رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني 22 سبتمبر، 2017 0 تعليق

نعمة الأمن وأهميتها وسبيل تحققها والحفاظ عليها(3) الخروج على الحاكم المسلم يجر إلى فساد عظيم


إن الأمن والاستقرار نعمةٌ عظيمٌ نفعها، كريمٌ مآلها، وهي مَظَلّةٌ يستظل بها الجميع مِنْ حَرِّ الفتن والتهارج، وهذه النعمة يتمتع بها الحاكم والمحكوم، والغني والفقير، والرجال والنساء، بل البهائم تطمئن مع الأمن، وتُذْعَر وتُعطَّل مع الخوف واضطراب الأوضاع، وتهارج الهمج الرعاع؛ لذلك كان لابد أن نقف مع هذه النعمة لنستعرض أهميتها وسبيل تحققها والحفاظ عليها، واستكمالا لهذا الموضوع نقول:

     بعد أن قررنا في المقال السابق أنه لايلزم من مجرد كُفر الحاكم - إن سلَّمنا بذلك- دعوة الناس للخروج عليه، ومنابذته بالسلاح؛ فاعلم أن الخروج على الحاكم المسلم - وإن ظلم - يجر إلى فساد عظيم.

     فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى-: «ولعله لا يكاد يُعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته».

     وقال - رحمه الله -: «وقَلَّ مَنْ خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولَّد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير، كالذين خرجوا على يزيد بالمدينة، وكابن الأشعث الذي خرج على عبد الملك بالعراق، وكابن المهلب الذي خرج على ابنه بخراسان، وكأبي مسلم صاحب الدعوة، الذي خرج عليهم بخراسان أيضًا، وكالذين خرجوا على المنصور بالمدينة والبصرة، وأمثال هؤلاء».

لا يكون لهم عاقبة

     قال: «وغاية هؤلاء إما أن يُغْلَبُوا، وإما أن يَغْلِبُوا، ثم يزول ملكهم، فلا يكون لهم عاقبة، فإن عبد الله بن علي وأبا مسلم هما اللذان قتلا خلْقًا كثيرًا، وكلاهما قتله أبو جعفر المنصور، وأما أهل الحرة وابن الأشعث وابن المهلب وغيرهم؛ فهُزِموا وهُزِم أصحابهم، فلا أقاموا دينًا، ولا أَبْقَوْا دنيا، والله -تعالى- لا يأمر بأمر لا يصلح به صلاح الدين ولا صلاح الدنيا، وإن كان فاعل ذلك من أولياء الله المتقين، ومن أهل الجنة، فليسوا أفضل من علي، وعائشة، وطلحة، والزبير وغيرهم، ومع هذا لم يَحْمدُوا ما فعلوه من القتال، وهم أعظم قدرًا عند الله، وأحسن نية من غيرهم».

     قال: «وكذلك أهل الحرة: كان فيهم من أهل العلم والدين خَلْق، وكذلك أصحاب ابن الأشعث: كان فيهم خَلْق من أهل العلم والدين، والله يغفر لهم كلهم»، قال: «وقد قيل للشعبي في فتنة ابن الأشعث: أين كنت يا عامر؟ قال: كنت حيث يقول الشاعر:

عَوَى الذُئب فاستأنسْتُ بالذئب إذْ عَوَى

                                       وصَـوَّت إنسـانٌ فكـدتُ أطـير

«أصابتنا فتنة لم نكن فيها بررة أتقياء، ولا فجرة أقوياء».

لا تدفعوا عذاب الله بأيديكم

      قال: «وكان الحسن البصري يقول: إن الحجاج عذاب الله، فلا تدفعوا عذاب الله بأيديكم، ولكنْ عليكم بالاستكانة والتضرع؛ فإن الله -تعالى- يقول: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُون}، وكان أفاضل المسلمين ينهوْن عن الخروج في الفتنة، كما كان عبد الله بن عمر، وسعيد بن المسيب، وعلي بن الحسين، وغيرهم ينهوْن عام الحرَّة عن الخروج على يزيد، وكما كان الحسن البصري، ومجاهد، وغيرهما ينهوْن عن الخروج في فتنة ابن الأشعث؛ ولهذا استقر أمْر أهل السنة على تَرْكِ القتال في الفتنة، للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاروا يَذْكُرون هذا في عقائدهم، ويأمرون بالصبر على جَوْر الأئمة، وترْك قتالهم، وإن كان قد قاتل في الفتنة خَلْقٌ كثير من أهل العلم والدين...».

أصلح الأمور للعباد

       إلى أن قال: «وهذا كله مما يبين أن ما أمر به الرسول - صلى الله عليه وسلم  - من الصبر على جور الأئمة، وتَرْكِ قتالهم والخروج عليهم؛ هو أصلح الأمور للعباد في المعاش والمعاد، وأن من خالف ذلك متعمدًا أو مخطئًا؛ لم يحصل بفعله صلاح، بل فساد؛ ولهذا أثنى النبي - صلى الله عليه وسلم  - على الحسن بقوله: «إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين»، ولم يُثْنِ على أحد لا بقتال في فتنة، ولا بخروج على الأئمة، ولا نَزْع يدٍ من طاعة، ولا مفارقة للجماعة».اهـ.

باب الخروج باب فتنة

     فتأمل قول شيخ الإسلام: «ولم يُثْنِ على أحد لا بقتال في فتنة...إلخ» يظهر لك أن باب الخروج باب فتنة، فلا تكن من المتهورين فيه، حتى وإن كان الإمام الجائر من الأشرار الفجار؛ لأن خروجك عليه لا يرجع - في الغالب- إلا بشر أكبر.

      وقد جاء في (الفتح) قال ابن بطال: «وفي هذا الحديث - أيضًا- حجة لما تقدم من ترك القيام على السلطان - ولو جار -؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم  - أعْلَمَ أبا هريرة بأسماء هؤلاء، وأسماء آبائهم، ولم يأمرهم بالخروج عليهم - مع إخباره أن هلاك الأمة على أيديهم - لكون الخروج أشد في الهلاك، وأقرب إلى الاستئصال من طاعتهم، فاختار أخف المفسدتين، وأيسر الأمرين».اهـ.

ليس من الهدي تتبع أخبار الحكام

     وهذا يدلنا على أن هَدْي رسول الله صلى الله عليه وسلم  ومنهج الصحابة - رضي الله عنهم - ليس فيه إشغال المسلمين بتتبع أخبار الحكام وأحوالهم، وإشهار ذلك في الناس، حتى يكون ذلك حديث الكبير والصغير، والذكر والأنثى، والصالح والطالح! وإلا فلماذا لم يُخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصحابة بحال هؤلاء الغلمان الذين يكون هلاك الأمة على أيديهم، كما أخبرهم بالصلاة والزكاة ونحوهما؟ وإذا كان إشهار ذلك في الناس هو الهدْي الصحيح؛ فلماذا لم يبثه أبو هريرة في الناس؟! إن هذا كله ليدل على فقه السلف الذي يُغلق الأبواب أمام الفتن المفضية للخراب، وأما من لـم يهتد بهديهم؛ فإنه يرى ذلك جبنًا وخذلانًا، فإلى الله المشتكى.

ليس من حقائق الدين

     وقد صرح شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- بأن العلم بما يجري من الفتن والملاحم ليس من حقائق الدين، فقال -رحمه الله تعالى- بعد ذكره قول أبي هريرة: «حَفِظْتُ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم - جرابين: فأما أحدهما فبثثته فيكم، وأما الآخر: فلو بثثته؛ لقطعتم هذا البلعوم»، قال -رحمه الله تعالى-: «ولكن ليس في هذا من الباطن الذي يخالف الظاهر شيء، بل ولا فيه من حقائق الدين، إنما كان في ذلك الجراب الخبر عما سيكون في الملاحم والفتن، فالملاحم: الحروب التي بين المسلمين والكفار، والفتن: ما يكون بين المسلمين؛ ولهذا قال عبدالله بن عمر: لو أخبركم أبو هريرة أنكم تقتلون خليفتكم، وتفعلون كذا وكذا؛ لقلتم: كَذَبَ أبو هريرة، وإظهار مثل هذا مما تكرهه الملوك وأعوانهم؛ لما فيه من الأخبار بتَغيُّر دُوَلهم...».اهـ.

     فأين هؤلاء الذين يجعلون الجهل بتفاصيل أمور الحكام جهلًا بالمعلوم من الدين بالضرورة، ويرونه جهلًا بحقائق الدين، ويستحلون عرض مخالفهم، بل ربما استحلوا دمه؟!

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك