هاجس الخوف والقلق!!
حالة تنتاب الناس وتغلبهم عادة، وهي الإحساس الدائم بالقلق وعدم الرضا والتفكير في الغد؛ حيث يرون الحروب المستعرة والأزمات الاقتصادية المتكررة، والقرارات التي تدعو إلى شد الحزام لاحتمال الأسوأ، وتطل الفتن كقطع الليل المظلم، حينها يخاف الإنسان من الأمراض، ويهاب الموت، ويعيش في بؤس نفسي غالب عليه!! وكل مبناه وقع من خلال الظن والتخمين والتأويل الفاسد في وحل الخيال؛ فيبحث عن نصائح للطعام الذي يقلل خطر الإصابة بالأمراض، ويبحث عن شركات التأمين وعن الوظائف التي تدفع رواتب مغرية مجزية.
فالمسلم يعيش مع منظومة إيمانية إيجابية تحصنه من التوقعات السلبية والآثار السيئة، ويبتعد عن الغفلة، ويحسن التوكل على الله -عز وجل- ويعلم بأنه لن يصيبه إلا ما كتبه الله له، قال تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاَّ ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}(التوبة: 51).
فيرضى بقضاء الله وقدره، فإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا، ويعرف الهدف الذي خلق من أجله ويعمل بمقتضاه {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، ويعرف أن الحياة كلها تعب وشقاء وبلاء واختبار، ولكنه يعمل بما كان يعمل به الأنبياء والرسل والصالحين والمصلحين؛ لأنهم القدوة الحسنة، قال تعالى:{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ۚ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿١١﴾وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ۚ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}(التغابن: 11 - 13).
فيؤدي دوره تجاه نفسه من العلم والتعلم لعمل الصالح وكسب الرزق الحلال، وتجاه زوجته وأبنائه من التربية والاستقامة والمراقبة، وإيجاد لبنة صالحة في المسلم، وتجاه والديه من البر بهما ودفع الضر عنهما، وتجاه وطنه من الحب والذود عنه، والعمل المتاح والمباح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتجاه المسلمين في كل أنحاء المعمورة من الدعاء، والوقوف معهم في أزماتهم في حدود الاستطاعة، ويسعى جاهدا لتحقيق الأمن والأمان، لتكون كلمة الله هي العليا، ويلتزم طاعة الله -عز وجل- وطاعة رسوله، ويسأل العلماء الذين يثق في علمهم وأمانتهم، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}(الأنعام: 82).
وقال الفاروق عمر بن الخطاب لسعد بن وهيب: «ياسعد ليس بينكم وبين الله نسب، أنتم عباده وهو ربكم، تنالون ما عنده بطاعته، فما عند الله من خير وبركة وسعة رزق وأمن وأمان لا نناله إلا باستقامتنا على شرع الله»، وكان عمر بن عبدالعزيز يقول: «إن الأمان غدا لمن باع قليلا بكثير، ونافذا بباق، ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين وسيخلفها من بعدكم الباقون؟!، وكذلك حتى تردوا إلى خير الوارثين. إن الخوف على مستقبل ذريتك يدفعك دفعا لتقوى الله، قال تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا}(النساء: 9)، وقال حاتم الأصم: «علمت أن رزقي لن يأخذه غيري فأطمأنت بذلك نفسي».
فللغربة التي نعيشها فضلاً عن الجهل أثر كبير في انحراف التصورات والتصرفات تبعا لذلك الخوف حتى صار بعضهم كالمستجير من الرمضاء بالنار، أو كالعير بالبيداء يقتله الظمأ، والماء فوق ظهوره محمول، فأصبحنا نتعلق بمن سيفوز في الانتخابات الأمريكية؟ وهل سيكون عونا لنا؟ ونتعلق بمن يرجم بالغيب من الكهنة والعرافين، ونذهب للسحرة وللأوثان والأولياء، ونتعلق بالخيط والخرز والتميمة والتولة!! نداوي الداء بداء آخر، ونطلب الأمن من مكمن الخطر، وننشد نتائج لم نأخذ بمقدماتها!! قال تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36) وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ ۗ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ}(الزمر: 36-37).
فأمم سبقتنا كانت تنحت من الجبال بيوتا فارهين، ويبنون مصانع لعلهم يخلدون، فما الذي آل إليه أمرهم؟ {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ۖ فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا ۖ وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ}(القصص: 58)؛ وسبب الدمار والهلاك هو الضلال والظلم والكفر، قال تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا (8) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا}(الصلاق: 8-9).
نسأل الله أن يصلح أحوالنا، ويجمع كلمتنا على الحق والدين، ويرفع عن أمتنا البلاء والفتن، ويجمعنا في أمن وأمان، ويحقن الدماء، ويولي على الأمة خيارهم، ويثبتنا على الطاعة، ويبعدنا عن المعصية.
لاتوجد تعليقات