نعم: القدس العاصمة الدينية للمسلمين
القدس كانت وما زالت عنوان الصراع مع اليهود الغاصبين وأعوانهم ، ومقياس التهدئة والتصعيد، والشعلة والفتيل لتصاعد الأحداث، وكثير من الأحداث الجسام على أرض فلسطين اشتعلت شرارتها من القدس والمسجد الأقصى المبارك، مروراً بأحداث البراق في عام 1929م عندما حاول اليهود السيطرة على حائط البراق، وحرق المسجد الأقصى ، وأحداث النفق أسفل منه ، إلى اقتحام المجرم شارون ساحات المسجد الأقصى المبارك في 28/9/2000 م واشتعال أحداث فلسطين التي مازالت مستمرة بتصعيد وتخطيط يهودي، وصولاً إلى الأحداث التي نعيشها اليوم في القدس التي امتدت إلى أرجاء فلسطين لتصل إلى قلب تل الربيع وغيرها من المناطق التي احتلت في 1948م .
القرارات التي ننتظر تطبيقها
حينما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر 1947 قرار رقم 181 بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، أبقى القدس منطقة دولية لفترة مؤقتة من الوقت، تعود بعدها القدس العربية لتخضع للسيادة الفلسطينية؛ فتحقق القسم الأول من القرار، أما القسم المتعلق بالقدس؛ فإنه مازال معلقا وتحت ممارسات وإجراءات اليهود .
وبعد حرب 1948م احتل اليهود غربي القدس - وهي تساوي حوالي 85 % من المساحة الكلية للقدس – وقاموا بتهويد هذه المنطقة التي تعود ملكيتها للعرب وبناء أحياء سكنية يهودية فوق أراضيها وأراضي القرى العربية المصادرة حولها.
وبعد هزيمة حرب يونيو 1967 احتل الكيان الصهيوني باقي فلسطين فسقطت الضفة الغربية بما فيها شرقي القدس، وقطاع غزة ، وأعلن عن توحيد شطري القدس تحت الإدارة اليهودية في 27/6/1967 م .
ثم أعلن رسمياً في 30 يوليو 1980 أن القدس عاصمة أبدية موحدة للكيان اليهودي، وقام الكيان اليهودي بتوسيع نطاق بلدية القدس تدريجياًُ ، ليتمكن من ضم مناطق أخرى من الضفة الغربية نهائياً إلى كيانه، وليقوم بعملية تهويد القدس على نطاق مبرمج واسع . وعمل على تنفيذ خطة ما يسمى بالقدس الكبرى لتشمل 840 كم2 أي نحو 15 % من مساحة الضفة الغربية .
وفي نطاق بلدية شرقي القدس أنشأ الصهاينة طوقاً من 11 حياً سكنياً يهودياً حول المدينة القديمة؛ حيث المسجد الأقصى يسكنها حوالي 190 ألف يهودي . كما أنشؤوا طوقاً آخر – أكثر اتساعاً – حول القدس من 17 مستعمرة يهودية محاولاً قطع القدس عن محيطها العربي والإسلامي، وبالتالي قطع الطريق عن أي تسوية سلمية يمكن أن تعيد القدس أو شرقي القدس للفلسطينيين .
ويسكن القدس بشقيها حوالي 650 ألفاً منهم 450 ألف يهودي و200 ألف عربي (يسكنون شرقي القدس) على 4 % من مساحة القدس، ولم تنفع التسوية السلمية واتفاقات أوسلو في وقف الاعتداءات وتم تسجيل أكثر من 100 اعتداء خلال الفترة من 1993 –2006م؛ مما يشير إلى ازدياد الحملة الشرسة ضد المسجد الأقصى.
وقد صدرت عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي عشرات القرارات الدولية برفض ضم الكيان اليهودي لشرقي القدس ، ورفض أية إجراءات مادية أو إدارية أو قانونية تغير من واقع القدس واعتبار ذلك لاغيا ، واستمرت القرارات في الصدور إلى الآن ، غير أنها وإن كانت تعترف بحقوق الفلسطينيين ، إلا أنها تفتقر الجدية والآلية اللازمة لإرغام الكيان الصهيوني على احترام القرارات الدولية .
ففي العام 1971م أعلن مجلس الأمن: إن كل الأعمال التشريعية والإدارية التي اتخذتها إسرائيل لتغيير وضع مدينة القدس بما في ذلك مصادرة الأراضي والأملاك ونقل السكان وسن التشريعات الهادفة لضم الجزء المحتل، هي أعمال وإجراءات باطلة ولا يمكن لها أن تغير ذلك الوضع. قرار مجلس الأمن الدولي 298 ( 1971)، بتاريخ 25 أيلول (سبتمبر 1971م) .
