رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 4 نوفمبر، 2024 0 تعليق

هدي النبي صلى الله عليه وسلم وتعامله مع ذوي الاحتياجات الخاصة

  • قرر الشرع الحنيف الرعاية الكاملة والشاملة لذوي الاحتياجات الخاصة وجعلهم في سلم أولويات المجتمع الإسلامي وتكريم من كانت له موهبة أو حرفة نافعة أو تجربة ناجحة
  • نهى النبي هدي النبي صلى الله عليه وسلم وتعامله مع ذوي الاحتياجات الخاصة عن احتقار أصحاب الإعاقات والاستخفاف بهم فقد يكون المبتلى أعظم قدرًا عند الله أو أكبر فضلاً وعلمًا وجهادًا وتقوى وعفة وأدبًا
  • كان المجتمع النبوي يتضافر في مواساة ذوي الاحتياجات الخاصة ويتعاون في تكريمهم وتشريفهم اقتداء بمنهج النبي هدي النبي صلى الله عليه وسلم وتعامله مع ذوي الاحتياجات الخاصة
  • شرع الإسلام عيادة المرضى عموما وأصحاب الإعاقات خصوصا وذلك للتخفيف من معاناتهم فالشخص المعاق أقرب إلى الانطواء والعزلة والنظرة التشاؤمية
  • تتجلى رحمة النبي بذوي الاحتياجات الخاصة عندما شرع الدعاء لهم تثبيتًا لهم وتحميسًا لهم على تحمل البلاء ليصنع الإرادة في نفوسهم ويبني العزم في وجدانهم
 

إذا كان الإسلام قد كفل الرعاية الكاملة لذوي الاحتياجات الخاصة، فقد كفل أيضًا أولوية هذه الفئة في التمتع بهذه الحقوق كافة ، فقضاء حوائجهم مقدم على قضاء حوائج الأصحاء، ورعايتهم مقدمة على رعاية الأكفاء، ففي قصة عبدالله بن أم مكتوم - رضي الله عنه - خير دليل على ذلك، حينما جاءه يسأله عن أمرٍ من أمور الشرع، وكان يجلس إلى رجالٍ من الوجهاء وعلية القوم، يستميلهم إلى الإسلام، ورغم أن عبدالله بن أم مكتوم - رضي الله عنه - لم يرَ عبوسه، ولم يفطن إليه، فإن المولى -تبارك وتعالى- أنزل آيات بينات تعاتب النبي - صلى الله عليه وسلم - عتابًا شديدًا: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَن جَاءهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى} (عبس: الآيات 1 - 4)، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - -بعد ذلك- يقابله، فيهش له ويبش، ويبسط له الفراش، ويقول له: «مرحبًا بمن عاتبني فيه ربي».

          ففي هذه القصة، نرى علّة المعاتبة؛ لكون النبي - صلى الله عليه وسلم - انشغل بدعوة الوجهاء عن قضاء حاجة هذا الكفيف، وكان الأولى أن تُقضى حاجته، وتقدم على حاجات من سواه من الناس، وفي هذه القصة دلالة شرعية على تقديم حاجات ذوي الاحتياجات الخاصة على حاجات من سواهم.

تكريمه ومواساته - صلى الله عليه وسلم - لهم

         فعن عائشة - رضي الله عنه - أنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الله -عز وجل- أوحى إليّ أنه من سلك مسلكًا في طلب العلم، سهلت له طريق الجنة، ومن سلبت كريمتيه (يعني عينيه) أثَبْته عليهما الجنة»، وعن العرباض بن سارية - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، عن رب العزة - قال: «إذا سلبت من عبدي كريمتيه وهو بهما ضنين، لم أرضَ له ثوابًا دون الجنة، إذا حمدني عليهما»، وعن رحمة النبي - صلى الله عليه وسلم - بذوي الاحتياجات الخاصة يقول - صلى الله عليه وسلم - لكل أصحاب الإصابات والإعاقات: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا كُتِبَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَمُحِيَتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ».

مواساة وبشارة

        ففي مثل هذه النصوص النبوية والأحاديث القدسية، مواساة وبشارة لكل صاحب إعائقة، أن إذا صبر على مصيبته، راضيًا لله ببلوته، واحتسب على الله إعاقته، فلا جزاء له عند الله إلا الجنة، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول عن عمرو بن الجموح - رضي الله عنه -، تكريمًا وتشريفًا له: «سيدكم الأبيض الجعد عمرو بن الجموح» وكان أعرج، وقد قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم: «كأني أنظر إليك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة»، وكان - صلى الله عليه وسلم - يُولِم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا تزوج، وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استخلف ابن أم مكتوم على المدينة مرتين يصلي بهم وهو أعمى . وعن عائشة - رضي الله عنه - أن ابن أم مكتوم كان مؤذنًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو أعمى، وعن سعيد بن المسيب -رحمه الله- أن المسلمين كانوا إذا غزوا خلفوا زمناهم، وكانوا يسلمون إليهم مفاتيح أبوابهم، ويقولون لهم: قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا. وعن الحسن بن محمد قال: دخلت على أبي زيد الأنصاري فأذن وأقام وهو جالس قال: وتقدم رجل فصلى بنا، وكان أعرج أصيبت رجله في سبيل الله -تعالى-، وهكذا كان المجتمع النبوي، يتضافر في مواساة ذوي الاحتياجات الخاصة، ويتعاون في تكريمهم، ويتحد في تشريفهم، وكل ذلك اقتداء بمنهج نبي الرحمة - صلى الله عليه وسلم - مع ذوي الاحتياجات الخاصة.

زيارته - صلى الله عليه وسلم - لهم

       وشرع الإسلام عيادة المرضى عامة، وأصحاب الإعاقات خاصة؛ وذلك للتخفيف من معاناتهم؛ فالشخص المعاق أقرب إلى الانطواء والعزلة والنظرة التشاؤمية، وأقرب من الأمراض النفسية مقارنة بالصحيح، ومن الخطأ إهمال المعاقين في المناسبات الاجتماعية، كالزيارات والزواج، وفي الحديث عن رحمة النبي بذوي الاحتياجات الخاصة، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعود المرضى، فيدعو لهم، ويطيب خاطرهم، ويبث في نفوسهم الثقة، وينشر على قلوبهم الفرح، ويرسم على وجوههم البهجة، وتجده ذات مرة يذهب إلى أحدهم في أطراف المدينة، خصيصًا؛ ليقضي له حاجة بسيطة، أو أن يصلي ركعات في بيت المبتلى تلبية لرغبته، فهذا عِتْبَان بْن مَالِكٍ - رضي الله عنه وكان رجلاً كفيفًا من الأنصار- يقول للنبي - صلى الله عليه وسلم -: وددتُ يا رسول الله أنك تأتيني فتصلي في بيتي فأتخذه مصلى، فوعده - صلى الله عليه وسلم - بزيارة وصلاة في بيته قائًلا -في تواضع جم-: «سَأَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ»، قال عتبان فغدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر حين ارتفع النهار فاستأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأذنتُ له فلم يجلس حتى دخل البيت، ثم قال: «أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ؟»، فأشرتُ له إلى ناحية من البيت فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكبر فقمنا، فصفنا، فصلى ركعتين، ثم سلم.

الدعاء لهم

        تتجلى -أيضًا- رحمة النبي بذوي الاحتياجات الخاصة عندما شرع الدعاء لهم، تثبيتًا لهم، وتحميسًا لهم على تحمل البلاء، ليصنع الإرادة في نفوسهم، ويبني العزم في وجدانهم، فذات مرة، جاء رجل ضرير البصرِ إلى حضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقَالَ الضرير: ادعُ اللَّهَ أنْ يُعافيني، قَالَ الرحمة المهداة - صلى الله عليه وسلم -: «إنْ شِئتَ دَعوتُ، وإنْ شِئتَ صبرتَ فهوَ خيرٌ لك». قَالَ: فادعُهْ، فأمرَهُ أنْ يتوضَّأ فيُحسنَ وُضُوءَهُ ويدعو بهذا الدعاء: «الَّلهُمَّ إنِّي أسألكَ وأتوجَّهُ إليكَ بنبيِّكَ مُحَمَّد نبيِّ الرَّحمةِ إنِّي توجَّهتُ بكَ إِلى رَبِّي في حاجتي هذِهِ لتُقْضَى لي، الَّلهُمَّ فَشَفِّعْهُ فيَّ». وأَتَتْ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - امرأة تُصرع، فقالت: إني أُصْرَعُ، وإني أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي؛ فقَال النبيَ- صلى الله عليه وسلم -: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ»؛ فقالت: أَصْبِرُ، ثم قالت: إِنِّي أَتَكَشَّفُ! فَادْعُ اللَّهَ لِي أَلَا أَتَكَشَّفَ؛ فَدَعَا لَهَا - صلى الله عليه وسلم -، وهكذا المجتمع الإسلامي، يدعو لأصحاب الإعاقات والعاهات، اقتداء بنبي الإسلام - صلى الله عليه وسلم .

التحذير من تضليل الكفيف

         ولقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - أشد التحذير، من تضليل الكفيف عن طريقه، أو إيذائه، عبسًا وسخرية، فقال: «مَلْعُونٌ مَنْ كَمَهَ أَعْمَى عَنْ طَرِيقٍ»، فهذا وعيد شديد، لمن اتخذ العيوب الخلقية سببًا للتندر أو التلهي أو السخرية، أو التقليل من شأن أصحابها، فصاحب الإعاقة هو أخ أو أب أو ابن امتحنه الله؛ ليكون فينا واعظًا، وشاهدًا على قدرة الله، لا أن نجعله مادة للتلهي أو التسلي.

رفع العزلة والمقاطعة عنهم

         كان المجتمع الجاهلي القديم، يقاطع ذوي الاحتياجات الخاصة، ويعزلهم، ويمنعهم من ممارسة حياتهم الطبيعية، كحقهم في الزواج، والاختلاط بالناس، فقد كان أهل المدينة قبل أن يبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يخالطهم في طعامهم أعرج ولا أعمى ولا مريض، وكان الناس يظنون بهم التقذّر والتقزّز، فأنزل الله -تعالى-: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون}، أي ليس عليكم حرج في مؤاكلة المريض والأعمى والأعرج؛ فهؤلاء بشر مثلكم، لهم كامل الحقوق مثلكم، فلا تقاطعوهم ولا تعزلوهم ولا تهجروهم، فأكرمكم عند الله أتقاكم، «والله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أشكالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم»، وهكذا نزل القرآن، رحمة لذوي الاحتياجات الخاصة، يواسيهم، ويساندهم نفسيًّا، ويخفف عنهم، وينقذهم من أخطر الأمراض النفسية التي تصيب المعاقين، جراء عزلتهم أو فصلهم عن الحياة الاجتماعية.

التيسير عليهم ورفع الحرج عنهم

        ومن رحمة النبي - صلى الله عليه وسلم - بذوي الاحتياجات الخاصة مراعاة الشريعة لهم في كثيرٍ من الأحكام التكليفية، والتيسير عليهم ورفع الحرج عنهم، فعن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أملى عليه: {لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ}. قال: فجاءه ابن أم مكتوم وهو يمليها عليَّ - رضي الله عنه - (لتدوينها)، فقال: يا رسول الله، لو أستطيع الجهاد لجاهدت، وكان رجلاً أعمى، قال زيد بن ثابت: فأنزل الله -تبارك وتعالى- على رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وفخذه على فخذي، فثقلت عليّ حتى خفت أن ترض فخذي (من ثقل الوحي)، ثم سُرّي عنه، فأنزل الله -عز وجل-: {‏غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ}، وقال -تعالى مخففًا عن ذوي الاحتياجات الخاصة-: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً} (الفتح: 17)، فرفع عنهم فريضة الجهاد.

التوازن والاعتدال

       بيد أن هذا التخفيف الذي يتمتع به المعاق في الشرع الإسلامي، يتسم بالتوازن والاعتدال، فخفف عن كل صاحب إعاقة قدر إعاقته، وكلفه قدر استطاعته، يقول القرطبي: إن الله رفع الحرج عن الأعمى فيما يتعلق بالتكليف الذي يشترط فيه البصر، وعن الأعرج فيما يشترط في التكليف به من المشي، وما يتعذر من الأفعال مع وجود العرج، وعن المريض فيما يؤثر المرض في إسقاطه، كالصوم وشروط الصلاة وأركانها، والجهاد ونحو ذلك، ومثال ذلك الكفيف والمجنون، فالأول مكلف بجلّ التكاليف الشرعية باستثناء بعض الواجبات والفرائض كالجهاد، أما الثاني فقد رفع عنه الشارع السمح كل التكاليف، فعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ». فمهما أخطأ المجنون أو ارتكب من الجرائم، فلا حد ولا حكم عليه، فعن ابن عباس قال: أتي عمر - رضي الله عنه - بمجنونة قد زنت؛ فاستشار فيها أناسًا فأمر بها عمر أن ترجم، فمُرّ بها على علي بن أبي طالب -رضوان الله عليه- فقال: ما شأن هذه؟ قالوا: مجنونة بني فلان زنت، فأمر بها عمر أن ترجم. فقال: ارجعوا بها! ثم أتاه، فقال: يا أمير المؤمنين، أما علمت أن القلم قد رفع عن ثلاثة، عن المجنون حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يعقل؟ قال: بلى. قال: فما بال هذه ترجم؟! قال: لا شيء. قال علي: فَأَرْسِلْهَا. فَأَرْسَلَهَا. فجعل عمر يُكَبِّر.

هكذا كان المنهج النبوي

          هكذا كان المنهج النبوي في التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة، في وقت لم تعرف فيه الشعوب ولا الأنظمة حقًّا لهذه الفئة، فقرر -الشرع الإسلامي- الرعاية الكاملة والشاملة لذوي الاحتياجات الخاصة، وجعلهم في سلم أولويات المجتمع الإسلامي، وشرع العفو عن سفيههم وجاهلهم، وتكريم أصحاب البلاء منهم، ولا سيما من كانت له موهبة أو حرفة نافعة أو تجربة ناجحة، وحث على عيادتهم وزيارتهم، ورغب في الدعاء لهم، وحرّم السخرية منهم، ورفع العزلة والمقاطعة عنهم، ويسّر عليهم في الأحكام ورفع عنهم الحرج.

تحريم السخرية منهم

        كان ذوو الاحتياجات الخاصة، في العديد من المجتمعات الجاهلية، مادة للسخرية، والتسلية والفكاهة، فيجد المعاق نفسه بين نارين، نار الإقصاء والإبعاد، ونار السخرية والشماتة، ومن ثَم يتحول المجتمع -في وجدان أصحاب الإعاقات- إلى دار غربة، واضطهاد وفرقة، فجاء الشرع الإسلامي السمح؛ ليحرّم السخرية من الناس عموما، ومن أصحاب البلوى خصوصا، ورفع شعار (لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك). وأنزل الله -تعالى- آيات بينات تؤكد تحريم هذه الخصلة الجاهلية، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (الحجرات: 11). كما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «الكِبْر بطر الحق وغَمْط الناس»، «وغمط الناس»: احتقارهم والاستخفاف بهم، وهذا حرام؛ فإنه قد يكون المبتلى أعظم قدرًا عند الله، أو أكبر فضلاً على الناس، علمًا وجهادًا، وتقوى وعفة وأدبًا، ناهيك عن القاعدة النبوية العامة، الفاصلة: «فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك