رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 16 مارس، 2021 0 تعليق

هل التصوف منهج لتزكية النفس؟

 

الشيخ: عبد الله السبت - رحمه الله

 

قضية تزكية النفس هي -في الحقيقة قبل أن تكون عند الصوفية أو عند غيرهم- مطلب شرعي، بمعنى أن الإسلام من مطالبه الأساسية، ومن الأسس التي جاء النبيصلى الله عليه وسلم- ليقرها، ومن أجلها بُعثصلى الله عليه وسلم- «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وهي التي أخبر الله -سبحانه وتعالى- عن رسوله - صلى الله عليه وسلم -: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} فأرسل الله -سبحانه وتعالى- رسولهصلى الله عليه وسلم- إلى هذه الأمة ليزكيها ويرفعها وفق كتاب الله -تعالى- وسنة رسولهصلى الله عليه وسلم .

      والناس قبل مجيء النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينتشر بينهم الزنا والربا وقتل النفس، وكانوا يعدون مفاخرهم بقتل الناس وتيتم الأطفال، فلما جاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى هؤلاء زكاهم ورفعهم وجعلهم أمة قوية يخافها الناس، كما يخبر بذلك عمر - رضي الله عنه -: «كنا رعاة أذلة رعاة إبل وشاة فأعزنا الله بالإسلام، ومن يبتغ العزة بغير الإسلام أذله الله».

الهدف من الرسالة

      فإذاً من أهداف الرسالة تزكية الإنسان، فتزكية النفس مَعبَر إلى إخلاص العبادة لله -سبحانه وتعالى-، ومن ثم يستحق أن يكون عبداً لله -سبحانه وتعالى- فيدخل الجنة، ولذلك الله -سبحانه وتعالى- يخبر أن من زكى نفسه فهو مفلح، {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}.

تزكية النفس ليست غاية

     فتزكية النفس في ذاتها ليست غاية، والوصول إلى قمة الروحانيات في ذاتها ليست غاية، وإنما الغاية من وراء التزكية هي أن يَصِل الإنسان إلى درجة من السمو فيتقبل الطاعة فيرضى عنه الله -سبحانه وتعالى- فيدخله الجنة، ولذلك الله -سبحانه وتعالى- عندما أخبر بأنه {بعث في الأميين رسولاً منهم}، قال وظيفة هذا الرسول أنه: {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}، ثم أخبر بأن هؤلاء الناس كانوا قبل هذا النبي {في ضلال مبين}.

وسيلة إلى الإصلاح

      إذاً تزكية نفس الإنسان وسيلة إلى إصلاح هذه النفس لتقبل وتكون مهيأة لقبول أوامر الله -سبحانه وتعالى-، وهي كما يقولون: استصلاح الأرض لتقبل النبت فيثمر بعد ذلك، والنفس غير الزكية هي نفس غير مستصلحة، ومن ثم لا تُثمر عندها طاعة، ولا يستحق صاحبها أن يكون من أهل الجنة.

قبول دين الله -سبحانه وتعالى

      إذًا تزكية النفس لازمة وضرورة، ولكن هذه التزكية كيف تكون؟ تزكية النفس هو أن تكون متهيئة لقبول دين الله -سبحانه وتعالى-، وكلما زكت نفس الإنسان وطهرت وارتفعت رتبة عند الله -سبحانه وتعالى- جاءها علاج آخر لتزكو، ولذلك لما سُئل النبي - صلى الله عليه وسلم - أي الناس أشد بلاءً؟ قال: «الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم»، وفي رواية أخرى: «يفتن الرجل على حسب دينه»، هذه التزكية التي يُفتن بها هذا الرجل على حسب دينه هي التي تجعل هذا الإنسان ينتقل مرحلة أكبر فيرضى عنه الله -سبحانه وتعالى-، ولكنه يمنحه أيضا ليرقيه مرتبة أخرى، ولذلك عندما يصل هذا الإنسان إلى تمام قمة الأشياء يكون مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في مجلسه في الآخرة، كما جاء في الحديث الصحيح: «إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً»، فمن حسن خلقه وزكت نفسه واستقام على دين الله -سبحانه وتعالى- كان من أحب الناس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -،وكان من أقربهم منه مجلساً يوم القيامة.

فتن وامتحانات

      إذًا بمقدار ما تأتي نفس الإنسان من فتن ومن امتحانات من الله -سبحانه وتعالى- تترقى هذه النفس، ومن ثم نجده يُقدم على الطاعة ونجده يقدم على فعل الخير، هذه النفس قد يبلوها الله -سبحانه وتعالى- بأنواع أخرى من الابتلاءات ليميزها وليمحصها، ولذلك الله -تعالى-: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}، أنتم لا تعلمون طبائع الناس، ولا تعلمون ما يصلح الناس، ولا تعلمون ما يزكي الناس، ولا تعلمون ما يفسد الناس، ولكن الذي يعلم هذا كله الله -سبحانه وتعالى.

الصيام

     ومثال ذلك: الصيام فرضه الله -سبحانه وتعالى- طهرة للناس ولكن أي صيام هذا الذي يطهر الناس؟ هو الصيام الشرعي، فإذا جاء إنسان وصام صياماً غير شرعي لم ينفعه ذلك في تزكية نفسه، وإن صارت نفسه رقيقة! ولكنها نفس - بتعريف الشرع- غير زكية، وعندما جاء ذلك الذي امتنع أن يفطر أبداً ويصوم الدهر كله من الثلاثة الذين قال أحدهم لا أتزوج، والثاني قال: أحج ماشياً! ماذا كانت النتيجة؟ عد هذا النبي - صلى الله عليه وسلم - مخالفةً للدين، مع أن ظاهره أمر طيب صيام، ولذلك عندما خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - في الناس قال: «إني أعلمكم بالله وأتقاكم له»، وكذلك ليس كل قيام ليل يزكي النفس، لو قام الرجل ليلة الجمعة خاصتها لا تزكو نفسه، بل يأثم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام ولا يومها بصيام» حديث مسلم.

العبادة الشرعية

      إذاً العبادة الشرعية إذا أتت على غير وجهها لا تزكي النفس ولا يقبلها الله -سبحانه وتعالى-، فكيف بغير ذلك من أفكار الناس؟! ولذلك الله -سبحانه وتعالى- عندما قال عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه {يعلمهم الكتاب والحكمة} والحكمة هنا السّنة، فالطريق الشرعي الذي يزكي النفس هو طريق النبي - صلى الله عليه وسلم- فقط لا غير، ولذلك الله -تعالى- يقول لهؤلاء الذين يدّعون أنهم يحبون الله ورسوله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}، فإذا كنت تريد أن تصل إلى أن تكون محباً لله إنما يجب أن تتبع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فالأمر ليس بخيارنا، وليس كما نشتهي، وإنما ليس لنا إلا طريق واحد وهو طريق الرسول - صلى الله عليه وسلم .

طرق جديدة

إذا وضحت هذه القضية واستقامت؛ عند ذلك نأتي لنسأل: لماذا الناس تأتي بطرق جديدة لتزكي بها النفس؟

     فيه احتمالات: إما أنهم يظنون أنهم قد جاؤوا بأشياء لم يعلمها النبي - صلى الله عليه وسلم-! أو أنهم قد علموا من نفس الإنسان شيئا جديداً ما علمه الله ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم - وكلا الأمرين ضلال، ليس فيه ثالث، لأن النفس هي النفس، ليس لها علاقة لا بصعود القمر ولا نزول الأرض، وإنما تزكى نفس الإنسان لتقبل الطاعة.

فالذي جاء الآن بعبادات جديدة وأفكار جديدة وآراء جديدة نسأله هل اكتشفت شيئاً في النفس لم يكن معروفاً عند الله وعند رسوله - صلى الله عليه وسلم -؟! أو أنك قد تعلمت من نفس الإنسان شيئاً ما كان عند الله معلوماً؟ فإذا قال لا، نقول له اتبع ولا تبتدع فقد كُفيت.

ما أردنا إلا الخير

      الناس في الكوفة وجدوا أنهم لو سبّحوا بأيديهم يقول بعضهم أنا أنسى عدد التسبيح - وهذا الكلام في عهد الصحابة -رضوان الله عليهم- فقالوا إذاً نجمع حصى، وكلما قال أحدنا سبحان الله رفع الحصى ووضعها، تجد أن منطوق العبادة لا جديد فيه وهو التسبيح، والتسبيح بعد الصلاة مشروع، ولكن الوسيلة التي مارسوا بها هذه العبادة غير مشروعة، بل المشروع أن تسبح بيدك كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم- ويعقد التسبيح بالأنامل فإنهن مستنطقات، وجاء من يخبر ابن مسعود - صلى الله عليه وسلم - بهذا الذي حصل، فجاء إليهم وأراد قبل أن يناقشهم أن يقرر القاعدة - هل هم يتفقون معه عليها أم لا - فقال لهم: «أأنتم أهدى أم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، قال: «اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفيتم، عليكم بالأمر العتيق»، ثم قال أحدهم -وهذا هو بيت القصيد-: «والله يا أبا عبدالرحمن ما أردنا إلا الخير»، فقال لهم: «وكم من مريد للخير لم يبلغه».

الطريق إلى تربية النفس

      إذا الطريق إلى تربية النفس وتزكيتها واحد وهو طريق الرسول - صلى الله عليه وسلم -، إلا أن يزعم هذا أنه قد جاء بشيء ما عرفه النبي - صلى الله عليه وسلم - وعند ذلك نقول له: هذا الذي جئت به لا يدخلنا الجنة، وإنما يدخلنا الجنة أن نتبع النبي - صلى الله عليه وسلم-، والدين قد كَمُل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (المائدة: 3). ويقول أبو هريرة - رضي الله عنه -: «ما ترك لنا رسول الله شيئا إلا ودلنا عليه» قال: حتى (الخراءة) أي حتى قضاء الحاجة، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «ما من شيء يقربكم إلى الجنة إلا وأخبرتكم به، وما من شيء يباعدكم عن النار إلا وحذرتكم منه» الأمر قد بان، ولذلك قال الإمام مالك -رحمه الله-: «من زعم أن هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة فقد زعم أن محمداً قد خان الرسالة».

منهج غير شرعي

إذاً نحن نقول: لماذا كان التصوف منهجا غير شرعي لتزكية النفس؟

      لأن تزكية النفس تقوم على الكتاب والسنة، هذه هي الطريقة التي رفعت الصحابة فزكتهم، وليست غير هذه الطريقة تنجي عند الله -سبحانه وتعالى-، فإذا تركنا هديه - صلى الله عليه وسلم- وأخذنا بهدي الناس كيف نزكو؟! ولذلك أقول: التصوف بوصفه قاعدة لا يصلح مطلقاً أن يكون منهجاً لتزكية النفس.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك