رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: مصطفى دياب 7 ديسمبر، 2020 0 تعليق

نعمة الولد

 

 

كثيرا ما يطرق أسماعنا أن فلانا تزوج منذ خمس سنوات أو أكثر، ولم يرزق بمولود، وأن فلانا حاول عند الأطباء ولم يفلح، وآخر اتجه إلى فكرة أطفال الأنابيب، وغيره إلى الحقن المجهري وغيره وغيره، وكل هؤلاء قد ابتلاهم الله بالحرمان من نعمة الولد، وكم أكثروا من الدعاء والتضرع لله والإنفاق ليسمعوا فقط صوت طفل لهم في دارهم! {والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين}.

     وحتى الأنبياء يدعون ربهم ليرزقهم الولد؛ ليكون وريثا للشريعة، ومبلغا لرسالة أبيه، فهذا زكريا ينادي ربه في الخفاء متضرعا متجاوزا كل الأسباب المانعة {قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا (٤) وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا (٥) يرثني ويرث من أل يعقوب واجعله رب رضيا}، فهو عجوز وامرأته عاقر، ومع ذلك منَّ الله عليه، وبشره بما يسرُّه {يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا}.

نعمة لا يعرفها إلا من حرمها

إن نعم الله أكثر من أن تحصى، ونعمة الولد لا يعرفها إلا من حرمها {لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور (٤٩) أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما}.

     إن نعمة الولد من النعم التي يبشر بها الإنسان وتسر قلبه {وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب}، إنها نعمة اخترقت كل تخيل، وفاقت كل احتمال، وتجاوزت كل الأسباب {قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب}، ولكن لا عجب مع قدرة الله قالت لها الملائكة: {قالوا أتعجبين من أمر الله رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد}.

 وذلك لتعلموا أيها الأحباب أن الله واهب النعم {وما بكم من نعمة فمن الله}.

أفضل نعمة بعد الإسلام

إن نعمة الولد -كما قال السلف- أفضل نعمة على العبد بعد الإسلام، ذلك أن الله زين بها حياة العبد {المال والبنون زينة الحياة الدنيا}.

لماذا يطلب الناس الولد؟

لماذا يطلب الناس الولد؟ وهنا تتعدد المقاصد:

-رغبة في استمرار الشريعة والخير للعباد والبلاد {يرثني ويرث من آل يعقوب}.

-أعظم مشروع استثماري للعبد بعد وفاته، «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له».

- زيادة سواد المسلمين وأهل الخير، «تناكحوا وتناسلوا؛ فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة».

- وغير ذلك كمن يريدهم للزرع والحرث، واستمرار اسم العائلة والقوة والتباهي بين الناس وغير ذلك.

أي ولد الأصلح؟

     لا يحقق السعادة للوالدين إلا الولد الصالح، وهذا لا يكون من تلقاء نفسه، بل بفضل الله أولا، ثم الإعداد والبناء الجيد، وهذا المولود معه رصيد هائل من الاستجابة (الفطرة) « ما من مولود إلا يولد علي الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه»، فهو مستعد للبناء والتشييد والتربية الحسنة، ومن باب شكر نعمة الله علي العبد أن يحسن تربية أولاده، ويؤدبهم ويعلمهم أمر دينهم ودنياهم، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة}، فعليهم تُعلق الآمال، وبسببهم تُستجلب الأرزاق والرحمات {نحن نرزقهم وإياكم} وقال -تعالى-: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم}.

مسؤولية كبرى

إن كل النعم مسؤولية، ونعمة الأطفال مسؤولية كبرى؛ فهم امتداد وجود هذه الأمة وأساس كيانها؛ ولذا شدد النبي - صلى الله عليه وسلم - على حسن رعايتها وحفظها «ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، وقال: «ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة».

إن الاسلام حافظ على الذرية فقال -تعالى-: {ولا تقتلوا أولادكم} وقال: {قوا أنفسكم وأهليكم نارا}.

حفظ حقوقهم

 وأمر النبي بحفظ حقوقهم فقال: «اعدلوا بين أولادكم، في العطاء والحب والحنان»، وقال -تعالى-: {ادعوهم لآبائهم} حفاظا على أنسابهم، وأثبت لهم حق الميراث إذا استهل صارخا.

اللعب والمرح

     ومن حقهم اللعب والمرح والسرور؛ فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يمر على الأطفال وهم يلعبون بالطين كأنهم تجار فيقول لهم: «بارك الله لكم في بيعكم»، وفي مشهد آخر يواسي النبي - صلى الله عليه وسلم - الطفل الصغير عندما مات عصفوره الذي كان يلعب به فيقول: «يا أبا عمير ما فعل النغير»؟ و مشهد أخر يجعله خلفه علي حمار، أو يجعله علي يمينه في مجلس الكبار، أو ينقله من اليسار إلي اليمين ليقف بجواره في الصلاة.

قال ابن القيم: «فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى فقد أساء غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه».

نفسية الطفل

يقول د/ محمد إسماعيل المقدم -حفظه الله: «نفسية الطفل وشخصيته تتشكل وتوضع بذرتها الأولى في الخمس السنوات الأولى من عمر الطفل».

     وقد نهر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ذلك الرجل الذي أتى يشكو عقوق ولده بعد أن سمع من الغلام؛ إذ قال: «وما حقوق الأبناء على الآباء يا أمير المؤمنين؟»، فأجاب عمر: «علي الآباء أن يحسنوا اختيار الأم، ويحسنوا اختيار الاسم، ويحسنوا التربية»، فقال الغلام: «ولكن أبي اختار أمي من الإماء، وأسماني (جُعل)، وبدل التأديب كلفني برعي أغنامه وإبله»، فقال عمر للأب:  «اذهب فقد عققته قبل أن يعقك». ولقد كان حرص الآباء كبيرا على صلاح الأبناء ومعية الله لهم، فيُروى أن داوود -عليه السلام- قال: «إلهي كن لابني كما كنت لي» فأوحى الله -تعالى- إليه: «يا داوود، قل لابنك يكن لي كما كنت لي، أكن له كما كنت لك».

حماية الأطفال

وأخيرا كان المسلمون الأوائل يوقفون الأموال على الأطفال الذين إذا أرسلهم آباؤهم لشراء شيء ضاعت منهم الأموال، ليدفعوها للآباء عوضا لهم وحماية للأطفال من قسوة عقاب الآباء المحتملة؛ فاشكروا الله علي نعمة الولد، وأحسنوا تربيته، فإنه أعظم مشروع استثماري لآخرتك «ولد صالح يدعو له».

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك