رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: رجب أبو بسيسة 2 يوليو، 2019 0 تعليق

نعم الرفيق الصبر


الصبر نعمة عظيمة، وعبادة جليلة، ودليل عافية وفلاح، وإنما يدرك الإنسان الخير كله بالصبر والاحتساب. والصبر نصف الإيمان، وبه يستعين المؤمن على النصف الآخر.  قال -تعالى-: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}.

تأمل الخصال الأربع

الإيمان يحتاج إلى صبر.

والعمل الصالح يحتاج إلى صبر.

والحق في معرفته، واعتقاده، والقيام به، والدعوة إليه يحتاج إلى صبر.

م جُعل الصبر محورًا بمفرده في السورة؛ لأهميته، ولحاجة الإنسان إليه؛ فهو سبب النجاة والفوز.

قال -تعالى-: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} (السجدة: 24). فالدنيا لا تستقيم إلا بالصبر والاحتساب، وكلما عظم الصبر زاد الأجر، وقوي الإيمان، واقترب العبد من ساحل النجاة.

الإصلاح والتغيير

     وأحوج الناس للصبر مَن يقومون بمهمة الإصلاح والتغيير والدعوة إلى الله؛ فهذه المهمة الشاقة لا يقوى عليها إلا ذو صبر عظيم وإيمان عميق، بل هذا الطريق لا يصلح فيه إلا الرجل المكيث الذي يجيد التصرف في الأمور، فيُوَفَّق للصبر والاحتساب وتحمل المشاق في ذات الله -عز وجل.

     وإذا تحلى العبد واتصف بالصبر لم يعرف اليأسُ إليه طريقًا، بل وسيتحمل الأذى، ويقاوم المشاق والعقبات؛ فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ»، بل علم الصحابة -رضي الله عنهم- الصبرَ الجميل، وحذرهم من حرق المراحل والاستعجال؛ فقد قال لخباب «لكنكم قوم تستعجلون».

العجلة أم الندامات

العجلة أم الندامات، ومن تعجل شيئًا قبل أوانه عوقب بحرمانه، وما تعجل مَن تعجل إلا لقلة علمه وصبره وضعف توكله وعدم معرفته لطبيعة الطريق.

ومن رحمة الله بنا أنه لم يطالبنا بالنتائج، ولكننا مطالبون بالبذل والسعي مع الصبر الجميل، والأمور بيد الله -عز وجل- يفعل ما يشاء متى شاء -سبحانه وتعالى.

تحديات الواقع

     والواقع مملوء بالتحديات والأزمات والعقبات، والباطل يدق طبول الحرب والفتنة، وشياطين الإنس والجن تغزو المجتمعات بخيلها ورَجلها وأصواتها وشهواتها وشبهاتها، ومعهم أمولٌ لا تحصى ووسائل لا تُعَدّ وجيوش يزعمون أنها لا تُهزم ولا تنكسر، بل كادوا يقولون: «مَن أَشدُّ مِنَّا قوةً».

الهموم وضيق الصدر

وقد يضيق صدرك أيها المؤمن وتجتمع عليك الهموم والأحزان، ولكن ارفع بصرك إلى أعلى؛ فقد قال -تعالى-: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}.

يا قوم، الأمر يُقضى من ها هنا -أي من السماء- وليس من ها هنا -أي من الأرض- هكذا قالها عمر بن الخطاب - رضي الله عنه .

     لعلك أيها المؤمن يضيق صدرك لِمَا ترى من ضعف الأمة وكثرة أعدائها، ولعله يمنعك من العمل والاستمرار على البذل والتضحية أنك ترى القوة مع غيرها، لكن اعلم أن العاقبة للتقوى، وأن كل انتصار لا ينسجم مع الآخرة فهو بروز شكلي سرعا ما يضمحل، والآخرة عند ربك للمتقين.

وأنبهك إلى شيء مهم جدًا: أنك بدعوتك فأنت في عبادة، أمرك بها الله، كما قال: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبون}، فأنت تحقق العبادة في الأرض، وإن رأيتها أنت قليلة وغير مجدية.

الدعاء

وإذا كنت ترى سيطرة الباطل فتأمل هذا الدعاء!

«اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ وَزَلْزِلْهُمْ».

وكأنه يقول لك أيها المؤمن إذا ضاقت عليك الدنيا وسبلها وفجاجها فلا تنسَ أن الله أنزل الكتاب ليُعْمَلَ به ويحكم به، وأَمْرُ اللهِ نَافِذٌ وواقع، وما عليك إلا أن تدعو إليه وتجاهدهم وتقاومهم به، قال -تعالى-: {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا}.

فأنت أيها المؤمن اصطفاك الله واجتباك للقيام بأمره والسعي في مرضاته قال -تعالى-: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}.

     لكن لا بد من الصبر المقرون باليقين، ولا يضرك شيء معهما إن حققتهما؛ قال -تعالى-: {وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}. وقالها يوسف -عليه السلام- في قوله -تعالى- : {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}.

مجري السحاب

     ثم تأمل. مجري السحاب، فالسحاب لا يجري بأمر ملوك الدنيا ولا ساستها ولا جيوشها، ولكنه يجري بأمر العزيز الحكيم؛ فأهل الدنيا مملوكون مقهورون ولا يستطيعون موتًا ولا حياةً ولا نشوراً، ولا يستطيعون أن ينفذوا من أقطار السموات والأرض إلا بسلطانٍ مِن الله -سبحانه وتعالى.

عندما يفكر المؤمن بهذه الطريقة ويوفق لها فلا بد أن يتصف بالصبر ويجتهد في العمل الصالح، والسير على ما جاء به الوحي، والسعي في طريق الإصلاح والتغيير غيرَ عابئ بما يلاقيه من كثرة العقبات والمعوقات.

الصبر

فيصبر المؤمن على طريق الاستقامة ومشاقه؛ فالمؤمن صاحب رسالة هي القيام بالعبودية وإفراد الرب بالتوحيد والعبادة.

أيها المؤمن، الصبر نِعْم الرفيق والمعين.

الصبر بأنواعه:

- صبر على طاعة الله بالعمل والقيام بالأمر.

- وصبر عن المعاصي بالترك.

- وصبر على قضاء الله وقدره بالرضا.

- والمصابرة على وزن مفاعلة، تصابر بها الباطل بوسائله وتقاومه.

العلم

     وحتى لا تنحرف فليكن سبيلك العلم والوحي، وليكن هاديك الاتباع والدليل، وهمك نيل الرضا، مرابطًا على الاستقامة بصبر، لا تبرحها ولا تعدو عيناك عنها تريد زينة الحياة الدنيا، مرابطًا على ثغر قلبك وجوارحك، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.

إن كان هذا حالك فلا يضرك شيء؛ لأنك على طريق الصبر واليقين، وهؤلاء قد وعدهم الله -سبحانه وتعالى- بالفوز والنجاة.

وأيضا فلتحذر أيها المؤمن من الخروج عِن قافلة الصابرين؛ فإن خروجك لا يضر أحدًا سواك.

قدر الله

وسوف تجري عليك المقادير، ولا تستثنيك؛ لأن من قدَّر الله عليه أمرًا فلا بد من إدراكه؛ فمن رضي فله الرضا ومن سخط فعليه السخط.

{ومن يؤمن بالله يهد قلبه}.

وصعوبات اليوم هي ثمن انتصارات الغد، قال -تعالى-: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ وأخيرًا:

الصبر ضياء؛ فإذا استحكمت الأزمات وتعقدت حبالها وترادفت الضوائق وطال ليلها فالصبر وحده هو الذي يشع النور العاصم من التخبط، والهداية الواقية من القنوط.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك