رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: علي صالح طمبل 20 أكتوبر، 2014 0 تعليق

هل أوضاعنا سيئة أم أننا لا نحمد الله؟!

كنت أتجاذب أطراف الحديث مع صديقين، فتطرقنا إلى المعيشة، وذكرت لهم ما يقاسيه الناس من شظف العيش وغلاء اﻷسعار وأن البلد (بقت طاردة) كما يقولون، بدليل الارتفاع الكبير في معدلات الهجرة إلى الخارج، ولاسيما وسط الشباب وما خسرته البلاد من عقول وكفاءات وطاقات.

فقال لي أحدهم - وهو يكبرني بعشر سنوات على اﻷقل: مشكلتنا اﻷساسية ليست في شظف العيش ولا غلاء الأسعار، ولكن مشكلتنا أننا لا نحمد الله على ما بنا من نعم!

فسألته:

- كيف؟!

فقال بانفعال:

- لو قارنا أوضاعنا اليوم بأوضاعنا في الماضي؛ لوجدنا أن حالنا أفضل بكثير من ذي قبل.

- ولكنَّ كثيراً من الناس يَحنُّون إلى الماضي ويقولون: إن الدنيا كانت بخير، وأن اﻷوضاع كانت أفضل بكثير من اليوم، و...

فقال لي مقاطعاً هذه المرة بشيء من الحدة:

- هذا ليس صحيحاً، والدليل على ذلك أننا كنا نعاني في الحصول على أبسط اﻷشياء.

وهنا تدخل الثاني فقال:

- على سبيل المثال: لقد كنت أخرج بعد صلاة الصبح مباشرة ﻷذهب إلى المخبز، ولا أعود إلا في الحادية عشرة أو الثانية عشرة ظهراً، وقد أصل إلى الشباك بعد مشقة، فيقال لي إن الخبز قد نفد، ﻷبحث عن مخبز آخر، فأبدأ معه ذات المسلسل من الانتظار المضني في طابور طويل!

وقال اﻷول:

- لقد كانت المائدة في أغلب اﻷحيان لا تتعدى صنفاً واحداً فقط، واﻵن يصادف أن يكون في المائدة ثلاثة أصناف، ولكن الناس - إلا من رحم - لا يحمدون الله تعالى!

فقلت وقد بدت في وجهي ملامح ابتسامة :

- مصداقا لكلامك: لقد كنا ننتظر يوم الجمعة بفارغ الصبر؛ ﻷنه اليوم الوحيد الذي نذوق فيه طعم البيض؛ حيث يُعطَى كلٌّ منا بيضة كاملة! واليوم لا يمرُّ يومان دون أن نطعم البيض.

وأضيف من عندي:

- والله أذكر أنني قلت لصديقي يوماً بلهجة حالمة: أتذكر يوم أكلنا الرغيف باللبن؟ فتألم وتحسر، وقال لي: لا تذكرني! ﻷنه يعلم وأعلم أننا لم نذق طعم الرغيف باللبن منذ مدة طويلة!

وقال الثاني:

- ولم نكن نذوق طعم الفواكه إلا لماماً، بل أذكر أنَّ جدتي جاءت من الحج فأحضرت لنا تفاحاً، فقسمنا التفاحة الواحدة إلى سبعة أجزاء! واﻵن قد لا يمر أسبوع دون أن تشتري ﻷبنائك شيئاً من الفاكهة.

وعاد الثاني ليقول:

- لقد كان يصادف أن يكون في الحيِّ برمته تلفاز واحد، ولا تملك إلا أسر تعد بأصابع اليد الواحدة ثلاجة، واﻵن قد تجد في البيت الواحد تلفازين أو ثلاثة، فضلا عن ثلاجة أو ثلاجتين.

فقلت:

- أما التلفون فلم يكن يوجد إلا في بيوت علية القوم، وفي زماننا هذا صار الواحد يملك جوالاً وجوالين، بل بعضهم يملك ثلاثة جوالات؛ إذ إنه يخصص لكل شركة اتصالات جوالاً خاصاً بها.

وقال الثاني:

- وكان يسكن في البيت الواحد أسر عدة، بالرغم من أنه بيت مبنيٌّ في الغالب من الطين، أما اليوم، فقد تجد أسرة صغيرة تسكن في بيت فسيح مشيَّد على أحدث طراز، وعلى أقل تقدير في نصف بيت! هذا غير نعمة الأمن التي كنا نفتقدها في كثير من الأحيان.

ثم أضاف:

- أذكر أنه كان في حيِّنا كله سيارة واحدة من نوع البوكس، فإذا أراد أحدنا استئجارها، فعليه أن يخبر صاحبها قبل يوم بعد صلاة العشاء، أما الآن فقد تجد أمام البيت الواحد سيارتين أو ثلاث، وإذا أردت أن تعبر الشارع راجلاً فإنك تضطر للوقوف دقائق عدة، أما إذا كنت تقود سيارة فقد تقطع بضعة أمتار في نصف ساعة، وهذا كله من كثرة السيارات!

    صحيح أن اﻷوضاع الحالية ﻻ ترضي أغلبية الناس؛ فاﻷسعار خرجت من دائرة السيطرة، وضعف الرواتب جعل الكثيرين يعملون ليل نهار ليفوا بمتطلبات الحياة المتزايدة، وأصبح التعليم والصحة مضماراً للتجارة وحسابات الربح والخسارة، ومع ما يعانيه الناس من ضيق في العيش هناك ظلم واقع عليهم فيما يتعلق بالرسوم العالية والضرائب الباهظة والجمارك المرتفعة، مع تفشي المحاباة والمحسوبية في الاختيار للوظائف العامة، إلى غير ذلك، وفوق ذلك هناك فساد ينخر في المال العام دون رادع، رافعاً شعار: (نفسي نفسي)، حين قدم مصلحته الشخصية على المصلحة العامة.

    كل هذا لا يرضي اﻷغلبية العظمى من الشعب، لكن ينبغي أن ندرك أن كثرة الاحتجاج على الوضع الحالي قد تجعلنا ننسى في غمرة الشكوى والتسخط أن نشكر الله -تعالى- على ما حبانا به من نعم لا تُعد ولا تحصى، حُرِمَ منها الكثيرون، ولكن حين ننظر إلى الجزء الفارغ من الكوب ونركز على سلبيات الأنظمة دون إيجابياتها، ونقارن أنفسنا بمن فضلهم الله علينا ببعض النعم، متناسين من حرمهم الله منها، وما كنا فيه من قبل من فقر وعوز، حينها نجحد نعم الله علينا، وننسى أن مزيد النعم الشكر.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك


X