًّا؛ ومن أبرز ملامح هذه العواقب: الخسائر الكبيرة في الأرواح، والنزوح الداخلي للسكان، والتدمير المتعمد للممتلكات، وتمزيق الأسر، وطرد الاستثمارات المحلية والخارجية هذا عدا تشويه صورة البلاد خارجيًّا.
ويتزعم الحركة الآن أبو بكر شيكاو، وُلِد شيكاو في جمهورية النيجر، بقرية (شيكو)، التي يعيش سكانها على الزراعة وتربية الماشية، في شمال شرق ولاية يوب درس الشريعة وعلوم الأديان، وعمل مترجماً لشركة متخصصة في التوحيد، ويجيد لغته الكانوري، والفولاني فضلًا عن لغات الهوسا والعربية.
وتستهدف الحركة في عملياتها عناصر الشرطة ومراكز الأمن وكل من يتعاون مع السلطات المحلية. ورغم التقارب الموجود بينها وبين حركة طالبان، فإنه ليس هناك أي دليل قد يؤكد وجود صلة بين بوكو حرام وحركة طالبان الأفغانية. وقد تم اغتيال قائدهم محمد يوسف في 30 يوليو/تموز 2009.
وتعاني الحكومة النيجيرية هجمات هذه الجماعة التي وسَّعت عملياتها في نيجيريا، فضلا عن الخطف الذي تمارسه الحركة داخل البلد، وتم اختطاف 200 طالبة من قِبل الحركة في شمال البلاد.
وتقوم الحكومة النيجيرية بقصف مواقع الحركة وشنِّ هجمات على أماكنها للتقليل من خطرها، وهناك مخاوف حول العمليات التي تقوم بها هذه الجماعة داخل العاصمة التي اكتوت بنيرانها، وأيضًا مخاوف من حدوث تحالف بين حركة الإصلاح بدلتا النيجر وجماعة (بوكو حرام) في الشمال؛ مما يؤدى إلى عدم استقرار الأوضاع الأمنية في البلد، وهي تشكِّل تحديًا أمنيًّا على الإقليم.
2 . حركة التوحيد والجهاد (جماعة مالي)
حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا إحدى أهم الحركات الإسلامية المسلحة التي تنشط بالمناطق الشمالية، وهي حركة منبثقة عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ويقودها (محمد ولد نويمر)، ومعظم عناصرها من العرب. وتدعو الحركة إلى الجهاد في غرب إفريقيا، وتتقاسم السيطرة على المدينة مع (الحركة الوطنية لتحرير أزواد) بعد طرد الجيش المالي منها، وقبل أن تطرد -فيما بعد- عناصر الحركة الأزوادية على خلفية صراع بين الطرفين استمر نحو شهرين. وبينما باتت الحركة تسيطر على عدد كثير من مدن الشمال؛ فإنها أعلنت تطبيق الشريعة الإسلامية فيها.
ويشار إلى أن حركة (التوحيد والجهاد) مسلَّحة تسليحا جيدا، وممولة تمويلا أفضل، حتى أصبحت من أخطر المنظمات الإرهابية في شمال مالي. والغالبية الساحقة من أعضاء الحركة من العرب؛ حيث انشقت الحركة بالأصل عن تنظيم القاعدة بعد رفضه تشكيل كتيبة أو سرية خاصة بالمقاتلين العرب على غرار سرية الأنصار التابعة للتنظيم التي تضم في عضويتها بالأساس مقاتلين طوارق.
وتفيد التقارير الصحفية أن الظهور الأول للجماعة كان في عام 2011، أما بالنسبة إلى الأماكن التي تتحصن الحركة فيها فقد أشارت بعض التقارير إلى أن الهضبة الصحراوية الشاسعة الممتدة من منطقة تساليت في أقصى شمال مالي إلى مدينة غاو هي معقل حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا؛ حيث تفرض الحركة سيطرتها بلا منازع على عدد من القرى في تلك المنطقة.
وأرجع متابعون من خبراء الحركات الراديكالية أسباب نفوذ حركة (التوحيد والجهاد) المالية والمادية، إلى كونها تتكَّون من عصابات لتهريب المخدرات؛ ولأنها أيضًا استولت على كمية كبيرة من الأسلحة الثقيلة القادمة من ليبيا، بعد سقوط نظام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، فضلًا عن كونها لا تفوِّت فرصة لتضيف المزيد إلى خزائنها باللجوء إلى عمليات الاختطاف فضلا عن نهب المدن.
أما عن جانب البنية الهيكلية لجماعة (التوحيد والجهاد) فقد كشف بعض الوثائق أن الحركة تتكون قواتها من مقاتلين معظمهم من مالي وموريتانيا، فضلًا عن مقاتلين عرب، وكانت قبل أن تعلن انفصالها عن تنظيم القاعدة، تعمل نيابة عنها في تلك المناطق.
وبفضل ما يتوفر لديها من موارد مالية، وما تملكه من روابط قبلية، وما لها من حضور ميداني، استطاعت حركة (التوحيد والجهاد) طرد جميع مناوئيها الطوارق من مدينة أسونغو بعدما ألحقت بهم هزيمة كبرى في 27 يونيو/حزيران في مدينة قاو، إحدى المدن الثلاث الكبرى في شمال مالي. وللحديث بقية إن شاء الله.
لاتوجد تعليقات