وتكرر مضمون تلك القرارات حينما تبنت إسرائيل قانونها الأساسي الخاص بالقدس في 1980م الهادف إلى تثبيت ضمها الفعلي للقدس؛ فقد قام مجلس الأمن الدولي مجدداً بإصدار بيان واضح يعد عمل إسرائيل ذلك باطلاً بموجب القانون الدولي، وكذلك في العام 2006 تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً أعادت فيه تأكيدها بأن جميع الأعمال التي قامت بها إسرائيل لفرض قوانينها وتشريعاتها وإدارتها على المدينة المقدسة هي أعمال غير قانونية، وبالتالي فهي غير قائمة وباطلة وليس لها أهمية على الإطلاق.
وأصدرت اللجنة الرباعية في الاجتماع الذي عقدته في موسكو في 19 آذار (مارس) 2010م قراراً فيه التأكيد على أن الاستيطان في القدس عمل غير شرعي بموجب القانون الدولي.
لماذا تُزرع المغتصبات في القدس وحولها؟!
يلخص مؤلف كتاب (إسرائيل والقدس الشرقية استيلاء وتهويد) (مائير مارجيت)، واقع المغتصبات التي تزرع في القدس وما حولها، بقوله: إن مجرد وجود مستوطنة يكفي لضمان السيطرة على المكان وبالتالي تتغير طبيعة المكان من مكان حياة مسالمة إلى منطقة نزاع.
ويضيف : فهي تؤدي إلى تفتيت الأرض، وتدمر تناسق المجتمع وانسجامه، وبالتالي إلى تعميق السيطرة اليهودية على الأرض، ومن ثم تُعكر المستوطنات المحيط وتقلقه، إنها تمزق الشعور بالمكان، وتضر بالأمن النفسي للسكان؛ فالمستوطنة تثير بمجرد وجودها العداء، وتلحق الضرر بالمكان الذي تحتله؛ لأنها امتداد لـ الدولة المحتلة؛ مما يشعر المواطنين العرب بالإذلال وبأنهم تحت الاحتلال.
وفي المقابل تم إغلاق العشرات من المؤسسات المدنية والمراكز العربية التي تدافع وتحافظ على الوجود الإسلامي في شرقي القدس – البلدة القديمة – تقوم حكومة الاحتلال بفتح عشرات المراكز اليهودية التي تسهل انتقال اليهود وإقامة المؤسسات من مدارس دينية وخدمات اجتماعية واقتصادية، وإعفاءهم من الضرائب وإعطاءهم الحوافز، بينما يعاني أهل القدس أشد أنواع الظلم من اعتداءات وضرائب وسحب هويات وتقطيع أواصلهم وإمتدادهم مع باقي فلسطين .
بينما تفرض أعلى نسبة ضرائب في العالم على سكان شرقي القدس من المسلمين بهدف التضييق الاقتصادي عليهم وإجبارهم على الخروج منها لتعجيل تهويدها وإحلال اليهود بمساكنهم ، علما بأن تلك الضرائب غير قانونية دولياً بموجب معاهدة جنيف ولاهاي التي تمنع فرض الضرائب على المحتل إلا أنها مازالت تُفرض وبمبالغ باهظة وفي حالة الامتناع عن دفع الضريبة أو عدم القدرة يتم حجز الأملاك والمصادرة والسجن في بعض الأحيان.
هل يعقل بعد هذه القرارات وبعد الكثير من الوعود وآخرها تعهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالحفاظ على الدور الأردني التاريخي في رعاية المقدسات الإسلامية بالقدس المحتلة، في اجتماعه الذي تم في عمان بين ملك الأردن عبد الله الثاني ونتنياهو ووزير الخارجية الأميركي جون كيري؛ حيث نص بيان صادر عن الديوان الملكي الأردني إن نتنياهو شدد على التزام إسرائيل بالحفاظ على الوضع القائم في الأماكن المقدسة بالقدس الشرقية وعدم المساس بها بأي شكل من الأشكال، واحترام الدور الأردني الهاشمي التاريخي في الحفاظ على الأماكن المقدسة بالقدس ورعايتها أن ينقضوا عهودهم ومواثيقهم؟.
حيث إن الأردن وحسب اتفاق السلام الذي وقعه مع الكيان الصهيوني في وادي عربة في العام 1994 م يقر بإشراف الأردن الكامل على المقدسات، فضلاً عن الاتفاق الموقع بين العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ورئيس السلطة محمود عباس حول الوصاية الهاشمية لتلك الأماكن، ومع ذلك تتعرض المقدسات الفلسطينية، والمسجد الأقصى على وجه الخصوص من حملة تهويد وتحريف واعتداءات متكررة ومتنامية، بلا أي رادع قانوني أو دبلوماسي أو أخلاقي.
لا شك أننا نعيش واقعاً مريراً منذ (هيرتزل) إلى (نتنياهو) إجماع على تهويد القدس؛ فمنذ تأسيس الحركة الصهيونية عام 1897 م وقادتها يجمعون على تهويد القدس والمسجد الأقصى المبارك مؤكدين صراحة إمكانية هدمه وإقامة الهيكل المزعوم مكانه، وها (نتنياهو) مستمراً في ذلك المخطط .
المعركة من أجل القدس
نحن في معركة من أجل القدس، عاصمتنا الأبدية، عبارة أطلقها الرئيس الصهيوني بنيامين نتنياهو – سابقاً - وتعهد بالانتصار فيما وصفه بـ(المعركة من أجل القدس).
لكن نبشر الجميع سواء كانوا يهوداً أم من عاونهم بأن مصيرهم في القدس وأرض فلسطين ستؤول يقيناً إلى مصير الصليبيين حينما احتلوها 91 عاما؛ فأين هم الآن؟! أخبرنا ربنا, وربنا صادق, ولا يخلف وعده, أخبرنا أننا سنسوء وجوه اليهود, وسندخل المسجد كما دخلناه أول مرة, ونتبر العلو اليهودي تتبيرا، وستزول دولة الظلم, ويعود الأقصى وفلسطين إلى حضن المسلمين, كما عادت فيما مضى من أيدي الصليبيين الظالمين.
وكتاب الله -تعالى- أكد أن الزعامة والسيادة لا تنتقل بالوراثة، والظالم لا يستحق ميراثاً ولا عهداً: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}(البقرة:124).
ولعل بعضنا يتساءل متى يكون حق لليهود في فلسطين والمسجد الأقصى؟ ونجيبهم بأن اليهود سيشاركوننا هذا الحق، إذا حققوا شرطاً واحداً ألا وهو أن يسلموا، فإن أسلموا، فلا ننكر هذا الحق لكل مسلم على وجه الأرض؛ فإن أولى الناس بإبراهيم في وراثة فلسطين (المسجد الأقصى)، وأولى الناس بالإمامة من بعده هم المسلمون وليسوا اليهود، وليسوا ممن يدينون بغير الإسلام مهما كانت جنسياتهم.
القدس عاصمة الخلافة
نعم؛ فالمستقبل للمسلمين في القدس وفلسطين بمدنها وبساتينها وبحارها وسهولها وجبالها ووديانها، هذا ليس شعاراً نرفعه لنتكئ على الأمل والرجاء، بل هو منهج وعقيدة، نؤمن يقيناً، بأن أرض فلسطين ستعود، ولن يطول الانتظار إن رجعنا وتمسكنا بأسباب عزنا ونصرنا؛ مهما ادلهمت الظلمات، وتكالب الأعداء، وتداعت الأمم، وتحالف المخذلون، سيبزغ نور الفجر من جديد بإذنه -تعالى.
ونذكر بما رواه عبد اللَّه بن حَوَالَةَ الأَزدِيُّ رضي الله عنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حول المدينة على أقدامنا لنغنم فرجعنا ولم نغنم شيئا وعرف الجهد في وجوهنا فقام فينا فقال: «اللَّهُمَّ لَا تَكِلْهُمْ إِلَيَّ فَأَضْعُفَ وَلَا تَكِلْهُمْ إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَيَعْجِزُوا عَنْهَا وَلَا تَكِلْهُمْ إِلَى النَّاسِ فَيَسْتَأْثِرُوا عَلَيْهِمْ»، ثم قال: «لَيُفْتَحَنَّ لَكُمْ الشَّامُ وَالرُّومُ وَفَارِسُ أَوْ الرُّومُ وَفَارِسُ حَتَّى يَكُونَ لِأَحَدِكُمْ مِنْ الْإِبِلِ كَذَا وَكَذَا وَمِنْ الْبَقَرِ كَذَا وَكَذَا وَمِنْ الْغَنَمِ حَتَّى يُعْطَى أَحَدُهُمْ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَسْخَطَهَا»، ثم وضع يده على رأسي أو هامتي فقال: «يَا ابْنَ حَوَالَةَ إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَتْ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ فَقَدْ دَنَتْ الزَّلَازِلُ وَالْبَلَايَا وَالْأُمُورُ الْعِظَامُ وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ إِلَى النَّاسِ مِنْ يَدَيَّ هَذِهِ مِنْ رَأْسِكَ». أخرجه الإمام أحمد ، والبخاري في تاريخه ، وصححه الألباني في صحيح أبو داود.
فأخبر أن الخلافة في آخر الزمان تكون في القدس، وبعد ذلك تظهر الأشراط الكبرى للساعة بما تحمله من زلازل وفتن، وعلق بعض أهل العلم الظاهر أن الحديث في خلافة تكون عاصمتها القدس، وإلى القدس يذهب المسيح -عليه السلام- بعد نزوله في دمشق، وهذا يشير إلى أن فلسطين وقتذاك بيد المسلمين ، وأن دولة اليهود الحالية ذاهبة منتهية، واستدلوا من هذا الحديث أن عاصمة الخلافة تكون القدس.
لاتوجد تعليقات